«المنيا»: «فورتينيه» منفى لـ«الموبوئين».. وقصر «سلطان» محطم

«المنيا»: «فورتينيه» منفى لـ«الموبوئين».. وقصر «سلطان» محطم
- أشجار النخيل
- أعمال البناء
- أعمال التخريب
- أمراض وبائية
- الأجهزة الأمنية
- الأدب العربى
- الأمراض الوبائية
- الإصلاح الزراعى
- آثار
- أبناء
- أشجار النخيل
- أعمال البناء
- أعمال التخريب
- أمراض وبائية
- الأجهزة الأمنية
- الأدب العربى
- الأمراض الوبائية
- الإصلاح الزراعى
- آثار
- أبناء
قصور أثرية تحكى عن تاريخ وتراث عريق، ضربها الإهمال فى محافظة المنيا، فلم يكن أكثر المتشائمين يتوقع أن يتحول قصر «هدى شعراوى» فى مدينة المنيا، إلى «خرابة»، حتى أصبح معرضاً للانهيار، أو أن يتحول قصر «فورتينيه»، أحد أشهر معالم مدينة ملوى، إلى مركز لاحتجاز «المنبوذين» من المصابين بأمراض وبائية، قبل أن يصبح مخزناً للمخلفات الصحية، أما قصر «حياة النفوس»، بمدينة ملوى أيضاً، فقد أصبح مجرد ذكرى، بعد أن تم هدمه بالكامل، واستغلال مساحته كجراج للسيارات.
ويقع قصر «نور الهدى محمد سلطان»، التى عُرفت باسم «هدى شعراوى»، ابنة محافظة المنيا، ورائدة الحركة النسائية، فى شارع كورنيش النيل بوسط مدينة المنيا، وكان يُعد من أشهر القصور بالمحافظة، وخضع لإشراف هيئة الآثار لعدة سنوات، ثم خرج من التسجيل بعد تعدد التعديات عليه، التى تسببت فى طمس زخارفه ومعالمه الجمالية والمعمارية، ومنذ نحو 10 سنوات تحول القصر إلى «خرابة»، إثر قيام عدد من الأشخاص بالاستيلاء عليه، بزعم أنهم استأجروه من الورثة، وبدأوا فى تخريبه بشكل متعمد، بالإضافة إلى سرقة مقتنياته الزخرفية، وتحطيم بعض جدرانه ونوافذه، إلى أن تمكنت الأجهزة الأمنية من التصدى لهم، وتحرير عدة محاضر بحقهم.
وقال «ياسر محمد عبدالوهاب»، مدير مركز «الحياة» الحقوقى بالمنيا، إن القصر تعرض للعبث من قبل بعض الأشخاص، الذين دمروا جدرانه، بهدف هدمه واستغلال موقعه، وذلك فى عام 2007 أى قبل نحو 10 سنوات، وهو ما كان أبرز أسباب عدم ضم القصر للآثار مرة أخرى، مشيراً إلى أن لجنة المعاينة الأثرية أكدت قيام بعض الأشخاص بأعمال التخريب والهدم داخل القصر، وتدخل حينها محافظ المنيا الأسبق، حيث تم وقف أعمال الهدم، وتحرير محاضر بالمخالفات فى قسم شرطة بندر المنيا.
{long_qoute_1}
وفى أقصى جنوب المنيا، تقع عزبة «فورتينيه»، التابعة لمركز ملوى، حيث يوجد قصر يحمل اسم أحد أشهر تجار القطن فى صعيد مصر أوائل القرن الماضى، وهو الفرنسى «فورتينيه أنطونيو ماركو»، الذى قام بتشييد القصر سنة 1916، أى منذ أكثر من 100 عام، ويعد القصر تحفة معمارية فريدة، شيد على الطراز الإيطالى، وهو أحد طرازات «فن النهضة»، الذى استخدمه محمد على فى تشييد قصوره، يعتمد على فنون «الباروك» و«الركوك» المعمارية، التى سادت خلال تلك الحقبة التاريخية.
وبعدما ترك «الخواجة فورتينيه» وأسرته البلاد منتصف الخمسينات عائدين إلى فرنسا، استحوذ الإصلاح الزراعى على حديقة القصر، التى تضم عدداً من الأشجار، وتم تأجيرها لأحد الفلاحين، فاستغل الحديقة كحظيرة للماشية، وقام بإزالة أشجار النخيل التى كانت تزين أسوار القصر، وبعد فترة تم استغلال مبنى القصر كمركز لعزل «الموبوئين» من المرضى حاملى عدوى الأمراض الوبائية، ثم تحول إلى مخزن للمخلفات الصحية، وبمرور الأيام تحول إلى «خرابة» تسكنها الأفاعى والحيوانات الضالة.
وبحسب «ناصر نعنوس»، مدير التسجيل الأثرى فى المنيا، فإن القصر كان يضم باباً حديدياً، يحمل الأحرف الأولى لاسم صاحبه «فورتينيه أنطونيو ماركو»، وعلى الجانب الأيسر للقصر توجد غرفة كانت مخصصة للبواب، وعلى الناحية الأخرى يوجد مبنى شُيد خصيصاً لوكيل الخواجة «فورتينيه»، يضم وحدة سكنية متكاملة، وتحيط بالقصر حديقة على مساحة شاسعة، كانت تحتوى فى السابق على ما يقرب من 90 شجرة من الأشجار النادرة والمثمرة، ومنها المانجو واللارنج، ويتكون القصر من «بدروم» به مطبخ يتم الدخول إليه عبر سلم خارجى، وطابقين، الأول يحتوى على غرف المعيشة والعمل، بينما يضم الطابق الثانى عدداً من غرف النوم المخصصة للخواجة وأسرته، ثم قبة القصر.
وفى مركز ملوى أيضاً، شيد قصر مميز على الطراز الأندلسى، يحمل اسم «حياة النفوس»، وصاحبته «هانم بنت سيف النصر باشا»، أخت «عبدالمجيد باشا» و«عرفان باشا»، ورغم تصميمه المعمارى الرائع، تعرض القصر للإهمال من قبل المسئولين فى المحافظة، إلى أن تم هدمه فى أعقاب «ثورة 25 يناير»، وتحول مكانه إلى جراج للسيارات.
«سعيد إبراهيم»، أحد أبناء مدينة ملوى، قال لـ«الوطن» إن قصر «حياة النفوس» كان يُعد أحد أفخم القصور الأندلسية، وشهدت الفترة التى أعقبت الثورة موجة للبناء المخالف، وتم بناء العديد من العمارات الجديدة التى أحاطت بالقصر، مما أثر على حالة القصر، حيث «كان مبنياً بالحمرة والجير وليس بالأسمنت المسلح»، على حد قوله، فلما بدأت أعمال البناء فى المنطقة المحيطة به بدأ القصر فى الانهيار، حتى تم هدمه تماماً، وأكد أن القصر لم يكن مسجلاً رسمياً فى هيئة الآثار، إنما كان مدرجاً ضمن ما يسمى «معمار مميز»، ورغم ذلك تم هدمه أمام أعين المسئولين فى مختلف أجهزة المحافظة.
ومن جانبه، قال فرج عبدالعزيز، مدير مكتب تنشيط السياحة بمنطقة «تونا الجبل»، إنه عقب «ثورة 25 يناير» تعرضت معظم القصور الأثرية بمركز ملوى لما وصفه بـ«إهمال جسيم»، مشيراً إلى أن المركز كان يضم العديد من أعرق القصور التاريخية على مستوى صعيد مصر، ومنها قصر «حياة النفوس»، الذى تم هدمه قبل نحو عامين، على مرأى ومسمع من الجميع، وكان من أجمل التحف المعمارية، ويقع على طريق «مصر - أسوان» الزراعى، فى واجهة مدينة ملوى، بالإضافة إلى قصر «فورتينيه»، وعدد من القصور الأخرى التى تعود لبعض باشوات الدولة المصرية مطلع القرن الماضى، مثل قصر «عبدالمجيد باشا» و«عرفان باشا»، وغيرهما من القصور التى اختفت من الوجود تماماً.
وأشار «عبدالعزيز» إلى أن الحفاظ على هذه القصور من البداية كان سيكون له مردود على تنشيط الحركة السياحية بمحافظة المنيا، معتبراً أنه فى حالة إذا ما كانت هذه القصور قد أُسندت إلى وزارة السياحة للاعتناء بها وترميمها وتجديدها، كانت ستنقل المنيا نقلة كبيرة على الخريطة السياحية، بحسب قوله، لافتاً إلى أن استراحة الدكتور طه حسين، عميد الأدب العربى، فى منطقة آثار «تونا الجبل»، كانت مهملة تماماً، حتى زيارة وزير الآثار الحالى، الدكتور خالد العنانى، والدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة، المنطقة مؤخراً، للإعلان عن أكبر كشف أثرى، حيث قررا إعادة تجديد الاستراحة لما لها من أهمية تاريخية، كما طالب بتشكيل لجنة من الآثار والسياحة، وحصر جميع القصور الأثرية، لإنقاذ ما تبقى منها، قبل أن تمتد لها يد التخريب، وأكد أنه عقب الثورة طالت أيدى البلطجية والمأجورين هذه القصور الأثرية، التى تعبر عن حضارة عريقة، وعبثوا بها، مشيداً بدور محافظ المنيا، اللواء عصام البديوى، لتنشيط حركة السياحة، والسعى لوضع المحافظة على الخريطة السياحية العالمية.
وشدد «نعنوس» على ضرورة أن يكون هناك مزيد من التنسيق والتعاون بين محافظة المنيا والوزارات المعنية المختلفة، ومنها وزارات التنمية المحلية والآثار والسياحة، للحفاظ على التراث المعمارى الفريد، بحيث لا تكون وزارة الآثار وحدها فى «وجه المدفع»، خاصةً أن معظم القصور التاريخية بالمحافظة غير مسجلة بقوائم الآثار، ولفت مدير عام التسجيل الأثرى إلى وجود «بيروقراطية» فى تسجيل تلك المبانى، رغم أن هناك جهوداً كبيرة لتسجيل بعض المناطق المهمة، لافتاً إلى أنه سبق وتقدم باقتراح لإنشاء متحف للمقتنيات الأثرية الفريدة الموجودة فى محافظة المنيا، نظراً لأن بعض المنشآت الأثرية التى يجب ضمها تكون غير مؤهلة لتسجيلها، وغير مطابقة للمواصفات، وطالب بتعديل قانون الآثار بما يسمح بحصول مالك القصر الأثرى على قيمة تعويضية مرضية، مقابل التنازل عن القصر لجهة معينة تتولى إدارته وحمايته، بدلاً من قيامهم بهدمه لاستغلال مساحته، أو تأجيره للغير، مما يساعد فى تدمير محتوياته وانهياره فى النهاية.