«البرلس».. معارك «الإزالات ووقف التراخيص» بين المسئولين وأصحاب «ورش السفن» على ملكية «الأرض».. و«الغلاء ووقف التصدير» دمرا الصناعة

كتب: محمود عبدالرحمن وسمر عبدالرحمن

«البرلس».. معارك «الإزالات ووقف التراخيص» بين المسئولين وأصحاب «ورش السفن» على ملكية «الأرض».. و«الغلاء ووقف التصدير» دمرا الصناعة

«البرلس».. معارك «الإزالات ووقف التراخيص» بين المسئولين وأصحاب «ورش السفن» على ملكية «الأرض».. و«الغلاء ووقف التصدير» دمرا الصناعة

طال ورش صناعة السفن فى محافظة كفر الشيخ ما طال غيرها من إهمال ومشاجرات «ورقية» بين أصحابها ومسئولى الحى والجهات المعنية، وزاد على ذلك قرارات المحافظين المتعاقبين بضرورة إجلاء أصحاب ورش السفن عن أماكنهم المتمركزة على شواطئ بحيرة البرلس، على بُعد أميال قليلة من «البوغاز». المسئولون يرون أن أماكنهم غير مناسبة، وأنه من الممكن استغلال الأراضى الموجودين عليها فى مشروعات قومية كبرى، وأصحاب الورش يتهكمون على تلك القرارات التى وصفوها بأنها غير مفهومة، ويقولون: «لو نقلونا فى مكان بعيد عن الميّه هنجرب المراكب والسفن فين؟»، لم تتوقف «الحرب» عند ذلك الحد، فظهرت فى الأفق حروب الكساد وارتفاع أسعار المواد الخام وتوقف التصدير للسوق الخارجى بشكل كامل.

منذ 5 سنوات استقبلت ورشة صناعة السفن والمراكب المملوكة للحاج على القصاص، طلبات تشغيل ببناء سفن جديدة، لزبائن مصريين وآخرين عرب، واتفقوا معاً على ثمنها، وما هى إلا شهور قليلة حتى تضاعف ثمن المواد الخام لأكثر من الضعفين والثلاثة، بخلاف ارتفاع أجرة العمال هى الأخرى، ومنذ ذلك الحين وحتى الآن، لا تزال تلك الطلبيات تقف على «عصيّها» الخشبية دون أن يكتمل بناؤها.

{long_qoute_1}

ويقول «لقصاص» إن تصنيع المركب الواحد يستغرق ما بين 6 أشهر وعام كامل، بما يعنى تغير أسعار وثمن المواد الخام، وبالفعل كان يحدث ذلك فى الماضى، ولكن الزيادة كانت بنسب قليلة جداً لا تُذكر -على حد قوله- على عكس ما حدث فى الأربع سنوات الماضية، حيث ركبت الأسعار قطار الغلاء، دون أن يتمكن من تحميل تلك الزيادة على صاحب المركب، لأنه تعاقد معه على الأسعار القديمة، وفى نفس الوقت لا يمتلك هو رفاهية تحمل الفرق المالى: «المركب على ما بتخلص والكل بيتراضى مابيبقاش فيها مكسب، فمش هعرف أدفع من جيبى كمان عشان أكملها»، وبين عدم قدرته على تحمل الفرق، وسوء حالة الحالة المادية لأصحابها، لم يتم تسليم تلك المراكب حتى الآن.

وشكا «القصاص» من تعنت الإدارات المحلية فى كفر الشيخ وعدم تعاونها فيما يخص تصاريح تشغيل السفن من ناحية، وتصاريح توسعة ورش التصنيع من ناحية أخرى فيقول: «عندى شغل يكفى شباب مصر كلهم مش شباب كفر الشيخ بس، ومايبقاش عندنا ولا شاب عاطل، بس المسئولين بيبهدلونا عشان نننزّل مركب البحر، وعاوزين ياخدوا أرض الورش وينقلونا فى مكان مافيهوش بحر، نقولهم هنزّل المركب فين لو مفيش بحر، يقولولنا اتصرفوا»، الأمر الذى اضطره لتحفيض عدد العمال فى ورشته من 100 عامل فى العام الماضى إلى 10 عمال فقط حالياً، لحين وضوح الرؤية بالنسبة له فيما يخص مستقبل تلك الصناعة التى وصفها بأنه يتم محاربتها من جميع المسئولين فى الدولة، سواء عن قصد أو جهل، مما ينذر بنتيجة كارثية سوف يتحمل نتيجتها الجميع، بعدما تتهالك المراكب الموجودة فى البحر حالياً ولا يجد الصيادون من يجددها لهم، وقتها سوف يجلسون فى منازلهم بلا عمل ولا مصدر رزق.

عروض الشغل توقفت، بعدما كان عبدالرحمن الخميسى، صاحب ورشة تصنيع مراكب، يتلقاها من ليبيا والسعودية وتونس ومحافظات مصر المختلفة، والسبب بالنسبة له مجهول وكارثى فى نفس الوقت، حيث يقول إنه فى عام 2004 و2005، كان مطلوباً منه طلبية مراكب بعدد 105 مراكب سوف تسافر إلى ليبيا، كان قد تم الاتفاق عليها بمعرفة اللواء صلاح سلامة، محافظ كفر الشيخ وقتها، فى إطار بروتوكول تعاون بينه وبين الدول العربية، بالإضافة لعدد 11 عبارة تم تسفيرها إلى السعودية، بخلاف طلبيات «ولاد البلد» الذين ساء حالهم الآن، وأصبحوا يحاربون من أجل «صيد سمكتين يأكّلوا بيهم عيالهم، مش يشتروا مركب جديد بمليون جنيه»، ويتجلى ذلك بوضوح فى حالة مُلاك المراكب القديمة التى تحمل ترخيص إحلال وتجديد، لكنهم لا يمتلكون ثمن تجديدها أو صيانتها.

{long_qoute_2}

يقول الرجل الأربعينى إن سعر المركب فى الوقت الحالى زاد ضعفين عن السنوات الماضية، والسبب الرئيسى فى ذلك ارتفاع أسعار المواد الخام، فبعد أن كان يشترى طن الخشب الأخضر من محافظتَى المنوفية والغربية بسعر 300 جنيه، زاد إلى 1250 جنيهاً الأسبوع الماضى، حدثت تلك الزيادة أثناء العمل فى المركب وبعد الاتفاق على ثمنه مع صاحبه: «بروح أعيط للزبون، أقول له هات باقى الفلوس عشان أشترى وأخلص لك المركب، يقول منين يا معلم؟ ما انت عارف الحال واقف»، أعقب تلك الزيادة فى أسعار المواد الخام، ارتفاع أجرة العمال، حيث وصلت إلى 150 جنيهاً فى اليوم الواحد بخلاف «أكله وشربه»، وبالرغم من ذلك، هجر غالبية «الصبيان» الصنعة، نتيجة تشاؤمهم بمستقبلها الذى يراه الجميع يغلق أبوابه على جميع العاملين فيها، لذا اتجه الأهالى لتنزيل أبنائهم إلى البحر والعمل فى الصيد باليومية: «لما العيل يرجع بالليل بـ30 جنيه ومعاه 2 كيلو سمك أحسن من علامه الصانعة».

روشتة العلاج، من وجهة نظر سيد البديرى، صاحب ورشة تصنيع مراكب، تبدأ من عند المسئولين الذين لا بد لهم أن ينزلوا إلى الورش للوقوف على طبيعة المشاكل التى تعيقهم على أرض الواقع، ومن ثم يضعون أيديهم فى أيدى المصنّعين وأصحاب الورش، من أجل تذليل العقبات أمامهم، وليس العكس، كما يحدث حالياً -على حد قوله- حيث يقوم غالبيتهم بتضييق الخناق على المهنة والعاملين فيها، وتحرير محاضر بشكل عبثى لهم دون وجه حق فى الصباح والمساء: «الواحد ممكن آخر اليوم يلاقى نفسه معمول له مخالفات بـ5 آلاف جنيه بسبب النضافة وغيرها، يعنى هنلاقيها منين ولا منين؟!».

وأضاف الرجل الخمسينى أن أبرز المشاكل التى تستوجب تدخل المسئولين، هى مشكلة التراخيص، التى حجّمت عمل الصيادين، نتيجة عدم مراعاتها تغيرات البحر نتيجة الظروف الطبيعية، حيث شهدت السنوات الأخيرة ارتفاع منسوب البحر عن ذى قبل، بما يعنى أنه فى حاجة إلى مراكب صيد بمواصفات جديدة وأن تكون مجهزة بأحدث الآلات، حتى يتمكن أصحابها من العمل وكسب الرزق، فعلى سبيل المثال، آخر المقاسات المسجلة لدى جهات التراخيص 14 متراً فى ارتفاع المركب، بما يخالف الواقع الذى يتطلب ارتفاع المركب لـ20 متراً، وبدلاً من ماكينة الضخ الـ106 حصان، لا بد من ماكينة بقوة 700 حصان، بما يعنى ضرورة تجهيز المراكب لمواجهة ارتفاع البحر، وفى حالة ذهاب الصيادين للحصول على ترخيص إحلال وتجديد لمراكبهم يخبرهم الموظفون بأنها متوفقة: «فين المشكلة إن الصياد يسلم مركبه القديم ويجيب واحد جديد يعينه على الشغل وكسب الرزق عشان المسئولين يقولولنا لأ، إحنا مش بنطلب تراخيص جديدة، إحنا عاوزين نجدد القديم بس».

وقال محمد المحجوب، رئيس مدينة البرلس التابعة لمحافظة كفر الشيخ، إن الأرض المقام عليها ورش السفن والمراكب، أرض أملاك الدولة، وأصحاب الورش قاموا بوضع أيديهم عليها منذ سنوات طويلة، ووجودهم فى هذا المكان يُعطل تطهير بوغاز البرلس، وتم إصدار عدة قرارات إزالة لهم منذ سنوات ولم يتم التنفيذ إلا بعد تدبير أماكن بديلة لهم لعدم غلق الورش وتشريد من فيها.

وأضاف «المحجوب» أن «أرض الورش تابعة لهيئة تعمير المشروعات بوزارة الزراعة، ورغم أنهم استولوا عليها بدون وجه حق فإننا لا يمكننا هدمها قبل توفير أماكن بديلة لهم ونقلهم إليها، وبالفعل وجدنا عدة أماكن لكنها تحتاج لموافقات أمنية، وبالفعل أرسلنا الخرائط وننتظر الرد عليها».

وأوضح رئيس مدينة البرلس أن «مساحات الورش متفاوتة ما بين 200 و600 متر على الشاطئ مباشرة، وليس لهم حقوق على الإطلاق، كما أنهم يقومون بسرقة الكهرباء، وهذا ليس مكاناً للورش باعتبارها صناعات تحتاج لدعم لوجيستى، وسنقوم بتقنين الأوضاع عقب نقلهم إلى أماكن يتم تحديدها».


مواضيع متعلقة