فاحص القلوب

رامى جلال

رامى جلال

كاتب صحفي

من فترة لأخرى يسلى الناس فى مصر أوقاتهم عبر تقمص دور الله أو «بواب الجنة». نضيع أوقاتنا فى مناظرات تحدد من سيدخل الجنة ومن سيستقر فى جهنم.. تقوم فلسفة تلك المناظرات على تنويعات «الفرقة الناجية من النار»، كل فريق يؤكد أنه الناجى الوحيد، المسلمون يفعلون ذلك مع أصحاب الديانات الأخرى، بل ومع أتباع الطوائف المختلفة فى الديانة نفسها، وكذلك يفعل المسيحيون أيضاً (تابع سجالات الأرثوذكس والبروتستانت فى هذا الاتجاه، لن تفرقها كثيراً عن مناظرات السُنة والشيعة).. ولكن بعيداً عن هوس بعض البشر، ماذا تقول الأديان نفسها. الدين الإسلامى حسم الأمر بآيتين فى سورة آل عمران (أرقام 19 و85) ونصهما: «إنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ»، و«وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ».. وهى آيات لا تتعارض مع ما سبقها فى سورة البقرة: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» (المقصود، بحسب تفسير «ابن كثير»، من آمنوا بمعتقداتهم قبل البعثة المحمدية، وبالمناسبة النصارى غير المسيحيين ولكن هذا موضوع آخر). يرى البعض أن المسلم سيدخل الجنة لمجرد أنه مسلم، وإن سرق وإن زنى وإن شرب الخمر.. وبالتالى فالأمر منتهِ، وهنا أصبح السجال هو أى إسلام هو المقصود، كل فرقة تحاول أن تقول إنها وحدها الإسلام، من الدواعش يميناً حتى الصوفيين يساراً.

أما المجمع الفاتيكانى الثانى، فى ستينات القرن الماضى، فقد أقر بأن الكنيسة الكاثوليكية ليست هى طريق الخلاص الوحيد، وأن الجميع لهم فرصة.. وفى مصر، غالبية طائفة الأرثوذكس، الأكثر عدداً، وكعدوى من الوسط المحيط، يظنون أنهم هم فحسب أبناء الملكوت الذى سيكون حصرياً لهم. بينما فلسفة الدين المسيحى ليست كذلك. الكلام الوارد على لسان السيد المسيح نفسه يفيد بأن الملكوت المسيحى سيضم أفراداً من أصول لا مسيحية، وذلك حين قال إن: «كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب، ويتكئون مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب فى ملكوت السماوات. وأما بنو الملكوت فيطرحون فى الظلمة الخارجية. هناك يكون البكاء وصرير الأسنان». (وهذا لا يتعارض مع قوله فى موضع آخر: «من آمن بى ولو مات سيحيا»، لأن هذا لا يفيد الحصرية).

مشاهير رجال الدين تصدوا لهذا الأمر، البابا شنودة، كعادته كان أكثر حكمة، وطالب الناس بعدم احتكار الملكوت بينما الأنبا بيشوى كفر الطوائف من غير الأرثوذكس وحرم عليهم الجنة.. أما الشيخ الشعراوى فقال إن المسلم فحسب هو من يأخذ ثواب عمل الخير، وهو رأى يتفق مع التوجهات الوهابية صاحبة التمويل آنذاك. الإله هو خط النهاية الذى سنصل إليه جميعاً عبر طرق مختلفة، من المهم أن تكون ممهدة جميعها بصالح الأعمال وعظيم القيم.. وظنى أن الجنة -بطريقة ما- لن تخلو من «كل الناس»، فعلى الرغم أنه من المنطقى أن رحمة الله لا تكون على حساب عدله، إلا أننى أثق أن الإله الرحيم المحب الحنون لن يطرد أحداً من فردوسه إلى الأبد. خصوصاً الناس التى جالت تصنع خيراً مثل الحسن بن الهيثم أو مجدى يعقوب أو توماس إديسون وغيرهم ممن يسهلون حياتنا منذ مئات السنين، وهى صدقة جارية، فمن الذى سيدخل الجنة إن لم يدخلها هؤلاء؟! الله هو فاحص القلوب.