خطوة «تركية» جديدة لاستعادة حلم «الإمبراطورية العثمانية»

كتب: نادية الدكرورى

خطوة «تركية» جديدة لاستعادة حلم «الإمبراطورية العثمانية»

خطوة «تركية» جديدة لاستعادة حلم «الإمبراطورية العثمانية»

تحولت مدينة «سواكن»، التى تجمع فى اسمها صيغة منتهى الجموع للسكن والهدوء، إلى عاصفة خلال الأيام الماضية بين عدد من الدول العربية والسودان، من خلال تبادل الاتهامات والتصريحات بعد إعلان الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، موافقة نظيره السودانى عمر البشير، على خطة بلاده لتطوير جزيرة «سواكن» خلال زيارة أخيرة له سطّر من خلالها صراعاً جديداً على النفوذ بالبحر الأحمر. وفى محاولة لتبرئة نواياه، أعلن الرئيس التركى أنه يهدف لترميم ما دمره الاستعمار البريطانى للجزيرة التى كانت مركزاً للدولة العثمانية فى البحر الأحمر، ما يجعل شعار «إحياء التراث العثمانى» هو الأبرز فى تصريحات المسئولين الأتراك، خاصة استخدام الجزيرة قاعدة انطلاق للأتراك نحو الديار السعودية لأداء الحج والعمرة ضمن «سياحة مبرمجة».

لم يهدأ الحماس السودانى بعد الإعلان الأخير، وانعكس على تصريحات عدد من المسئولين والدبلوماسيين السودانيين فى محاولة لتهدئة المخاوف الإقليمية من إحياء النفوذ التركى بالمنطقة العربية بشن هجوم على وسائل إعلام مصرية انتقدت هذه الخطوة، وهو ما فعله نائب رئيس الوزراء وزير الإعلام السودانى، أحمد بلال عثمان، بقوله إن «البعض يلعب بالنار، ونحن دولة مستقلة سياسياً واقتصادياً، ومستعدون لدفع أى فاتورة للتقارب مع تركيا مهما كانت الظروف، ولن نقبل بتحقير الشعب السودانى»، فيما نفت السفارة السودانية بالسعودية فى بيان أن «اتفاق تخصيص الخرطوم يمثل تهديداً للأمن العربى»، لافتة إلى أن «العلاقات مع تركيا يبنيها السودان بشكل سلمى، بما يحقق المنفعة أو المصلحة له ولشعبه»، إلا أن الداخل السودانى لم يكن بالكامل مرحباً بالإعلان الأخير، بعد مطالبة رئيس الوزراء السودانى السابق زعيم حزب الأمة المعارض الصادق المهدى، الحكومة السودانية بإصدار قانون لتطوير مدينة «سواكن» الأثرية، وأن تحدد الدولة ما سوف تقوم به فى إطار هذا التطوير، وأن ينص على ترحيب بالاهتمام التركى بهذا التطوير حسب متطلبات القانون، وأن يكون مشروع التطوير متاحاً للآخرين الذين يجذبهم المشروع، منتقداً فى تصريحات صحفية تخصيص المدينة للاستثمار التركى، واختتم بقوله: «لا يمكن أن يتم ذلك بعفوية ويجرى التعامل مع الموضوع كأنه صفقة شخصية».

{long_qoute_1}

وفى تركيا، أعرب حزب الشعب الجمهورى، أكبر أحزاب المعارضة فى تركيا، فى تصريحات لنائب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب أوزجور أوزيل، عن انزعاجه من إقدام الرئيس التركى على توقيع اتفاق مع السودان يقضى بإدارة «أنقرة» جزيرة «سواكن» السودانية، متوقعاً أن تؤدى هذه الخطوة إلى مشاكل كبيرة، وتابع «أوزيل» قائلاً إن «إقدام تركيا على هذه الخطوة كان خاطئاً».

وتُعد «سواكن»، الملقبة بـ«أرض الأساطير»، منطقة العمق الاستراتيجى المصرى، ما يجعل أى وجود أجنبى داخل هذه المنطقة يُعد تهديداً للأمن القومى المصرى، كما أنها أقرب الموانئ السودانية إلى ميناء جدة الاستراتيجى السعودى على البحر الأحمر، حيث تستغرق رحلة السفن بين الميناءين ساعات قليلة. وخلال الأعوام القليلة الماضية احتدم السباق على البحر الأحمر الذى يطل عليه (الأردن، مصر، السعودية، السودان، إريتريا، الصومال، اليمن، جيبوتى، إسرائيل)، ودخلت قوى دولية وإقليمية على خط النفوذ، بخاصة أنها تُعتبر ممراً لنحو 3.3 مليون برميل من النفط يومياً، كما أنه يشكل المعبر الرئيسى للتجارة بين دول شرق آسيا، ولا سيما الصين والهند واليابان مع أوروبا.

فى ديسمبر من العام الماضى، نشر مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية دراسة تناقش التنافس الدولى على موانئ منطقة القرن الأفريقى الواقعة فى المدخل الجنوبى للبحر الأحمر، والأهمية الاستراتيجية لهذه الموانئ فى الوقت الحالى، والتى تحول البحر الأحمر الذى كان فى وقت سابق بحيرة عربية خالصة، إلى ساحة دولية مفتوحة، تسعى الكثير من الأقطاب والدول البعيدة إقليمياً عنه إلى السيطرة على موانئه. ووصف الدكتور محمد «آل زلفة»، عضو مجلس الشورى السعودى السابق، الوجود التركى فى البحر الأحمر بـ«المثير للقلق»، خاصة أن تركيا تتحجج بأن «سواكن» كانت مقراً للحاكم التركى ذات يوم، وهى ادعاءات تاريخية غير مقبولة تشبه ادعاءات إسرائيل بالحق التاريخى فى القدس. وأضاف «آل زلفة»، لـ«الوطن»، أن «أهمية (سواكن) تكمن فى ضمان سلامة الملاحة فى الممر المائى»، موجهاً اللوم لـ«السعودية ومصر على الفراغ الذى تركتاه فيما يتعلق بالبحر الأحمر، ما جعل تركيا تستغله لصالحها»، لافتاً لضرورة إعادة النظر وترك الانشغال بقضايا أخرى بعيداً عن سلامة البحر الأحمر.

{long_qoute_2}

فى الوقت نفسه، قلل الدكتور بشير عبدالفتاح، الباحث المتخصص فى الشأن التركى، من التأثير من وجود تركيا ضمن الدول المطلة على البحر الأحمر، لافتاً إلى صعوبة إقامة تركيا لقاعدة عسكرية بالجزيرة، وأنه من المحتمل أن تكون هناك ضغوط مورست على السودان، خاصة الاقتصادية، على الرئيس السودانى عمر البشير، الذى تعانى بلاده من اضطراب، بالسير قدماً فى علاقات مع تركيا لها عوائد اقتصادية.

«هذا التحرك يحول الجزيرة لمنطقة ساخنة مقبلة».. هكذا وصف الدكتور أيمن عبدالوهاب، الخبير فى الشئون الأفريقية، إقامة قاعدة عسكرية تركية فى «سواكن»، بعد إقامتها لقاعدة فى الصومال، مضيفاً: «هذا يعكس التنافس على الموارد الطبيعية، وتهديداً لأمن البحر الأحمر، بخاصة لمصر». وطالب «عبدالوهاب»، فى تصريحات لـ«الوطن»، بضرورة التحرك المصرى، بخاصة الأسطول الجنوبى، للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية بمنطقة شرق أفريقيا، مضيفاً: «فى حال إنشاء القاعدة العسكرية التركية تتحول إلى نقطة توازن علينا أن ندرك أبعادها، فى ظل اتجاه الجانب التركى لدعم النظام السودانى فى موقفه من حلايب وقضية المياه، ما يصعّب الموقف المصرى تجاه ملف المياه، بجانب مواصلة السودان توطيد علاقتها مع تركيا بما يحقق معادلة داخلية للبلاد».

ووصف اللواء محمد عبدالمنعم، الخبير العسكرى، التحرك العسكرى التركى حال وقوعه فى «سواكن» بأنه «غير مؤثر أو مهم»، لافتاً إلى أنه «فى حال القيام بأى إجراء عسكرى من الجانب التركى، وهو أمر مستبعد فى رأيى، يكفى وضع غواصة مصرية بالبحر الأحمر مثلما حدث عام 1973 لتكون رادعاً قوياً». وأضاف: «الاتفاقية السودانية التركية الأخيرة تأتى بعد تلقى السودان (منحة) مادية، وهو ما يظهر السودان بأنها تبيع أرضها».


مواضيع متعلقة