القواعد العسكرية.. منظور جديد في الاستراتيجية الأمنية لحماية مصر

كتب: مروة عبد الله

القواعد العسكرية.. منظور جديد في الاستراتيجية الأمنية لحماية مصر

القواعد العسكرية.. منظور جديد في الاستراتيجية الأمنية لحماية مصر

{long_qoute_1}

تدرك القوات المسلحة، حجم التحديات والتهديدات المحيطة، ليس فقط بالأمن القومي المصري، بل بوجود مصر وكيانها، حيث يتكالب عليها الأعداء من كل حدب وصوب، بهدف إسقاط هذا الكيان الهائل والكتلة البشرية الصلبة، وإخضاعها لنظرية التفتيت والتقسيم التي تجتاح عالمنا العربي، ومحوره الرئيسي وعموده الفقري "مصر".

ومن هنا، يأتي اهتمام القيادتين السياسية والعسكرية في تلك المرحلة، بتقوية وتدعيم القوات المسلحة في مختلف أفرعها الرئيسية وتشكيلاتها القتالية ووحداتها ومختلف منظوماتها على مختلف المستويات، بكل ما تحتاجه من قدرات قتالية ودعم إداري وفني ورعاية معيشية، كي تكون قادرة في كل وقت على مجابهة التحديات التي تتفجر حول مصر وعلى مختلف الاتجاهات الاستراتيجية.

ففي مجال دعم الأفرع الرئيسية، حرصت القيادتين السياسية والعسكرية على دعم القوات البحرية وزيادة قدرتها على تأمين المجال البحري لمصر، والتي تتمتع بإطلالات بحرية استراتيجية فريدة تبلغ أكثر من 2000 كيلومتر على شواطئ البحرين الأبيض والأحمر، وحرصت على تزويدها بأحدث الأسلحة البحرية المستخدمة في جيوش الدول المتقدمة، حيث زودت بفرقاطة فرنسية من طراز (FREMM تحيا مصر)، لدعم أسطول الفرقاطات المصرية في البحرين الأبيض والأحمر.

وتوج تسليح البحرية المصرية مؤخرا، بالحصول على حاملات الهليكوبتر الفرنسية من طراز "ميسترال"، التي تمثل قوة هائلة متعددة القدرات ومتنوعة المهام في المنظومة القتالية للبحرية المصرية، وبالغواصات الألمانية طراز 209 / 1400، وتعد الأحدث والأكثر تطورا في عالم الغواصات، إضافة لتدبير لنشات صواريخ متطورة، ولنشات سريعة، وقوارب الزودياك الخاصة بنقل الضفادع البشرية، وكثير من الاحتياجات الفنية والإدارية والتكنولوجية الحديثة والمتطورة، وهو الأمر الذي أتاح تشكيل أسطولين بحريين قويين في البحرين الأبيض والأحمر.

ومن أجل خدمة تمركزات وإدارة عمل الأسطولين، تم تطوير عدد من القواعد والموانئ البحرية، وتزويدها بالاحتياجات الإدارية والفنية وأنظمة القيادة والسيطرة ومنظومات التعاون، مع مختلف القوات العسكرية والأجهزة المدنية في نطاقات العمل بالبحرين الأبيض والأحمر.

وفي مجال تطوير القوات الجوية، حظيت بدورها باهتمام كبير في رؤية القيادتين السياسية والعسكرية، نظرا لحيوية دورها في منظومة الدفاع المصرية، وارتكز التطوير على تزويد القوات الجوية بطائرات جديدة حديثة ومتطورة ومن مصادر متعددة، وفق استراتيجية مصر في تنويع مصادر السلاح.

{long_qoute_2}

وتشمل الصفقات التي عقدت مختلف أنواع التسليح والذخائر والاحتياجات الفنية الخاصة بالطائرات، وفي هذا المجال حصلت مصر على عدد من الطائرات الفرنسية من طراز "رافال" متعددة المهام، التي بدأ توريدها ودخولها في خدمة القوات الجوية، والتعاقد على عدد كبير من الطائرات الروسية المقاتلة والمتقدمة من طراز ميج 29، وعدد كبير من الطائرات الهيل الهجومية من طراز كاموف 52، وطائرات أخرى من طراز كاسا C-295، والحصول على طائرات أمريكية من طراز إف 16 بلوك 52، وعدد من أنظمة الطائرات الموجهة دون طيار.

كما تم تجهيز عدد من طائرات الجازيل بالصاروخ RED ARROW المضاد للدبابات، إضافة لتدبير صواريخ وذخائر ومساعدات فنية وأرضية خاصة بالطائرات بأنواع مختلفة، ويواكب تلك الجهود الارتقاء بكفاءة القواعد والمطارات الجوية على مختلف الاتجاهات الاستراتيجية.

ومؤخرا، أُعطي اهتماما كبيرا مؤخرا لتمركز القوات الجوية في تشكيلات متنوعة، لتأمين الاتجاه الغربي لمصر، نظرا لتصاعد التهديدات المؤثرة على مصر من هذا الاتجاه، نتيجة للوضع المتردي في ليبيا، وانتشار العناصر الإرهابية في كثير من قطاعاتها، وتهديدهم للأمن القومي المصري بالعمليات الإرهابية، وتسريب المتطرفين والتكفيرين عبر الحدود إلى مصر.

وكان للقوات الجوية المتمركزة في الاتجاه الاستراتيجي الغربي، دور كبير في ردع العمليات الإرهابية في ذلك الاتجاه، بعد أن وجّهت ضربات قوية ومحكمة للقواعد الإرهابية داخل الأراضي الليبية، وبخاصة في مناطق درنة وجغبوب، فضلا عن تدمير سفن تحمل أسلحة وذخائر وعناصر إرهابية قادمة إلى ليبيا عبر البحر المتوسط.

{long_qoute_3}

وفي مجال تطوير وتحديث منظومة الدفاع الجوي، راعت خطط التسليح أن يتم تدبير عدد كبير من الرادارات مختلفة الطرازات، والتي تؤمن التغطية الرادارية للأجواء المصرية على مختلف الارتفاعات، كما راعت تدبير عدد من كتائب الصواريخ من طراز "بوك / تور إم"، وأعداد كبيرة من فصائل الصواريخ المحمولة على الكتف من طراز "إيجلا إس"، لزيادة قدرة الاشتباك مع الأهداف الجوية على الارتفاعات المختلفة، وتدبير منظومات كهروبصرية حديثة لزيادة قدرة الدفاع الجوي على اكتشاف الأهداف وسرعة التعامل معها، فضلا عن تطوير منظومات التأمين الفني للصواريخ والرادرات والمعدات الفنية.

واشتمل التطوير على تحديث ورفع كفاءة عدد من مراكز القيادة الخاصة بالدفاع الجوي، وفق منظومات آلية القيادة والسيطرة، ويعد ذلك التطوير والتحديث في قدرات الدفاع الجوي، طفرة كبيرة تزيد كفاءته وقدرته على حماية سماء مصر، وفرض السيطرة على أجوائها، بالتعاون مع القوات الجوية وعناصر الحرب الإلكترونية ومن قواعد ثابتة وعناصر متحركة تكفل التغطية الكاملة لسماء مصر على مدار النهار والليل.

وفي منظومة التطوير التي تتبعها القوات المسلحة، حظي التصنيع الحربي باهتمام كبير في تلك الرؤية، بخاصة في مجال التصنيع المشترك، الذي يتركز في الدبابة "إم 1 أ 1" للوفاء باحتياجات القوات المسلحة من الدبابات الحديثة.

ويمتد التصنيع بشركات الإنتاج الحربي، ليشمل العديد من الأسلحة الرئيسية والكثير من المعدات الفنية والصواريخ المضادة للدبابات والذخائر الثقيلة، ولنشات المرور السريعة والطائرات الموجهة دون طيار، وكباري الاقتحام وكباري المواصلات ومعديات العبور والمركبات والجرارات الخاصة بحمل الدبابات وبعض المعدات الهندسية.

وفي ظل التطورات الأخيرة والخطيرة التي تحدث في العالم من حولنا، وتفرز العديد من التهديدات المؤثرة على أمن مصر القومي، ارتأت القيادتين السياسية والعسكرية ضرورة تطوير التمركزات العسكرية في مصر، بإنشاء قواعد عسكرية متكاملة على مختلف الاتجاهات الاستراتيجية، تضم بالإضافة للقوات البرية المتمركزة بها، تجمعا قتاليا يشمل قواعد جوية وموانئ بحرية قوية وكافية للتعامل مع مختلف التهديدات الموجهة لمصر من كل اتجاه بسرعة وحسم، وتوفير عناصر التأمين القتالي والإداري والفني لتلك القواعد.

ومن أبرز القواعد التي أُنشئت في هذا الإطار، قاعدة الحمام العسكرية غرب الإسكندرية، والتي أطلق عليها قاعدة "محمد نجيب" العسكرية، تكريما لرمز من رموز ثورة 23 يوليو 1952، وتعد أول قاعدة عسكرية متكاملة على أرض مصر، يتمركز بها تجميع قتالي قوي يتوفر به المأوى الحضاري وميادين التدريب المجهزة لمختلف العناصر القتالية والتخصصية، ويتوفر بها الأندية والملاعب الرياضية ووسائل الترفيه، ومخازن للأسلحة والمعدات والاحتياجات الإدارية والفنية، ولعناصر الدعم من القوات الجوية والدفاع الجوي والحرب الإلكترونية، فضلا عن أنظمة حديثة للقيادة والسيطرة والتعاون بين الأفرع والأسلحة المختلفة.

وبما يتوفر لها من إمكانيات هائلة ومتنوعة، تمثل قاعدة للتدريب المشترك مع القوات المسلحة الأجنبية بشكل حضاري ومتطور، يعكس كفاءة القوات المسلحة المصرية ومواكبتها لكل حديث ومتطور في الشؤون العسكرية، كما تمثل تلك القاعدة تجمعا عسكريا قويا وقادرا على حماية التجمعات السكانية والمنشآت الاقتصادية الاستراتيجية والمشروعات الإنتاجية في منطقة غرب الإسكندرية، وأبرزها محطة الضبعة النووية المخطط إنشاؤها خلال السنوات المقبلة، وحقول البترول في الصحراء الغربية، ومدينة العلمين الجديدة، وميناء مرسى الحمراء على البحر المتوسط.

وتمثل قاعدة محمد نجيب، عمقا عسكريا قويا للتجميع القتالي للقوات المسلحة على الحدود الغربية لمصر، والتي تعد أطول خطوط الحدود المصرية، وتحتاج إلى قدرات عسكرية قوية وكافية لتأمين ذلك الاتجاه الحيوي.

ويجري حاليا التخطيط لإنشاء عدد آخر من القواعد العسكرية المتكاملة على مختلف الاتجاهات الاستراتيجية، لتوفير أفضل الظروف المعيشية والتدريبية، وتنفيذ مختلف الالتزامات العسكرية أو الإسهامات الإنشائية والتعميرية التي تقررها القوات المسلحة، لدعم جهود التنمية الشاملة للدولة في مختلف الاتجاهات، انطلاقا من استراتيجية العمل للقوات المسلحة في المسارات المختلفة، مسار الارتقاء المستمر بقدرات القوات المسلحة وتطوير منظوماتها القتالية والإدارية والفنية، ومسار التصدي للعدائيات والتهديدات المؤثرة على أمن مصر وسلامتها، ومسار مساهمة القوات المسلحة ببعض من قدراتها في خطط ومشروعات التنمية المستدامة للدولة، بخاصة في مجال البني التحتية والمشروعات الاستراتيجية، وبما لا يؤثر على قدرة القوات المسلحة في تنفيذ مهامها الرئيسية المتمثلة في الدفاع عن مصر وصون حريتها واستقلالها، وتوفير الظروف الملائمة لشعبها، ليواصل مسيرته في صنع التقدم وتحقيق الرخاء وصنع مستقبل أفضل للأجيال المقبلة.


مواضيع متعلقة