«روج آفا»: أكراد سوريا يحلمون بالفيدرالية.. وإنهاء أزمة البلاد

«روج آفا»: أكراد سوريا يحلمون بالفيدرالية.. وإنهاء أزمة البلاد

«روج آفا»: أكراد سوريا يحلمون بالفيدرالية.. وإنهاء أزمة البلاد

«أهلاً بكم فى روج آفا».. كانت تلك هى العبارات الأولى التى نسمعها بعد ساعات من الطنين فى آذاننا بسبب أزيز الطائرة الأمريكية التى نقلتنا من إحدى القواعد العسكرية فى مدينة «السليمانية» بإقليم شمال كردستان إلى منطقة «عين عيسى» فى شمال سوريا. منذ اللحظة الأولى للاتفاق على هذه الرحلة، كان الغموض هو سيد الموقف، أولاً وقبل كل شىء.. أخبرنا مرافقونا بأننا لن نعلم بموعد الطائرة إلا قبلها بساعات معدودة، هكذا كان الاتفاق منذ البداية، وعلى هذا اضطررنا إلى البقاء فى السليمانية لمدة 4 أيام متواصلة فى انتظار الطائرة التى ستنقلنا إلى الجانب الآخر. ظهر يوم الثلاثاء الموافق 26 سبتمبر الماضى، جاءنا اتصال هاتفى من أحد مرافقينا.. «خلال ربع ساعة عليكم أن تكونوا جميعاً فى ردهة الاستقبال فى الفندق.. الطائرة ستتحرك خلال ساعتين».. بعدها حزمنا حقائبنا واستقللنا سيارات الدفع الرباعى إلى مهبط الطائرة فى إحدى القواعد العسكرية، فى رحلة استغرقت نحو نصف ساعة، وصلنا خلالها إلى قاعدة عسكرية زُينت أبوابها بصورة ضخمة للرئيس العراقى الراحل جلال طالبانى، أو «مام جلال»، كما يسميه الأكراد، أى «العم جلال».

{long_qoute_1}

ما إن دخلنا إلى تلك القاعدة.. بادر أحد مرافقينا بالقول: «سننتظر هنا لفترة قليلة من الوقت.. ممنوع التصوير منذ لحظة الدخول وحتى ركوب الطائرة»، فجلسنا فى إحدى الغرف فى انتظارها.. وبعد أقل من نصف ساعة بدأ أزيز الطائرة يرتفع فى المحيط.. خرجنا لنجد أمامنا طائرة نقل عسكرية أمريكية من طراز «أوسبيرى»، وما إن صعدنا على متنها، حتى بدأ بعض الجنود الأمريكيين والأكراد فى تحميل بعض المعدات العسكرية على متن الطائرة، وقبل أن تنطلق تولى جندى أمريكى مهمة ربط المعدات، وتسلم مدفع 25 مللى سريع الطلقات مثبتاً فى مؤخرة الطائرة المفتوحة، وجلس ينظر من نظارة معظمة بحثاً عن أى من عناصر «داعش» وتحسباً لأى هجوم طارئ، بينما كان أكثر ما جذب انتباه الجميع هو أحد عناصر القوات الأمريكية الذى كان يطالع الفصول الأخيرة من رواية «1984» لـ«جورج أوريل» بهدوء دون أن ينطق بكلمة واحدة طوال الرحلة. بعدها انطلقت الطائرة الأمريكية فى طريقها إلى القاعدة الأمريكية فى مطار «إربيل» لإنزال بعض المعدات وتحميل معدات أخرى.. وعلى مدار ساعة تقريباً قضيناها فى تلك القاعدة، نزل بعض الجنود الأمريكيين من على متن الطائرة وصعد جنود آخرون، فوصل إجمالى عدد الجنود الأمريكيين نحو 8 إلى جانب 4 جنود من وحدات القوات الخاصة الكردية التى تحمل اسم «ليخومان باراستين».

حلقت الطائرة مجدداً، وبعد نحو 25 دقيقة من الطيران على ارتفاع منخفض، استدارت الطائرة يساراً بشكل مفاجئ، ليعلن لنا مرافقنا أننا الآن أصبحنا على الحدود العراقية السورية، وعند منطقة «تل قاضية» على مشارف دير الزور، استنفر الجندى الأمريكى على المدفع وجلس يراقب المنطقة بهدوء تحسباً لأى طارئ. وصلنا أخيراً إلى مهبط الطائرة فى الفناء الخلفى لإحدى الشركات العالمية، فاستقبلنا جنود تلك القاعدة بعبارة: «أهلاً بكم فى روج آفا»، أى إنه كان يرحب بوصولنا إلى منطقة شمال سوريا التى تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية التابعة لمجلس سوريا الديمقراطية، التى يطلق عليها الأكراد اسم «روج آفا»، أى «غرب كردستان». {left_qoute_1}

بعد نحو نصف ساعة من الانتظار فى القاعدة العسكرية، وصلت السيارات التى ستنقلنا إلى المكان الذى سنبيت فيه الليل، فقطعنا ما يزيد على 400 كيلومتر للوصول إلى منطقة «عامودا».. وخلال كل تلك المسافة كان الهاجس الأمنى هو السمة الأبرز التى لاحظناها خلال المسافة التى قطعناها، فالنقاط الأمنية منتشرة على طول الطريق إلى درجة أننا مررنا على ما لا يقل عن 25 نقطة أمنية لقوات الأمن الداخلى الكردية المعروفة باسم «الأساييش»، وكان على السائق أن يتوقف فى كل مرة للتعريف عن نفسه وهوية من معه، وفى بعض الأحيان يحتاج إلى إبراز التصريح الأمنى الذى يحمله. «فى كل المناطق الكردية تكون قوات تأمين الطريق من الأكراد.. أما فى المناطق العربية فتكون الوحدات العربية هى المسئولة عن التأمين»، هكذا قال السائق المرافق لنا، «مالك»، وهو أحد العناصر المنتمية للقوات الكردية. خلال إقامتنا فى شمال سوريا، كانت السمة الأبرز هى المسافات الشاسعة التى كنا نقطعها يومياً للوصول إلى وجهة مختلفة كل يوم، ورغم اختلاف الطرق، فإن العامل المشترك بينها، هو أنها جميعاً أنهكتها الحرب.. طرق مقطوعة وجسور مقصوفة ونقاط أمنية تترقب بحثاً عن أى عنصر إرهابى محتمل. من «كوبانى» غرباً إلى «الدرباسية» شرقاً، قطعنا ما لا يقل عن 3 آلاف كيلومتر فى 4 أيام فقط.. كلها تقع تحت سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية»، التى تشمل تحت جناحها عدداً كبيراً من الفصائل الكردية والعربية والسريانية والتركمانية، أبرزها «وحدات حماية الشعب الكردية» و«وحدات حماية المرأة» و«الأساييش»، والقوات العربية، والقوات السريانية.

فى مدينة «القامشلى»، التى تعد عاصمة إقليم «روج آفا»، أو شمال سوريا، كان الوضع أفضل قليلاً من الوضع فى بقية المدن التى مررنا بها، التى كان تلوث الهواء فيها يصل إلى مراحل لا يمكن احتمالها بسبب المصافى المحلية لـ«النفط» التى يلجأ إليها المواطنون لتوفير احتياجاتهم اليومية من البنزين والسولار. كانت «القامشلى» تشبه إلى حد ما مركز أحد الأقاليم المصرية، وبها جامعة أكملت عامها الأول، ولم يعترف بها دولياً حتى الآن، وهى المركز الرئيسى لأغلب المؤسسات الأمنية والحزبية للمكونات المشاركة فى مجلس سوريا الديمقراطية، لكن أبرز ما كان يميز تلك المدينة هو وجود ما يُسمى بـ«المربعات الأمنية»، وهى مناطق لا تزال إلى يومنا هذا خاضعة لسيطرة الحكومة والجيش السورى رغم سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على المدينة ككل، وهى مناطق الخدمات الحكومية. «تركناها هكذا لنثبت للعالم أننا نحترم الدولة السورية ووحدتها.. ولأننا حريصون على مصلحة المواطنين أيضاً.. فكيف يمكن لهم إنهاء أوراقهم إلا إذا كانت لديهم وسيلة للتواصل مع العاصمة».. هكذا قال «محيى الدين» قبل أن يضيف: «المربعات الأمنية لا تحتاج وقتاً طويلاً للسيطرة عليها، ولكن تم الإبقاء عليها للتأكيد للعالم أننا منفتحون على التواصل مع العاصمة».

على مدخل مدينة «تل تمر»، كانت أعلام الأحزاب الكردية ترفرف عالياً فى كل مكان.. بداية من حركة المجتمع المدنى، وحتى قوات حماية الشعب الكردية ووحدات حماية المرأة والقوات السريانية. «يعيش فى المدينة أغلبية من السكان التركمان والسريان، وقليل من العرب.. داعش خرج من هذه المدينة منذ شهرين فقط، ولا تزال آثار الدمار ظاهرة على المنازل كما ترون».. هكذا يقول مرافقنا الكردى محيى الدين، مضيفاً: «على يسارنا كانت هناك سوق كبيرة للأغنام.. معظم أهالى المدينة يعملون فى الزراعة ورعى الأغنام.. ويعد سوق تل تمر من أكبر أسواق الأغنام فى الشمال السورى». بعدها بقليل مررنا بجبال قزوان، فقال لنا مرافقنا إن هذه الجبال تحتضن مراكز تدريب «داعش»، وهى تمتد حتى مشارف الرقة.

رغم قطعنا كل تلك المسافات، كانت الملاحظة الأبرز لنا هى عدم وجود علم واحد ترفعه تلك القوات.. كلٌ يرفع علمه الخاص.. وهو ما برره مرافقنا بأن «العلم الموحد سيتم رفعه ما إن يتوافق السوريون جميعاً على شكل ودستور موحد لمستقبل الدولة».

{long_qoute_2}

من جديد عبرنا على منطقة «عين عيسى»، حيث كانت صوامع الغلال الحكومية خاوية تماماً بعد أن هجرها كل العاملين فيها، فقد أثر الحصار على أوضاع المزارعين الذين هم الغالبية العظمى من سكان الشمال السورى، التى تعد سلة الغذاء الحقيقية للدولة السورية بأكملها، ولا تزال حتى الآن هى المورد الأساسى للأغذية، مثل القمح واللوز والقطن والنفط لكل سوريا من خلال اتفاقات بين الإدارة الذاتية فى شمال سوريا والحكومة السورية، فـ«العلاقات السياسية لا تمنع وجود بعض الاتفاقات كهذه فى بعض الأحيان».. هكذا قالت الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية إلهام أحمد.

على مدار 15 يوماً فى شمال سوريا تجولنا فيها شرقاً وغرباً، كانت المصافى المحلية للنفط عاملاً مشتركاً فى أغلب المدن التى زرناها، وهو ما يبرره «محيى الدين» بأن «الناس لا يمكنهم الانتظار لتلبية احتياجاتهم.. ولأن المنطقة محاصرة لا يمكن أن نستورد احتياجاتنا من المواد البترولية.. حتى الآن يتم استخدام الموارد النفطية فى شمال سوريا محلياً فقط لتلبية الاحتياجات الداخلية واحتياجات الحكومة السورية فى بعض الأحيان باتفاقات معينة. المواطنون يقومون ببناء محطات تصفية محلية، هى السبب فى تلوث الهواء بهذا الشكل لأن إمكانياتها محدودة وعملية الاحتراق فيها لا تكون كاملة.. لكنها على أى حال توفر الاحتياجات المحلية لنا.. وهى مصدر دخل أيضاً للإدارة الذاتية التى تحصل على إيراداتها من المواطنين الذين يمتلكون محطات تصفية محلية».

وقال الشيخ إبراهيم الهنداوى، شيخ عشيرة الهنادة فى «تل أبيض»، إن «هناك أزمة تتعلق بتطبيق قانون المرأة فى أوساط العشائر العربية، وخصوصاً فى تل أبيض، حيث كان لدى تلك العشائر تحفظات على بعض مواد القانون، وعلى هذا طلبنا من الإدارة الذاتية فتح جلسات نقاش حول هذا القانون، خصوصاً فى البنود التى تمس الشريعة الإسلامية وتعدد الزوجات والميراث، وقد وافقت الإدارة بالفعل وتم تعليق تنفيذ القانون فى بعض المناطق»، مضيفاً: «نحن بصدد إجراء حوار مجتمعى حول هذه القوانين».

بعد دقائق من هذا الحديث، كان السائق المرافق لنا يستمع إلى أغنية لمطربة كردية تقول: «أنا كردى ودمى كردى.. أصل الرجولة تلاقيها منى»، بينما كانت جندية من قوات «الأساييش» تتفحص أوراق السيارة على حاجز قبل «عين عيسى»، ليتدخل «محيى الدين» قائلاً: «كما قلنا لكم.. لا فارق بين رجل وأنثى فى الخدمة فى الميادين والمعارك والمناطق الأمنية».

هناك من يقول إننا نضطهد العرب ونهجّرهم.. وهذا أمر غير حقيقى.. قد تكون هناك أخطاء فردية وهى مرفوضة بالطبع.. وقد رصدنا تلك الأخطاء وواجهناها.. وهى أخطاء غير ممنهجة»، هكذا أجابنا رئيس مكتب العلاقات العامة بقوات سوريا الديمقراطية فرحان حاج عيسى، الذى أكد أن «المقاتلين العرب والأكراد والسريان ومن كل المكونات السورية يقتلون على الأرض، ووسط كل هذا الخليط من الطبيعى أن تحدث أخطاء ولكنها تظل أخطاء فردية، وهناك من يستغلها لتضخيمها وتعميمها، ووسائل الإعلام تشارك فى هذا الأمر، لكنها كلها حالات فردية تم مواجهتها».

ويضيف «حاج عيسى»: «قوات سوريا الديمقراطية تأسست فى أكتوبر 2015 فى المناطق الكردية فى البداية، ولم يكن هدفها أبداً اضطهاد أى فصيل، وإنما الدفاع عن الأكراد، والمنظومة الأخلاقية لنا دفعتنا إلى الخروج من المناطق الكردية إلى كل مناطق الشمال السورى للدفاع عن جميع المكونات.. وانضم إلى قواتنا عناصر من كل المكونات العربية والسريانية والتركمانية، وهناك الآن توازن فى القوة بين كل المكونات المشاركة فى قوات سوريا الديمقراطية.. وهذه القوات تشكلت للدفاع عن سوريا كلها وليس الأكراد فقط، ونحن نطرح نفسنا كجيش وطنى مستقبلى لكل السوريين.. ونحن على استعداد للتحرك على كل الجبهات السورية لتخليصها من الإرهاب بغض النظر عن كونها عربية أو كردية أو غيرها»، مؤكداً: «رغم أن قوات التحالف الدولى ليست لديها رؤية واضحة حول سوريا ومستقبلها، فإننا نمتلك رؤيتنا الخاصة للشعب السورى الموحد بالكامل دون تفرقة بين عربى أو كردى أو سريانى».


مواضيع متعلقة