البطالة.. أزمة كل عصر

كتب: وفاء الصعيدى ومحمد الدعدع

البطالة.. أزمة كل عصر

البطالة.. أزمة كل عصر

تعد البطالة من «القنابل الموقوتة» التى استعصت على الحل على مدار عقود طويلة، بل أخذت فى الزيادة عقداً وراء آخر، وسط اتهامات متبادلة بين الشباب والمسئولين، الطرف الأول يتهم الحكومة بعجزها عن توفير وظيفة مناسبة، والطرف الثانى يتهم الشباب بأنهم جزء من الأزمة بسبب سلبيتهم وتكاسلهم، وبين وجهتى النظر بدا حلم «القضاء على البطالة» بعيد المنال، إلا أن خطة التنمية المستدامة متوسطة المدى «2017- 2020»، الصادرة عن وزارة التخطيط، كشفت عن أن الحكومة تعتزم العمل على خفض معدل البطالة ليصل إلى 11% بنهاية العام المالى الحالى، ويستمر فى التراجع وصولاً لـ8.4% بحلول عام 2020، وأشارت الخطة إلى بعض المؤشرات الإيجابية الطفيفة التى حدثت خلال العامين الماضيين، والتى تعكس أن «الأزمة المستعصية» يمكن حلها تدريجياً.

خطة «2017-2020» أوضحت أن معدل البطالة تراجع خلال الربع الثانى من العام المالى 2016-2017 ليصل إلى 12.4% مقابل 12.9 للفترة نفسها من العام المالى السابق، كما انخفض معدل البطالة بين الذكور ليصل إلى 8.7% خلال فترة المتابعة مقارنة بنحو 9.3% فى الربع المماثل من العام المالى السابق، وتتركز النسبة الأكبر من المشتغلين فى قطاع الزراعة بنسبة 21.3% خلال الربع الثانى من العام المالى 2016-2017، يليه قطاع التشييد والبناء بنسبة 13.6%، وبمقارنة بيانات الربع الثانى للعام المالى 2016-2017 ببيانات الربع المماثل من العام المالى السابق، ظهرت المؤشرات الإيجابية لتعداد العمالة فى العديد من القطاعات، فى مقدمتها قطاعات الصناعات التحويلية، وتجارة الجملة والتجزئة، وخدمات الأفراد.

{long_qoute_1}

وقالت الدكتورة هالة حلمى السعيد، وزيرة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى، إن الحكومة متفائلة بمعدل النمو الاقتصادى المحقق خلال الربع الرابع من العام المالى 2016-2017، بنسبة 5% مقابل 4.5% خلال الفترة نفسها من العام السابق له، مشيرةً إلى أن تنامى الاقتصاد المصرى يخلق مزيداً من فرص العمل للشباب فى مختلف القطاعات، مؤكدة أن زيادة حجم الاستثمارات المنفذة بخطة العام المالى الحالى مثل العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة وغيرهما، خلقت فرص عمل لآلاف الشباب. وأضافت، لـ«الوطن»: «رؤية مصر 2030 تستهدف خفض معدل البطالة ليصل إلى 5% بحلول 2030، والاقتصاد المصرى يتعافى بسرعة، وخلال فترة وجيزة سيشعر المواطنون بثمار الإصلاح، ومتفائلون بقدرتنا على مواجهة البطالة والحد منها بمعدلات تدريجية، خاصة أننا بنطلع لقدام».

فى السياق نفسه، أكد محمد سعفان، وزير القوى العاملة، لـ«الوطن»، أن معدلات البطالة فى انخفاض مستمر، قائلاً: «البطالة وصلت فى النصف الثانى من العام الحالى إلى 11.9٪ بعد أن كانت 12.7% فى الربع الأول من 2016 من قوة العمل، وإن دل هذا على شىء فسيدل على أننا نسير على الطريق الصحيح، ونستهدف انخفاض البطالة بمعدل 1.5% سنوياً لتصل بحلول عام 2021 إلى 6.7% من قوة العمل، وبالتأكيد البطالة هى من أكبر التحديات أمام الدول كافة لما لها من مخاطر على المجتمع كله حيث تعرضه للفقر والإرهاب والمخدرات، لذا يجب على الدول أن تتكاتف وتتبادل الخبرات لتخطى هذه الأزمة، والتوجه نحو التنمية ونهضة المجتمعات».

{long_qoute_2}

وعن أهم الخطوات التى تتخذها الحكومة لمواجهة «شبح البطالة»، قال «سعفان»: «منظومة التدريب المهنى التى تتبعها الوزارة من أهم وسائل القضاء على البطالة، لأن حصول الشباب على المهارات التى تحتاجها سوق العمل من خلال تدريبهم تدريباً جيداً هو سبب رئيسى فى خلق فرص عمل جيدة لهم»، مضيفاً أنه يبحث حالياً مع منظمة الهجرة الدولية بمصر، سبل تطوير وتحديث مركزين للتدريب بمديريتى القوى العاملة بمحافظتى الإسكندرية والبحيرة، لتحويلهما قريباً لمراكز متميزة معترف بهما ومعتمدين دولياً للشباب المصريين الباحثين عن عمل، تحديداً فى قطاع السياحة.

وأكد وزير القوى العاملة أن الوزارة قررت ربط مكاتب التوظيف المحلية التابعة للوزارة وشركات القطاع الخاص العاملة فى قطاع السياحة من أجل إلحاق الشباب المدرب بفرص العمل، كاشفاً عن أن التدريب بهذه المكاتب سيتم فى ديسمبر المقبل بالتوازى مع إعداد وتطوير برامج تدريبية مناسبة تصقل مهارات الشباب وتؤهلهم لسوق العمل بالخارج والداخل، مضيفاً: «الوزارة تتواصل حالياً مع السفارات المصرية ببعض الدول الأوروبية للتعرف على المهن التى تتطلبها سوق العمل هناك، لإعداد وتأهيل الشباب المصرى عليها، فضلاً عن منحة دورات تدريبية فى اللغات، مما يسهم فى مساعدتهم على الهجرة الشرعية لمن يرغب فى العمل بتلك الدول». وعن عدد مراكز التدريب التابعة للوزارة، قال الوزير: «لدينا 51 مركزاً للتدريب المهنى التابعة للوزارة على مستوى الجمهورية، وهذه المراكز تهدف للانتقال بالتدريب نقلة نوعية تواكب التطور التكنولوجى، وتعمل على توعية الشباب والمواطنين بالقرى والمدن فى مختلف المحافظات لتأهيلهم لسوق العمل للحد من البطالة».

من جانبه، قال الدكتور عصام الطباخ، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسى والتشريع والإحصاء، إن الدولة حالياً فى وضع خروج من حالة انهيار كبير، لأنها مرت بمرحلة تفكك إدارى بعد أحداث ثورة يناير، مشيداً بالخطوات التى اتخذتها الحكومة على مدار العامين الماضيين لخفض معدلات البطالة، فى مقدمتها المشروعات القومية العملاقة التى ساهمت فى خفض البطالة. وأضاف: «حتى نقضى على البطالة لا بد من القضاء على الظروف المحيطة التى أدت لزيادة معدلات البطالة، لأن البلد فى حالة حرب فعلية، والأحداث السياسية والحوادث الإرهابية لها دور قوى فى زيادة البطالة، والدولة لا بد أن تتفرغ لحل أزمة معينة وتكون متفرغة لها وتحشد كل قوتها لحل هذه الأزمة، لهذا فيوجد أولويات حيث إن القضاء على الإرهاب من المهم أن يتم قبل حل أزمة البطالة، وأؤكد أن دور الدولة فى محاربة الإرهاب هو دور جيد للغاية».

وأشاد «الطباخ» ببرامج التدريب التى اتبعتها الحكومة، قائلاً: «يواجه شباب مصر مشكلة أساسية وهى التوظيف دون تدريب، لذا كان اتجاه الدولة للتدريب أولاً من الوسائل التى أدت وستؤدى لانخفاض النسبة، ويجب الاهتمام بالتعليم الفنى لأنه ركيزة مهمة للغاية لتحقيق استراتيجية مصر فى القضاء على البطالة، ولا بد أن يتم التخفيف من التعليم الجامعى وزيادة خريجى التعليم الفنى، ونحن أكبر دولة فى الكون بها زيادة فى المؤهلات العليا وندرة فى مؤهلات التعليم الفنى، وهذا غير موجود فى الدول العظمى مثل ألمانيا التى لديها التعليم الفنى أولوية قبل الجامعى، لأن التعليم الفنى هو الذى يحرك عجلة الاقتصاد». وتوقع الطباخ أن تصل نسبة البطالة بحلول عام 2030 إلى أقل من 5% حال استمرار اهتمام الدولة بمنظومة التدريب والتعليم الفنى.

وعن خريطة التوظيف والعمالة التى يجب اتباعها، قال «الطباخ»: «أساس التنمية المستدامة هو المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، والدولة تنظمها بشكل جيد حالياً، وعلى الكل استغلالها، وليس انتظار الوظيفة الحكومية التى لن تأتى، لأن ذلك يؤخر من تحقيق الحلم، بل يزيد من تعقيد الأزمة». ونصح عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسى والتشريع والإحصاء بالاتجاه إلى نظرية «الادخار الاستثمارى» لأنها من الممكن أن تكون حلاً جيداً ومناسباً للقضاء النهائى على أزمة البطالة، موضحاً: «تعنى هذه النظرية أن يتم طرح مشروع ما على الشعب، وتجميع رأسمال من المواطنين حول هذا المشروع، 50 مليون جنيه مثلاً من 5000 مواطن، ويكونون هم ملاك المشروع الذى تديره الدولة على سبيل المثال، والفائدة التى ستعود من المشروع تكون فائدة للملاك أولاً».


مواضيع متعلقة