قراءة في عقلية السادات الاقتصادية.. "القطط السمان" تلتهم طموحاته

قراءة في عقلية السادات الاقتصادية.. "القطط السمان" تلتهم طموحاته
- أنور السادات
- الاقتصاد المصري
- التجارة الخارجية
- الترسانة البحرية
- الجيش المصري
- أثرياء
- انتفاضة الخبز
- أنور السادات
- الاقتصاد المصري
- التجارة الخارجية
- الترسانة البحرية
- الجيش المصري
- أثرياء
- انتفاضة الخبز
وصفه مؤرخو ثورة يوليو بـ"وجه الفلاحين ورائحتهم بين رجال جمال عبدالناصر من الضباط الأحرار"، بل زادوا بأنه "الصورة الحقيقية لمصر التي لم يكن يعرفها الخديوي الغارق في الثراء وقتها"، الذي تخلى عن اشتراكية عبدالناصر وتحول نحو الليبرالية الغربية، فتبنى أنور السادات سياسات الانفتاح الاقتصادي، وتحرير السوق، ورفع الدعم، وإقرار حزمة من القوانين الاقتصادية، لكنه لم يصد هدفه الذي خطط له وهو زيادة موارد مصر المالية من أجل التنمية بعد حرب أكتوبر.
كانت توجهات السادات، الذي تحتفل مصر بذكرى ميلاده اليوم، تميل دائما نحو مصلحة مصر في المقام الاول دون أي اعتبار آخر، إلا أن رجل السياسة القوي الذي استعاد الأرض ببضع وريقات أعطاها إلى إسرائيل، لم يكن يتوقع أن تقابل قراراته الاقتصادية وابلا من التظاهرات، ولم يكن يعلم أيضا أنه سيخلق وحشا رأسماليا عرف وقتها بمراكز القوى الاقتصادية أو "القطط السمان".
البداية عقب حرب أكتوبر المجيدة، حيث أقر السادات حزمة من القوانين الاقتصادية كان منها "القانون 118 لسنة 1975 للاستيراد والتصدير، وقانون النقد الأجنبي رقم 97 لسنة 1976، والقانون رقم 43 لسنة 1974 وتعديلاته الخاص بفتح باب الاقتصاد المصري لرأس المال العربي والأجنبي في شكل استثمار مباشر في كل المجالات تقريبا"، إضافة إلى نظام الاستيراد دون تحويل عملة وإنهاء العمل باتفاقات التجارة والدفع، والتي أدت إلى الانتقال لممارسة التجارة الخارجية على أساس المعاملات الحرة، وأصبح بذلك تخطيط التجارة الخارجية مستحيلا، وجعل تجارة مصر الخارجية عرضه لقوى السوق وتقلباتها الحادة.
أدت سياسات الرئيس إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي للمواطن المصري، وزعزعة سيطرة القطاع العام على القطاعات الإستراتجية للاقتصاد القومي وإضعافه، وتجزئة الاقتصاد المصري، وظهور مراكز قوى اقتصادية جديدة، ونموا هشا في الاقتصاد المصري، لأنه نمو خدمي بالدرجة الأولى لم تكن الأولوية فيه للقطاعات السلعية، كالزراعة والصناعة، وإنما للقطاعات غير السلعية، كالتجارة والتوزيع والمال والإسكان الفاخر والنقل الخاص وسياحة الأغنياء.
- انتفاضة الخبر
قوبلت توجهات وسياسات السادات الاقتصادية وقتها بانتفاضة المواطن المصري، معترضا على عدم الحصول على عائد ذلك النمو وسوء الأحوال المعيشية ورفع الدعم، إذ كان شعب مصر يحلم بالرخاء الاقتصادي الذي وعد به أنور السادات، بعد حرب 73 وتحوله من الاشتراكية للرأسمالية وتقربة من الولايات المتحدة الأمريكية، إلّا أنه في يوم 17 يناير 1977، أعلن نائب رئيس الوزراء للشؤون المالية والاقتصادية، الدكتور عبدالمنعم القيسوني، في بيان أمام مجلس الشعب، مجموعة من القرارات الاقتصادية، منها رفع الدعم عن مجموعة من السلع الأساسية، وبذلك رفع أسعار الخبز والسكر والشاي والأرز والزيت والبنزين و25 سلعة أخرى من السلع الهامة في حياة المواطن البسيط.
بدأت الانتفاضة بعدد من التجمعات العمالية الكبيرة في منطقة حلوان بالقاهرة، وتحديدا داخل شركة مصر حلوان للغزل والنسيج والمصانع الحربية، وفي مصانع الغزل والنسيج بشبرا الخيمة، وعمال شركة الترسانة البحرية في منطقة المكس بالإسكندرية، وبدأ العمّال يتجمعون ويعلنون رفضهم للقرارات الاقتصادية، وخرجوا إلى الشوارع في مظاهرات حاشدة تهتف ضد الجوع والفقر، وبسقوط الحكومة والنظام.
استمرت الانتفاضة يومي 18 و19 يناير، حيث خرجت الصحف الثلاثة الكبرى في مصر تتحدث عن مخطط شيوعي لإحداث بلبلة واضطرابات في مصر وقلب نظام الحكم، وألقت الشرطة آنذاك القبض على الكثير من النشطاء وزاد العنف في ذلك اليوم، ثم أعلن في نشرة أخبار الثانية والنصف إلغاء القرارات الاقتصادية، ونزل الجيش المصري لقمع المظاهرات، وأعلنت حالة الطوارئ وحظر التجول من السادسة مساء حتى السادسة صباحا.
- مواجهة بين مجلس الشعب والقطط السمان
أدى استمرار السياسات الاقتصادية المتبعة إلى تعميق الانقسامات الاجتماعية في مصر، وظهور ما عرف بـ"القطط السمان" وهم الأثرياء الجدد الذين حققوا ثرواتهم من خلال مشروعات الاستيراد الخاص، أو من خلال العمل كمقاولين من الباطن لدى الحكومة، أو استبدال العملة "التجارة في العملة"، أو من خلال تمثيلهم لمصالح أمريكية، وبحلول نهاية 1975 كشف تقريرا أعده مجلس الشعب عن وجود 500 مليونير بالفعل في مصر.
تبنى وقتها نواب المعسكر الاشتراكي في مجلس 1976 الاعتراض على ما أنتجته تلك السياسات، فبدأ نواب التحالف العربي الاشتراكي في شن هجوم علي الحكومة والسادات، من خلال الاستجوابات وطلبات الإحاطة والتنديد بمراكز القوى الاقتصادية التي أنتجتها تلك السياسات وتضرر المواطن البسيط، فوقف النائب محمود القاضي، والمستشار ممتاز نصار، وأبوالعز الحريري مع عدد من نواب المجلس في تلك الدورة ضد الرئيس أنور السادات، وضد سياسات الانفتاح، وهو ما لم يعجب السادات، وأصدر قرارا بحل مجلس 76 لإسقاط هؤلاء النواب، ليحل المجلس وتبقى "القطط السمان"، ومن يومها قفز عدد المليونيرات في مصر من 500 إلى مليارديرات وليس مليونيرات مع استمرار تلك السياسات حتى سقوط حكم حسني مبارك.