رحلة البحث عن الدواء.. يختفى من الصيدليات.. ومتاح فى السوق السوداء
هناك حالات مرضية تحصل على حقنة البنسلين أسبوعياً
معاناة كبيرة يعيشها مرضى الحمى الروماتيزمية خلال رحلة بحثهم عن حقن البنسلين فى كافة الصيدليات، وذلك بعد اختفائها من السوق المصرية تماماً منذ ثلاثة أشهر، وظهورها فقط من خلال السوق السوداء التى انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى وارتفع فيها سعر الحقنة من 7 جنيهات إلى 50 جنيهاً وأكثر، صعوبة كبيرة يواجهها المرضى من أجل الحصول عليها حتى وصل حال بعضهم إلى الاستغناء عنها وتحملهم أعراض الروماتيزم لحين توفرها مرة أخرى.
«أنا ووالدتى وزوجتى مرضى بالحمى الروماتيزمية وبنحتاج لحقن البنسلين، وده بيبقى صعب علينا لأننا احنا التلاتة محتاجينها، ولو لقيت حقنة مش باخدها لنفسى وبخليها لأمى أو زوجتى، لأن أمى ست كبيرة وزوجتى حامل ومحتاجاها أكتر منى، وأنا عن نفسى أقدر أستحمل لكن هما لأ» قالها «أيمن محروس»، 32 عاماً، محاسب قانونى بإحدى الشركات، بنبرة حزينة، مؤكداً أنه على الرغم من أنهم يحتاجون إلى حقن البنسلين بشكل كبير ولكن حالتهم أفضل قليلاً من حالات أخرى كثيرة وضعها أسوأ ولا تستطيع الاستغناء عنها.
«أيمن»: «أنا ووالدتى وزوجتى الحامل مرضى بالروماتيزم ومش لاقيين الحقن.. وبامشى فى الشارع باعرج ومابقدرش أشيل حاجة تقيلة»
وأكد «محروس» أن البنسلين مضاد حيوى آمن لكل الفئات العمرية ويُعالج أمراضاً كثيرة من ضمنها الحمى الروماتيزمية، ويتم تناوله فى جرعات على مدار شهور وسنوات، وهناك بعض الحالات المرضية تحصل عليه بشكل دائم وتتوقف الجرعات ومدتها على تقدير الطبيب المعالج، على سبيل المثال هناك حالات مرضية تحصل على حقنة البنسلين أسبوعياً وهناك حالات أخرى تحصل عليه مرة أو مرتين فى الشهر.
يوضح «محروس» أنهم يحصلون على البنسلين مع بداية ظهور أعراض الحمى الروماتيزمية، ويحدد الطبيب فترة الحصول عليها على مدار 3 أو 4 شهور وفقاً للتحاليل والأعراض، والدواء يحصل عليه الأطفال والكبار والحوامل بشكل طبيعى دون أى آثار جانبية، مضيفاً: «كنت باخد فى البداية حقنة اسمها ريتاربن ودى مش موجودة بقالها فترة كبيرة، وكانت من أفضل الأنواع وعشان مبقتش موجودة مبقاش حد خلاص بيطلبها، وظهرت حقنة بديلة لها والناس بدأت تطلبها وكانت مستوردة بس سعرها رخيص 9 جنيه، والناس اضطرت تاخدها عشان مفيش غيرها، وبعد كده ظهرت بدايل مصرية كتيرة وكان سعرها نحو 7 جنيهات».
وعن رحلة الحصول على حقنة بنسلين، يقول «محروس»: «دورت عليها لما الدكتور كتب لى عليها من نحو شهرين، ولفيت على الصيدليات الصغيرة والسلاسل الكبيرة وملقتهاش خالص، ورد أصحاب الصيدليات بيبقى مفيش خالص وحتى البدائل المصرية مش موجودة، ولو قدرت أجيب حقنة ولا اتنين بيبقى عن طريق معارف أو خدمة من حد، لكن غير كده مش بعرف أجيب خالص»، يصمت «محروس» برهة ثم يستكمل حديثه موضحاً أن السوق السوداء انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى، قائلاً: «جروبات الفيس بوك بدأت تعرض نفس الأدوية اللى محتاجينها بأسعار عالية، يعنى مثلاً أقل سعر للحقنة بقى فى السوق السوداء بـ50 جنيه، ومش عارف الأشخاص اللى بتعرض علينا الحقن بأسعار مضاعفة دى جابوها منين، وده ممكن يكون من خلال شركات أو صيدليات عندها كميات وعايزة تبيعها بسعر أعلى عشان تستفيد أكتر».
«طه»: «اللى عايز دلوقتى حقنة بنسلين لازم يسافر لها كأننا بندور على مخدرات.. وسعر الحقنة فى السوق السودا 60 جنيه وسعرها الأصلى 9 فقط»
«الحمى الروماتيزمية مشكلتها آلام فى العظام كلها، وفى الفترة اللى مش بلاقى فيها الدواء بيبقى الموضوع صعب عليّا جداً، خاصة رجلى لأنها هى اللى شايلة جسمى كله، وببقى ماشى فى الشارع باعرج، وحتى إيدى فى أوقات كتيرة مببقاش قادر أشيل بيها الحاجات التقيلة»، قالها «محروس» متأثراً بالأعراض التى يشعر بها عند عدم تناوله للبنسلين، مشيراً إلى أن الأعراض المُترتبة على عدم الحصول على البنسلين تتوقف على الوضع الصحى للمريض ومدى تحمله لغياب حقن البنسلين، متابعاً: «أنا المفروض باخد كل أسبوع حقنة لكن آخر مرة خدتها فيها كان من نحو شهر».
وعلم «محروس» أن وزارة الصحة ستوفر لهم حقن البنسلين فى الصيدليات، وأن تلك المعلومة مصدرها شخص يعمل فى صيدلية الإسعاف، مضيفاً فى نبرة غاضبة: «كمية الطلب عليها هائلة، ومش هتكفى الطلبات دى كلها، وأصحاب الصيدليات هتحجزها لحبايبها ومعارفها أو للسوق السوداء عشان يكسبوا منها أكتر، وكلهم هيقولوا معندناش أو جت وخلصت».
أما «مؤمن سعيد»، 24 عاماً، حاصل على بكالوريوس هندسة، والذى أصيب بالحمى الروماتيزمية بسبب «عملية اللوز» عندما كان عمره 7 سنوات، حيث كانت اللوزتان تفرزان بكتيريا سبحية بنسبة عالية فى الدم، ظهرت من خلال تحاليل، مؤكداً أنه كان يحصل على حقنة البنسلين مرتين فى الشهر مع إجراء اختبار مع كل حقنة للتأكد من عدم وجود حساسية من البنسلين، وأنه ظل يحصل على تلك الجرعة المحددة حتى بلغ الـ17 عاماً، وأصبحت الجرعة مرة واحدة شهرياً، مشيراً إلى أن الأطباء أخبروه فى البداية أنه سيحصل على البنسلين حتى سن الـ25 عاماً، ولكن منذ شهرين أكد له أحد الأطباء أنه سيظل يحصل عليها حتى الثلاثين من عمره، وعندها سيعرف هل سيتوقف عنها أم لا وفقاً لحالته، مضيفاً: «جيت فى مرة بطلت الحقن دى بعد ما عملت التحاليل، لكن لقيت نسبة الروماتيزم ارتفعت وتعبت تانى».
وعن بداية أزمة نقص البنسلين يقول «مؤمن»: «نقص حقن البنسلين بدأ من نحو أول شهر يوليو، وكنت قبلها بلاقيها فى كل الصيدليات الكبيرة والصغيرة بشكل طبيعى وبكل أنواعها المصرى والمستورد، وبدأت المشكلة بنقص فى كمية الحقن وساعتها بعض أصحاب الصيدليات كان عندها كمية وأخفتها لما سمعت عن نقص البنسلين للحبايب والمعارف، لغاية مابقتش موجودة خالص فى الصيدليات لحد دلوقتى، واللى بيعرف يجيب الحقنة دلوقتى بيكون عن طريق الحبايب والمعارف وفى الصيدليات الكبيرة لأن بينزلها شحنة كل فترة».
«مؤمن»: «الدكتور حذرنى من عدم الحصول على البنسلين لأنه هيسبب مشاكل فى القلب وفى صيدلية الإسعاف عاملونى وحش ومارضيوش آخد الحقنة عشان الروشتة قديمة»
رد أصحاب الصيدليات أغضب «مؤمن» بسبب اختفاء الحقن قائلاً: «بسأل على حقنة البنسلين فى أى صيدلية فى أى مكان بروحه، ومبلحقش أسأل حد على حقن البنسلين ألاقيه رد عليّا على طول لا لا مفيش، ده أنا مبسألش على دوا معين ده أنا بسأل على المادة الخام نفسها فى أى دوا أو بديل مبلاقيش خالص، كأنى بسأل على مخدرات مش دوا»، ويوضح «مؤمن» أنه كان يحصل على حقنة «ريتاربن» وكانت مستوردة ولكنها اختفت بشكل نهائى منذ فترة طويلة، واعتمد الجميع على البديل وهى «بنسيتارد» بشكل دائم، بالإضافة إلى نوعين آخرين من البنسلين، وكانت أسعارهما نحو 7 جنيهات للحقنة، وكانت الحقنة متوفرة لدى كافة الصيدليات بمختلف أنواعها بسعر منخفض.
ويتابع «الشاب العشرينى» حديثه قائلاً: «بعد بداية الأزمة حد قدر يجيبهالى، ولكن بعد كده حاولت معاه تانى وللأسف مقدرش يجيبها، وأنا أهو دلوقتى بقالى شهرين مابخدهاش خالص»، أما عن الأعراض الجانبية التى يشعر بها عند عدم حصوله على حقنة البنسلين فيقول بنبرة حزينة: «لو مخدتش البنسلين لفترة كل المفاصل بيبقى فيها ألم وخاصة مفاصل الركبة، وبالنسبة لى شخصياً الركبة الشمال، وبيبقى أشد وجع وألم فى الرجلين لأنها شايلة الجسم كله وعشان كده مفصل الركبة هو أكتر مكان بيؤلمنى لأنه أكتر مفصل بيتحرك، ومع المشى بقى الوجع بيزيد، ومن شدة الألم فى مرة افتكرت عندى رباط صليبى أو «يوريك أسيد» بس بعد ما كشفت مطلعش حاجة، ولما رحت للدكتور بتاعى ساعتها قالى اوعى تبطل الحقنة دى أبداً، لأن النشاط الروماتيزمى عندى زايد، وأنا لو بطلت الحقنة دى لفترات طويلة هتعمل مشاكل فى القلب». ويُعانى «مؤمن» من تدخل السوق السوداء على شبكات التواصل الاجتماعى فى بيع حقن البنسلين، قائلاً بنبرة غاضبة: «جروبات الفيس بوك بتحاول تساعد الناس، وفيه آلاف من المرضى عايزين الحقنة دى، لكن بدأت تظهر الحقنة بأسعار مرتفعة جداً والواحدة تبدأ من 50 جنيه كنوع من أنواع السوق السوداء، والغلط مش عليهم الغلط على اللى نقصها وأخفاها من السوق وساعد أشخاص إنها تستغل الناس بالطريقة دى، وطبيعى الأزمة دى هتستمر حتى لو نزلت تدريجى لأن الكل بقى خايف تنقص تانى وهيجيب بكميات»، ويرى «الشاب العشرينى» أن غياب الرقابة كان له دور رئيسى فى اختفاء الدواء ودخول السوق السوداء فى تلك الأزمة، قائلاً: «مفيش حد بينزل يشوف الحقن متوفرة ولا لأ، وبتروح فين على الأقل بشكل عشوائى، خاصة الصيدليات الكبيرة لأن الرقابة عليها هتبقى أسهل، فأصحابها أول ما تجيلهم كمية من البنسلين هيركنوها على جنب لحبايبهم، وغالباً الأزمة دى هتستمر مش أقل من سنة، لأن البنسلين اختفى فجأة من الصيدليات كلها الكبيرة والصغيرة».
ويختتم «مؤمن» حديثه قائلاً: «رُحت لصيدلية الإسعاف عشان آخد حقنة بنسلين لكن الروشتة معجبتوش لأنها كانت من فترة ومش جديدة، على الرغم إنى مش عايز غير واحدة بس، وكانت زحمة جداً والمعاملة هناك كانت سيئة، لدرجة إنى لو هموت من المرض مش هروح له تانى، وهو عارف إن السن بتاعى محتاج الحقنة دى على طول ومش محتاجة روشتة جديدة ودى معلومة يعرفها أقل صيدلى»».
أما «محمد طه»، 24 عاماً، الذى يعمل بائع حلويات غربية فى طنطا، فبحث كثيراً داخل محافظته وصولاً إلى القاهرة أملاً فى إيجاد حقنة بنسلين لابنة عمه، التى لا يتعدى عمرها 13 عاماً، مؤكداً أنها مريضة بالحمى الروماتيزمية فى قدميها، وتحصل على تلك الحقنة حتى لا تتأثر باقى عظام ومفاصل الجسم بشكل سلبى، ويتم إجراء تحاليل لها كل فترة من أجل الاطمئنان عليها، قائلاً: «لازم تاخد الحقنة على طول وما ينفعش نوقفها، المرض ده عندها بقاله 7 سنين جالها بعد عملية اللوز اللى عملتها، وعشان كده الدكتور كتب لها على حقنة البنسلين تاخدها كل 15 يوم».
يصمت «طه» برهة ثم يستكمل حديثه قائلاً بنبرة حزينة: «الحقنة اللى فاتت مقدرناش نوفرهالها فى ميعادها لأننا ما كناش لاقيين الحقنة خالص، ومعرفتش أجيبها غير من جروبات الفيس بوك، ولو من غيرها ماكنتش عرفت أجيب لها الحقنة، لأن أصحاب الصيدليات كلها بتقول مفيش حقن بنسلين على الرغم من إنه قبل كده كنا بنجيبها من الصيدليات عادى».
ويحكى «طه» عن رحلة حصوله على الحقنة، قائلاً: «واحد صاحبى دخلنى جروبات على الفيس بوك نقدر من خلالها نجيب الحقنة، وفعلاً نشرت كلامى بإنى محتاج حقنة بنسلين، وأغلب تعليقات الأشخاص كانت متفقة معايا فى إنهم مش لاقيينها، وفيه ناس قالت إن فيه بدائل مصرى لكن دى كمان مش موجودة، وفيه واحد من اللى ردوا عليّا كان معاه حقنة بنسلين خدتها منه من غير ما ياخد منى تمنها، وخدتها بنت عمى فى نفس اليوم»، موضحاً أن طبيباً من حلوان كتب تعليقاً له بأن لديه كمية من البديل المصرى لحقنة البنسلين بشرط الذهاب له فى حلوان بالروشتة، يستكمل «طه» حديثه قائلاً: «لسه مرحتلوش عشان عندى شغل وكمان هى لسة واخدة الحقنة وفاضل أسبوعين على ميعاد الحقنة اللى جاية، لكن لو ملقتهاش ساعتها وده المتوقع هضطر أروح لحلوان عشان أجيبها ويا عالم هتكون خلصت ولا لسه، لأنى مش هلاقيها فى أى مكان، ده غير إن حد تانى قالى إن عنده حقن فى بنى سويف، واللى عايز دلوقتى حقنة بنسلين لازم يسافر لها كأننا بندور على المخدرات».
وعن تدخل السوق السوداء فى حقن البنسلين، يقول «الشاب العشرينى» غاضباً: «السوق السوداء بدأت تستغل الأزمة دى، أنا أعرف حد جاب حقنة البنسلين بـ60 جنيه على الرغم من إن سعرها الأصلى أقصاه 9 جنيهات.