انتصارات الجيش السورى تعيد مفاتيح المفاوضات إلى «قبضة الأسد»

كتب: محمد حسن عامر

انتصارات الجيش السورى تعيد مفاتيح المفاوضات إلى «قبضة الأسد»

انتصارات الجيش السورى تعيد مفاتيح المفاوضات إلى «قبضة الأسد»

مع عودة مدينة «حلب» إلى كنف الحكومة السورية يمكن القول إن النظام السورى وحلفاءه قلبوا موازين النزاع السورى المشتعل منذ نحو 6 سنوات، فاقتناص الحكومة المدينة الاستراتيجية من المعارضة المسلحة يعنى أن وجودهم سيقتصر إلى جانب محافظة «إدلب» شمال غرب سوريا على بعض المناطق فى «درعا» جنوب البلاد التى كانت مهد الانتفاضة ضد الرئيس بشار الأسد وفى ريف دمشق، حيث تراجعت الفصائل المعارضة هناك أيضاً مع خسارة اثنين من معاقلها هما «داريا» و«معضمية الشام». وتخضع «إدلب» لسيطرة «جيش الفتح»، وهو تحالف فصائل إسلامية بينها «جبهة فتح الشام» (جبهة النصرة سابقاً)، بينما يسيطر تنظيم «داعش» الإرهابى على مدينة «الرقة». وبالتالى أصبحت الحكومة السورية تسيطر على المدن الرئيسية الثلاث «دمشق وحمص وحلب» فضلاً عن الجزء الأكبر من «سوريا المفيدة»، أى غرب البلاد. أما الجزء الأكبر مما تبقى فهو عبارة عن مناطق صحراوية. والانتصارات العسكرية التى حققها الرئيس السورى، بعد أن كانت التحليلات السياسية فى منتصف عام 2015 تقول إنه سيسقط خلال أشهر، تعنى أنه أمسك بمفاتيح مفاوضات السلام المحتملة بعد فشل ثلاث جولات حوار هذه السنة بإشراف «الأمم المتحدة»، وفق تقرير لوكالة أنباء «فرانس برس».

{long_qoute_1}

وعلى الصعيد الدولى، سيخلق الانتصار العسكرى الذى حققه «الأسد» فى «حلب» مع الوقت انجذاباً دولياً نحوه أكثر بعد أن كان هناك شبه إجماع دولى فى وقت من الأوقات على ضرورة رحيله أو سقوطه، فمن ناحية فإن الرئيس السورى سجّل انتصاراً فى مواجهة دول الخليج، وخاصة قطر والسعودية الداعمتين الكبريين للمعارضة المسلحة، كما أنه ربح من ناحية أخرى عن طريق حليفه الوثيق روسيا التى تمكنت بدبلوماسيتها فى الفترة الأخيرة من استقطاب تركيا نسبياً بعيداً عن قطر والسعودية، ما يعنى أن الأسد تمكن نسبياً من تقويض تحالف السعودية وتركيا وقطر. وعلى الصعيد العالمى، يرى المحلل والخبير فى شئون الخليج «نيل باتريك» أن السعودية ومعها الدول الأخرى يدركون أنه فى ظل ولاية الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب سيتسارع التقارب الغربى تجاه «الأسد»، ويضيف «باتريك» أن «الدول الخليجية خلصت إلى أن روسيا هى اللاعب الرئيسى فى سوريا، وأن واشنطن قد تحاول التوصل إلى اتفاق مع موسكو حيال المرحلة المقبلة».

على الصعيد العسكرى، من الواضح أن القوات الحكومية السورية حددت وجهتها المقبلة وهى محافظة «إدلب»، التى كانت لأشهر هدفاً لحملة قصف روسية مكثفة على المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وتزامن ذلك حتى مع مواجهة القطاع الشرقى الذى كان خاضعاً لسيطرة مقاتلى المعارضة فى «حلب» والتصعيد فى الغارات الجوية والقصف حتى انهارت دفاعاتهم واضطروا للموافقة على اتفاق الإجلاء. وأشار الجيش السورى، وفق تقرير لوكالة «رويترز» فى 25 ديسمبر بعد شن طائرات روسية غارات على «إدلب»، إلى أن الحملة الرئيسية المقبلة بعد انتصاره فى «حلب» ستستهدف إلحاق الهزيمة بمقاتلى المعارضة فى معقلهم بمحافظة «إدلب»، حيث تنضوى جماعات معظمها إسلامية تحت لواء تحالف معروف باسم «جيش الفتح». وذكرت وكالة «يونايتد برس إنترناشيونال» الأمريكية فى تقرير بتاريخ 19 ديسمبر أن نحو 150 ألفاً من متمردى المعارضة من مختلف المشارب يتمركزون الآن فى محافظة «إدلب»، وأضافت أن «التحول نحو إدلب وتغيير قواعد اللعبة العسكرية بعد حلب سيعنى تحقيق مكاسب كبيرة على وجه الخصوص للأسد وحليفته إيران».

ويقول الباحث بـ«معهد واشنطن» الأمريكى فابريس بالونش، فى تقرير نُشر عبر موقع المركز يوم 15 ديسمبر، إن «انتصار النظام ضربة قاضية للمعارضة، على الأقل من ناحية عدم قدرة المتمردين على الادعاء بعد الآن بأنهم يمثلون بديلاً سياسياً وعسكرياً لحكومة بشار الأسد. كما أن النتيجة ستقوّى الجيش وحلفاءه من خلال إطلاق العنان لأعداد كبيرة من الجنود والمدفعية والقدرات الجوية الروسية، بهدف شن الهجوم التالى وتوفير حماية أفضل لمناطق النظام القائمة على حد سواء». وأضاف أن استهداف «إدلب» سيشكل على الأرجح الأولوية الرئيسية التالية بالنسبة للجيش. فهذه المحافظة تضم أقوى تجمع للمتمردين وأكثرهم نفوذاً، ووفقاً لـ«معهد دراسات الحرب»، تفتخر بأنها تضم أكثر من 50 ألف مقاتل تجمعوا مجدداً تحت مظلة تنظيم «جيش الفتح» وبقيادة «جبهة فتح الشام». كما سيتمتع هجوم النظام من الغرب بميزة حماية «حماة» من قوات المتمردين الموجودة على بعد عشرة كيلومترات فقط إلى الشمال من تلك المدينة. سيناريو آخر محتمل بعد سقوط «حلب»، وفق معهد واشنطن، التوجه نحو محافظة «الرقة»، خاصة حيث يتمركز مسلحو تنظيم «داعش»، ولتحقيق هذا الهدف سيحتاجون إلى إعادة فرض السيطرة على «سد الثورة» على «نهر الفرات». ويوفر هذا السد إمدادات الطاقة لمحافظات «الرقة وحلب ودير الزور». وحتى الأهم من ذلك، يوفر مياه الرى لثلاثة أرباع الأراضى الزراعية فى «الرقة»، لذلك، فمن يسيطر على المياه يسيطر على السكان المحليين.

بإمكان الحكومة السورية وحلفائها أيضاً استخدام الموارد التى حررها الانتصار فى «حلب» لإعادة فتح الطريق من «تدمر» إلى محافظة «دير الزور» التى يحاصر تنظيم «داعش» نحو نصفها، وهو سيناريو آخر يساعد الحكومة فى محاصرة «داعش» داخل «الرقة»، وفى كل الأحوال تُعد «أدلب» الوجهة المقبلة هى الأفضل الآن، فى ظل التوافق التركى الروسى، الذى حيّد موقف تركيا نسبياً وجعله مقتصراً على بعض المناطق الشمالية الخاصة لنفوذ الأكراد.

وقال مسئول كبير بالحكومة السورية، فضّل عدم ذكر اسمه، فى اتصال لـ«الوطن»، إن «المرحلة الحالية نبحث فيها مع الجانب الروسى من هى القوى الحقيقية التى يمكن أن ندخل فى مفاوضات معها بشأن حل للأزمة السورية». وأضاف: «نحن لم نعد نعير اهتماماً لما يُعرف بالمعارضة سواء تلك المدعومة من تركيا أو تلك المدعومة من السعودية وقطر، ليس بيدها القرار، نحن نريد أن يكون التفاوض مع المجموعات العسكرية الموجودة فعلياً على الأرض فى سوريا». وقال المسئول السورى: «الهيئات السياسية للمعارضة ليس لها تأثير وهى تتحرك فقط بأوامر السعودية وقطر، نحن سنتفاوض مع المسلحين على الأرض، باستثناء أولئك الذين ينتمون إلى داعش والقاعدة». وتابع: «على أى شىء سيتم التفاوض؟ فهذا الأمر يخضع للتفاهمات بيننا وبين روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة، أما بالنسبة للسعودية فدورها بات محدوداً بعد هزيمة حلب».

من جهته قال الدبلوماسى الروسى السابق والمحلل السياسى فيتشسلاف ماتوزوف، فى اتصال لـ«الوطن»، إن «الدول الداعمة للإرهاب فى سوريا لم يعد أمامها إلا أن تتوقف عن دعمها الإرهاب، وأن يكون هناك حل سياسى فى سوريا، لكن هذا الحل يشترط ألا يوفر الملاذ والأمان للعناصر الإرهابية». وأضاف: «معركة حلب لم تعد التوازن فقط فى سوريا، وإنما وضعت الرئيس الشرعى بشار الأسد فى موضع القوة، ونجحت روسيا فى هدفها من التدخل العسكرى فى سوريا، وتسعى للقضاء على كل المجموعات الإرهابية التى كانت تدعمها تركيا والسعودية والولايات المتحدة».

ودخل مساء الخميس الماضى اتفاق لوقف إطلاق نار شامل فى سوريا حيز التنفيذ بموجب تفاهم روسى تركى وافقت عليه الحكومة السورية والفصائل المعارضة، تمهيداً لبدء جولة جديدة من المفاوضات لإنهاء النزاع المستمر منذ نحو 6 سنوات، لكن «الحرب على الإرهاب» والتوافق الروسى التركى حول هذا المصطلح يعطيان للرئيس السورى بشار الأسد قوة جديدة فى إطار حفاظه على وجوده رئيساً لسوريا.

وقال الخبير العسكرى السورى العميد متقاعد على مقصود، فى اتصال لـ«الوطن»: «إن الحرب على الإرهاب لن تتوقف بأى اتفاق، والمفاوضات إذا أرادوا لها النجاح فلتعلن المعارضة الحقيقية ابتعادها عن المجموعات الإرهابية، ودخولها فى مباحثات دون شروط مسبقة». وأضاف: «الحكومة السورية حققت انتصاراً على المجموعات الإرهابية، وستواصل عملياتها ضد كل تلك المجموعات الإرهابية، خاصة أن الحكومة باتت لها اليد العليا فى هذه الحرب، بعد أن أعادت الضربات الروسية التوازن مرة أخرى لتلك المعركة».


مواضيع متعلقة