«داعش الصعيد»

قبل يوم واحد من الجريمة الإرهابية التى استشهد فيها 30 مصرياً قبطياً بصحراء المنيا، أى بالتحديد يوم 25 مايو، نشرت جريدة «المصرى اليوم» تفاصيل التحقيقات التى أُجريت مع ما يُعرف بتنظيم «داعش الصعيد»، من بينها ما أقرّ به المتهم الثالث رامى عيد مصطفى إبراهيم بسعيه لإقامة معسكر لتدريب عناصر خليته على استخدام الأسلحة النارية بأرض مملوكة للمتهم أسامة محمد سعد مهنى بمركز مطاى محافظة المنيا، وتكليفه لمتهمين آخرين بدراسة العلوم والاستراتيجيات العسكرية وأنواع الأسلحة وطرق تصنيع المفرقعات. لم تمض 24 ساعة على نشر هذه التحقيقات حتى دهمتنا واقعة المنيا البشعة. لو أنك استرجعت أيضاً الحوادث الإرهابية المتكررة التى شهدتها محافظة الجيزة طيلة الشهور الماضية، فيصح أن تخلص إلى أن ثمة تحركات لعناصر داعشية على طول خط الصعيد، ولو أنك قرأت ببعض التمعن التحقيقات التى أجرتها النيابة مع بعض العناصر التى تم القبض عليها، فيمكنك أن تخلص فى أقل تقدير إلى وجود مجموعة من الخلايا المتحركة باسم «داعش» وعدد من الذئاب المنفردة، وأنه يصح أن تكون هذه الخلايا فى طريق تشكيل تنظيم داعشى بالصعيد.

محافظة المنيا -كما تعلم- من أكثر محافظات الصعيد التى اشتعلت عقب فض اعتصامَى رابعة والنهضة، وشهدت أحداث عنف استثنائية قياساً إلى ما شهدته محافظات مصر، بل ومحافظات الصعيد الأخرى. تحملت محافظة المنيا وحدها أكثر من نصف خسائر وزارة الداخلية فى الأرواح والمنشآت، فقد هاجمت عناصر الإخوان أقسام الشرطة والمنشآت الحكومية والكنائس، فتم اقتحام وتدمير مراكز شرطة مطاى والعدوة وسمالوط ومغاغة وديرمواس وملوى وأبوقرقاص وقتل العديد من الضباط والأفراد وتم التمثيل بجثثهم والتنكيل بالأحياء منهم، وتم حرق 7 محاكم و6 وحدات محلية بالمحافظة، وحرق كل مراكز الشرطة ووحدتَى مرور ملوى وبنى مزار، وحرق ونهب متحف ملوى و37 كنيسة و3 مدارس وعدد كبير من محال ومنازل الأقباط، وقُدرت التلفيات المبدئية بما يتجاوز الـ2 مليار جنيه.

عدد الناقمين من أنصار الإخوان على فض رابعة والنهضة فى محافظة المنيا كان كبيراً، وعدد من يحاكمون من أعضاء الجماعة بالمحافظة ضخم للغاية. لعلك تذكر حكم الإعدام الذى صدر ضد 683 متهماً من أنصار الرئيس المعزول محمد مرسى، من بينهم المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع، فى أحداث عنف فى المنيا، وهو الحكم الذى تم نقضه فيما بعد.

كلنا يعلم أن التيارات المتطرفة لها وجود متجذر بمحافظات الصعيد منذ السبعينات من القرن الماضى، ولا خلاف على أن تاريخ الإهمال والتهميش الذى عانى منه الصعيد وقف فى الماضى ويشخص فى الحاضر وراء انسياق بعض من أبنائه وراء الفكر المتطرف. فى الصعيد يوجد الغبن إلى جوار السلاح، والمسلم إلى جوار المسيحى، والتعليم الرفيع إلى جوار الأمية، والإبداع اللافت إلى جوار الإفلاس المروع. ومع تقديرى للكلام المتكرر حول أن الدواعش يريدون تفكيك الدولة، إلا أننى أرى أن من الحرى بنا أن نفكر فى فكرة أنه «حيث تغيب الدولة يظهر الدواعش». أكبر بؤرتين حاليتين تتحرك فيهما هذه العناصر هما سيناء والصعيد، حيث تغيب الدولة، (أقصد كدور وليس كأداة للهيمنة). ووقوع عمليات داعشية فى محافظات أخرى معناه أن الدولة تزداد غياباً.. الخطر يزحف!