ذكريات أديس أبابا
- أسامة الباز
- أمن الدولة
- أنحاء العالم
- إسرائيل ت
- الاتحاد الأفريقى
- التطرف والعنف
- التنمية الشاملة
- الجامعة البريطانية
- آل البيت
- أديس أبابا
- أسامة الباز
- أمن الدولة
- أنحاء العالم
- إسرائيل ت
- الاتحاد الأفريقى
- التطرف والعنف
- التنمية الشاملة
- الجامعة البريطانية
- آل البيت
- أديس أبابا
منذ قرابة العام دعانى د. عمرو خيرى، المصرى المقيم بأمريكا، وكان يشغل فى الثمانينات منصب رئيس نيابة أمن الدولة، فآثر الدراسة فى أمريكا، مضحياً بالمنصب، فحصل على الدكتوراه فى السلام وحل المنازعات السياسية، ودرس فى جامعات كثيرة وأسهم مع منظمات دولية كثيرة فى دورات ودراسات السلام فى أنحاء العالم، كان الرجل فى نيابة أمن الدولة، وكنت سجيناً وقتها، دارت الأيام دورتها والتقينا مرة أخرى كمحبى سلام وعفو وتصالح.
لقد أحببت فقه الصلح والسلام بعد تجربة مبادرة منع العنف، وأدركت أن صنع السلام أصعب من إشعال فتيل الحرب، فيمكنك أن توقد الحرب بكلمة أو موقف، لكنك تستغرق سنوات لتُرسى السلام وتقره واقعاً على الأرض.
ويؤلمنى ما جرت به عادة العرب عامة، والمصريين خاصة، بوصف صنّاع الحرب بالبطولة وبدمغ صناع السلام بالخيانة والعمالة، لقد زادتنى مبادرة منع العنف تفهّماً وقرباً من الرئيس السادات وإدراكاً لمعاناته فى صنع السلام، خصوصاً مع دولة مثل إسرائيل تريد كل شىء ولا تعطى للآخرين حتى حقوقهم، لقد عشقت كل صناع السلام، بداية من رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، ومروراً بـسهيل بن عمرو وعثمان بن عفان والحسن بن على، وانتهاءً بغاندى والسادات ومانديلا.
يومها دعانى د. عمرو إلى المشاركة والحديث فى ندوة لمحاربة العنصرية والتطرف فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا يشرف عليها الاتحاد الأفريقى وتتم فى مقره، تردّدت بعض الشىء، فهذه أول مرة أذهب فيها إلى إثيوبيا، ولا أعرف عنها ولا فيها سوى النجاشى الذى أحببته وعشقت سيرته منذ شبابى، وزاد عشقى له وقربى منه بعد أن ذهبت إلى بلاده الحبشة.
وهناك تفكّرت طويلاً: كيف لحاكم مثل «النجاشى» فى هذه القرون السحيقة أن يكون بهذا العدل، فالرسول «صلى الله عليه وسلم» لم يمدح حاكماً قط بمثل ما مدح النجاشى «اذهبوا إلى الحبشة»، والعلة «لأن فيها ملكاً لا يُظلم عنده أحد».
تأملت عظمة النبوة فى مدحه ملكاً مسيحياً يصفه بالعدل المطلق مع كل أحد.
كان المؤتمر يضم قرابة أربعين شاباً وفتاة اختيروا بعناية من بين 4 آلاف متقدم لهذه الدورة، ذهبت إلى مقر الاتحاد الأفريقى فوجدته رائعاً، بناه الصينيون على نفقتهم وأهدوه للأفارقة، وهناك جزء بناه معمر القذافى وأهداه إليهم، ورغم ذلك لم يضعوا صورته بين صور الرؤساء الأفارقة، فقلت لنفسى: ليس بالمال وحده يصنع الحكام مكانتهم، لكن بالعدل والحريات العامة والتنمية الشاملة.
على جدار مبنى الاتحاد الأفريقى وجدت قرابة أربعين صورة لكل رؤساء أفريقيا القدامى والمحدثين لم تكن منها صورة رئيس مصرى سوى جمال عبدالناصر، وكأنهم لا يعترفون بسواه، وهذا ظلم والله كبير لمصر.
أكبر القاعات هناك هى قاعة نيلسون مانديلا، التى تُعقد فيها مؤتمرات القمة الأفريقية، وهى قاعة ضخمة جداً ومجهّزة تجهيزاً رائعاً.
سألت العالمين ببواطن الأمور عن المبنى، فقالوا: المبنى فخم وضخم، لكن بلا فاعلية أو نشاط يُذكر، رغم أنه أحيا العاصمة الإثيوبية التى هى أقل من مكانة المبنى كثيراً، فأديس أبابا أقل من أى حى متوسط فى الإسكندرية أو القاهرة أو الدلتا، لكن جوها معتدل طوال العام ودرجة حرارتها شبه ثابتة عند 23 درجة مئوية، لأنها ترتفع عن سطح البحر قرابة 2400 قدم، أى نصف المسافة بين الأرض وأعلى ارتفاع للطائرة العادية، لذلك فإن الجو فيها جميل.
كل بقعة فى أديس أبابا فيها حركة بناء ضخمة تزيل القديم وتقدم الحديث، لذلك أتوقع أن تنمو هذه العاصمة لتصبح شيئاً آخر خلال عشر سنوات.
كل ما فى العاصمة متواضع، المواصلات والطرق، المرأة هناك تعمل فى كل الأعمال حتى قيادة عربات النقل، عدد المتسولين لا حصر له، بين كل متسول ومتسول متسول، إذا أعطيت واحداً وجدت عشرة حولك.
قاد د. عمرو خيرى، المؤتمر بطريقة شبابية مبتكرة، الكل يتحدث الإنجليزية بطلاقة سواى، خصّصوا لى مترجماً ومترجمة سودانيين، أنست وسعدت بثقافتيهما، تعرّفت على كل المترجمين للإنجليزية والفرنسية والعكس.
كان هناك مترجم كاميرونى كنت أمزح معه على الغداء دائماً «لماذا أطفأتم فرحتنا وأخذتم الكأس منا فى آخر لحظة، هل يمكن أن نأخذه لبعض الوقت»، فيضحك قائلاً: «الكأس الآن يطوف على محافظات الكاميرون، وبعدها يمكن أن نعطيه لكم».
كانت كلمتى فى اليوم الأول، وكنت وصلت لتوى متأخراً يوماً عن جميع الحاضرين، توكلت على الله، وقلت كلمتى، وترجمها المترجمون.
عرّفنى «د. عمرو» على «أ. محمد الحلوانى» مستشار سفارتنا فى أديس أبابا، شاب رائع مفكر ومثقف دخل الخارجية بجهده «دون محسوبية أو واسطة»، وامتحنه جهابذة السياسة، وكان منهم المرحوم أسامة الباز والفقى، حضر محاضرتى وأثنى عليها.
كان المترجم السودانى «صديق» بارعاً وأقوى من المترجمة «نوال أدهم»، التى تعيش فى أديس أبابا مع زوجها الإثيوبى المسلم المتدين الذى تنحدر أصوله إلى آل البيت، فالبعض لا يعرف أن إثيوبيا وإريتريا بهما قبور لبعض الصحابة، وبعضها موجود بجوار قبر النجاشى فى «مقلى»، وجعفر بن أبى طالب، وهو من كبار الصحابة عاش سنوات قائداً للصحابة المهاجرين إلى الحبشة.
كان هناك شباب من كينيا وأوغندا وجنوب أفريقيا ونيجيريا ومالى والسنغال وتونس وإسبانيا وبريطانيا، وكانت من مصر فتاتان إحداهما خريجة علوم، والأخرى طالبة فى الجامعة البريطانية.
قدم «د. عمرو» محاضرتى، قائلاً: «إننا التقينا ونحن شابان كل منا ضد الآخر أو خصمه، والآن نتلاقى فى شيخوختنا على فكرة واحدة وهدف واحد، وهو مقاومة العنصرية والتطرف والعنف».
تحدثت عن النماذج الاستراتيجية فى العالم العربى كله لمحاربة العنف، مُركزاً على تجربة المبادرة، تحدث آخرون من النرويج والسويد عن تجاربهم فى محاربة ومقاومة «النازيين الجدد».