حلف «حماس - دحلان»

جيهان فوزى

جيهان فوزى

كاتب صحفي

«عدو الأمس صديق اليوم» و«المصالح تتصالح»، نظريتان فى علم السياسة أثبتتا أهميتهما فى عالم متحول ومتسارع الأحداث والمفاجآت، بحكم السياسة فإن توصل حركة حماس ومحمد دحلان لتفاهمات أو مشروع بحكم «تقاطع المصالح» مشروع فى ظل سطوة الحصار وانسداد الأفق مع الرئيس محمود عباس وتغول الإقليم، وحالة الحراك التى تتصدر المشهد الفلسطينى تنم عن تغيرات استراتيجية تلوح فى الأفق، كيف كان محمد دحلان، القائد الفتحاوى، عدواً لدوداً لحركة حماس ويكاد يكون الانقلاب الذى نفذته «حماس» عام 2006 هو أحد أهم أركانه بالنسبة للحركة بالأمس؟! وكيف أصبح اليوم لاعباً أساسياً فى صياغة السياسة المستقبلية للحركة فى علاقاتها الخارجية وبالذات مع مصر؟ لقد زار وفد من حركة حماس القاهرة قبل أيام وعاد متفائلاً بفتح صفحة جديدة مع مصر التى اتسمت بالتوتر وعدم الثقة منذ عزل الرئيس الإخوانى محمد مرسى عن الحكم وهو مؤشر للتطورات الجارية.

مصلحة «حماس» و«دحلان» الآن التقارب، ووصل حبل علاقات انقطعت لسنوات منذ الانقسام وربما قبل ذلك، واللقاءات الأخيرة التى جمعت بينهما فى القاهرة تنبئ بحدوث تغيرات جوهرية فى العلاقة بين الجانبين، وتأتى التفاهمات ضمن سياسة تخفيف الضغط والحصار عن قطاع غزة الذى قد ينفجر باتجاه إسرائيل فى أى لحظة وهو ما لا تريده إسرائيل وحذرت منه مؤسسات دولية، هذه التفاهمات تتعلق بالمعابر والأوضاع الاقتصادية فى قطاع غزة والعلاقة بين الجناح الذى يقوده «دحلان» فى حركة فتح فى قطاع غزة وبين «حماس» التى تحكم القطاع، فهناك أزمات يعانى منها القطاع بحاجة إلى حلول فورية، مثل أزمة الكهرباء والوقود المخصص للطاقة الكهربائية عبر مصر، فضلاً عن توفير مصادر مالية لحل مشكلة ضحايا الانقسام وكلها قضايا تستدعى حلولاً سريعة وعاجلة.

لا يعنى التقارب بين «دحلان» و«حماس» أنه لا توجد خلافات استراتيجية أو فكرية، غير أن بوادر حسن النية التى قدمتها «حماس» مؤشر يؤكد التفاهم الذى طرأ على العلاقة وجمع بينهما، أبدت «حماس» حسن النية لـ«دحلان» وقامت بالإفراج عن «زكى السكنى»، القيادى فى تيار «دحلان» والمحكوم عليه بالسجن 15 عاماً أمضى منها ثمانى سنوات، فقد أدركت «حماس» أهمية «دحلان» وتحاول الاستفادة من العلاقات الجيدة بينه وبين القيادة المصرية للوساطة لفتح معبر رفح باعتباره حاجة إنسانية ملحة، أفرجت «حماس» عن «السكنى» وفى المقابل عمل «دحلان» على الإفراج عن سبعة حجاج احتجزتهم السلطات المصرية لمدة شهر بتهمة محاولة تهريب محتويات ومعدات تُستخدم فى تصنيع عبوات وطائرات استطلاع لصالح «حماس» بعد أن أُدخلت من تركيا إلى السعودية ومنها نُقلت إلى مصر بهدف إدخالها لغزة مع الحجاج، فضلاً عن استفادة «حماس» من متانة العلاقة بين «دحلان» والقيادة المصرية وتوسطه لفتح معبر رفح أمام سكان القطاع بشكل مستمر، الذى أثمر بالفعل عن فتح المعبر لمدة ثمانية أيام هذا الشهر ويتوقع أن يفتح أياماً أخرى، بالإضافة إلى زيادة كميات جديدة من الكهرباء لسكان القطاع من خلال محطة كهرباء شمال سيناء.

إن الإفراج عن القائد الفتحاوى «زكى السكنى» أكبر دليل على بداية علاقة محتومة بين «حماس» و«دحلان» تهدف إلى نزع سيطرة الرئيس عباس على زمام الحكم فى الساحة الفلسطينية، فكلاهما يلتقى فى نقطة مركزية تتمحور بالقناعة بأن حقبة «عباس»، الذى يرفض المصالحة مع كليهما، ويعمل على تصفيتهما سياسياً، قد انتهت وحان الوقت للتغيير، صحيح أنه لا يوجد موقف رسمى من الطرفين، لكن هناك ترتيباً لعودة العلاقات بين «حماس» ومصر بوساطة «دحلان»، إذ يمكن أن يشكل «دحلان» تقارباً مع مصر و«حماس» وطى صفحة الخلافات، خاصة بعد التسريبات بعودة السفارة المصرية إلى غزة من ضمن ملفات أخرى ما زالت عالقة، إلا أن عودة الثقة للعلاقات المشتركة من جديد تحتاج إلى شرط مهم جداً وهو عدم تورط «حماس» فيما يجرى فى سيناء؛ لأنه شأن مصرى داخلى.

كل هذه التحركات والتحولات المتسارعة فى المشهد السياسى الفلسطينى لا بد أن تقلق السلطة ورئيسها محمود عباس «أبومازن» الذى قام بزيارة مفاجئة إلى تركيا تأتى فى إطار التصدى للتقارب بين «دحلان» و«حماس»، وربما يحاول الوصول إلى مصالحة سريعة مع «حماس» لوقف زحف «دحلان»، وفى المقابل «حماس» تسعى لأن يكون لديها حضور دولى وعربى، وقد يكون «دحلان» أحد النوافذ أو الروافد لذلك؛ كونه يمتلك حضوراً عربياً وإقليمياً ودولياً، «دحلان» بيده قوى تأثير ويلوح بها لـ«حماس»، و«حماس» تتعامل بتكتيك كبير مع «دحلان»، فهى لن تقبل بوجود منافس لها فى غزة بعد كل ما حققته من إنجازات على مستوى التمكن والسيطرة، لكنها فى كل الأحوال هى المستفيد والكاسب الأكبر مما يجرى وتريد أن تخفف من أعباء غزة التى تكبلها بأصفاد التوتر وعدم الاستقرار وتلعب بإبداع سياسى يخدم مصالحها وفى الوقت نفسه مصالح غزة التى تقع تحت سيطرتها.