"الإدارية العليا" تحمي طفلا من السجل الجنائي بسبب "كيس فاكهة"

"الإدارية العليا" تحمي طفلا من السجل الجنائي بسبب "كيس فاكهة"
قضت المحكمة الإدارية العليا، الدائرة الأولى فحص الطعون، برئاسة المستشار أحمد الشاذلي نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجي وسامي درويش نائبي رئيس مجلس الدولة، بإجماع الأراء، برفض الطعن المقام من وزارة الداخلية على حكم القضاء الإداري، بإلغاء قرار الداخلية بتسجيل طفل عمره 14 عاما جنائيا، والذي استمر معه 15 عاما أخرى، بسبب اتهامه بسرقة "فاكهة"، وألزمت الداخلية بالمصروفات.
وذكرت المحكمة، أن المشرع الدستوري جعل من سيادة القانون أساس للحكم في الدولة التي أخضعها للقانون، وأن العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، وأن الأصل في الإنسان البراءة، ولا يجوز نقض البراءة إلا من خلال القانون وبحكم قضائي تكفل فيه للمتهم ضمانات الدفاع عن نفسه، ونص المشرع على انقضاء الدعوى بالنسبة للمتهم المرفوعة عليه، والوقائع المسندة فيها إليه بصدور حكم نهائي بالبراءة أو بالإدانة.
وأضافت المحكمة، أنه إذا كان المشرع اختص هيئة الشرطة بالمحافظة على النظام العام والأمن العام والآداب العامة، وناط بها العمل على منع وقوع الجرائم وضبط مرتكبيها وتقديمهم للعدالة صونا للمجتمع وحفاظا على المصلحة العامة، ما يجيز لها أن تتخذ من الإجراءات والتدابير ما يكفل تحقيق ذلك، وحفظ الأمن، وتعقب الخارجين عليه، والساعين إلى تكدير النظام العام، وأن تتخذ من الإجراءات ما ييسر لها التعرف على من اعتاد ارتكاب جرائم بعينها، بحيث يكون لها تسجيل هؤلاء في سجلات محددة وترصد بياناتهم وما يتعلق بالجرائم التي ثبتت في حقهم على أجهزة الحاسب الآلي الخاصة بها، إلا أنها في هذا السبيل لا يجوز لها التضحية بأصل البراءة المشار إليه الذي تكفله القواعد الدستورية، ولا يقبل منها أن تشوه الأهداف المرجوة من التدابير بإساءة استخدامها أو بالانحراف عن أغراضها، إذ لا يكفي أن يكفل للمواطنين حرية أو حق ما دون وسائل إجرائية مشروعة ملزمة تصونه ويكون اتباعها ملزما واحترامها واجبا.
وأوضحت المحكمة، أنه يتعين على وزارة الداخلية، أن تناغم بميزان دقيق بين حقها في اتخاذ إجراءات المحافظة على النظام العام بعناصره الثلاث الأمن والصحة والسكينة، وبين حقوق المواطن وحرياته، وفي مقدمة ذلك أصل البراءة المفترض في كل إنسان، فلا تجرى ذلك التسجيل الجنائي لشخص برئ لم يحكم القضاء بإدانته، ولا أن تجعل مجرد الاتهام أصلا يستوجب التسجيل، رغم أنه لم يحرر ضد المواطن عن الواقعة المنسوبة إليه إلا مجرد محضر، وحفظ بعد ذلك أو تقرر عدم إقامة الدعوى الجنائية عنه أو قدم عنه لساحة القضاء وبرأه مما ورد فيه.
واختتمت المحكمة، أن المطعون ضده إبان أن كان طفلا يبلغ عمره 14 عاما و10 أشهر و4 أيام، نُسب إليه مع آخرين في القضية رقم 4 لسنة 2003، أنه في 5/8/2002 بدائرة الباجور بمحافظة المنوفية، سرق بعض الفاكهة المملوكة لأحد المواطنين، وقضت محكمة أحداث شبين الكوم بجلسة 24/3/2003 ببراءته.
وجاء في حيثيات حكم البراءة، أن الاتهام جاء مرسلا من ثمة دليل، فضلا عن أن الأوراق خلت من ثمة شاهد يشهد بذلك، وعدم توصل التحريات إلى صحة الواقعة بشأنه، وأن المواطن الذي اتهمه قرر أمام المحكمة أنه أسرع في اتهامه، وأنه لا يتهمه بسرقة الفاكهة، وقضت المحكمة ببراءته، وعليه فإن المطعون ضده لم تثبت إدانته في القضية المذكورة، ويكون إدراج اسمه ضمن المسجلين جنائيا باعتباره متهما في القضية الذي ظل معه، حتى أصبح محاميا، إنما يخالف الواقع ويخل بحقه الدستوري في التمتع بأصل البراءة التي حصل عليها، وطالما لم يثبت إدانتها بحكم قضائي، كما أن استمرار تسجيل اسمه على الوجه المشار إليه، يجعله محل شبهة من جانب جهة الإدارة القائمة على الأمن العام، على وجه ينال من حريته الشخصية ويؤثر على سمعته ومستقبله وأقاربه وذويه، ويتعين محوه من السجل حتى لا يظل سيف الاتهام عن القضية عالقا به إلى ما لا نهاية، ما يخالف الفطرة السليمة للإنسان.