«الصحة» منتهية الصلاحية

عندما ينشر النقيب العام لصيادلة مصر الدكتور محيى عبيد كلاماً يتهم فيه وزارة الصحة بتوزيع أدوية فيروس «سى» منتهية الصلاحية على مستشفيات التأمين الصحى، مفصحاً عن مستندات تثبت تورط الوزارة فى تلك العملية، فلا بد أن يؤخذ هذا الكلام بما يستوجبه من جدية. كلام النقيب نشره موقع «التحرير» يوم الأحد الماضى، ومن أخطر ما ورد فيه أن وزارة الصحة وزعت 49 ألف علبة علاج لفيروس «سى» منتهية الصلاحية على التأمين الصحى. قبل ساعات من نشر كلام نقيب الصيادلة، نُشر خبر يفيد بأن المستشارة رشيدة فتح الله رئيس هيئة النيابة الإدارية قررت إحالة 18 مسئولاً بوزارة الصحة للمحاكمة العاجلة، عقب تلف آلاف العبوات من جرعات اللقاح الخماسى الخاص بتطعيمات الأطفال. نحن أمام حالتين للفساد بوزارة الصحة، تم التحقق من واحدة، ويبقى أن ترد وزارة الصحة على الثانية، وهما حالتان موجهتان بالأساس إلى الطبقات الفقيرة التى لم يعد أمامها من طريق للحصول على العلاج سوى التأمين الصحى.

معلوم أن الرئاسة تتبنى منذ عدة أشهر مشروعاً للقضاء على التهاب الكبد الفيروسى، والواضح أن وزارة الصحة تعمل ضد الرئاسة، وإلا بمَ نفسر كلام نقيب الصيادلة؟. الجرأة على توزيع أدوية منتهية الصلاحية على مرضى فيروس «سى» يحمل أكثر من دلالة، أولها الفساد، وثانيها عدم الالتزام بتوجه عام تبنّته الدولة للقضاء على هذا المرض، والأخطر «احتقار الفقراء» الذين يعتمدون على التأمين الصحى فى الحصول على الدواء، إذ لا يملك أغلبهم القدرة على شرائه من الأجزاخانات، بعد أن التهبت أسعار كل شىء، بما فى ذلك أسعار الأدوية. وزارة الصحة لا تجد ضرورة فى أن يحصل الفقراء على أدوية صالحة للاستعمال، وربما تكون مؤمّنة بسياسة الموت الرحيم، فترى أن الأصلح للفقير فى هذا البلد أن يأخذ دواء يضر ولا ينفع، حتى يستريح، ويريح الوزارة من أحد المستهلكين لخدمات التأمين الصحى. تورط «الصحة» فى توزيع أدوية منتهية الصلاحية يعنى ببساطة أنها تريد التخلص من الفقراء «ولا مين شاف ولا مين درى».

الفساد تمدد أيضاً إلى الأطفال، الأطفال الفقراء على وجه التحديد، من خلال توزيع تطعيمات تالفة. لا يستطيع أحد أن يراهن على عدم وصول مثل هذه التطعيمات إلى أجساد بعض الأطفال، على يد مسئولين لا يستطيعون النظر فى الحياة أبعد من جيوبهم وما يدخلها من مال أساسه تسميم دماء أطفال لا حول لهم ولا قوة. ثمة معلومة يعرفها جيداً أغلب مواليد النصف الأول من ستينات القرن الماضى، تقول إن تطعيمات «شلل الأطفال» التى دخلت مصر حينذاك كان من بينها عبوات تالفة، وتم حقن العديد من الأطفال بها، ولم يكن لها أى أثر فى حمايتهم من الفيروس، وكانت النتيجة أن أصبح أغلب الكبار من المصابين بهذا المرض هم من مواليد هذه الفترة. لا يعرف الفسدة المآسى التى يمكن أن يخلفوها فى حياة بعض الأسر والأفراد، خصوصاً الفسدة داخل وزارة مثل وزارة الصحة. الأمر يحتاج إلى تدخّل عاجل للتعامل مع هذه الوزارة ووزيرها «منتهى الصلاحية»!.