شريف حتاتة المفكر اليساري.. من السجن إلى "رقصة أخيرة قبل الموت"

كتب: سلوى الزغبي

شريف حتاتة المفكر اليساري.. من السجن إلى "رقصة أخيرة قبل الموت"

شريف حتاتة المفكر اليساري.. من السجن إلى "رقصة أخيرة قبل الموت"

وُلِد يوم كان شابًا، يجول بين جنبات قصر العيني مرتديًا معطفه الطبي، ولا زال على قيد الدراسة، يتفحص المرضى الذين يتركون الأسِرّة لجمع قوت يومهم وما يُعين أسرهم على الحياة، فيعاودهم المرض لضيق الحال، فيترك حياته البرجوازية وينغرس وسط الجماهير الفقيرة مُدافعًا عنهم، ويُولد للمرة الثالثة على يد "الكتابة" التي صارت سبب الحياة لدى "شريف حتاتة" ودونها يموت حيًّا.

الكاتب والمفكر اليساري، عرف الإنجليزية والفرنسية قبل أن يُتقن العربية، ولد في 13 سبتمبر من العام 1923 في إنجلترا، لأم إنجليزية وأب مصري، نظرا لدراسة والده هناك، لم يؤرق الفقر مضجعه، وعاد إلى مصر لدراسة "الطب" في جامعة فؤاد الأول، ليولد في موطنه بعد الاصطدام بواقع الحياة المصرية قبل ثورة يوليو، وكان قصر العيني جسرا للعمل السياسي والالتصاق بالناس، وعمل على إقناع الممرضين بالدخول إلى العمل الحزبي، لتغيير الوضع القائم قبل الثورة، واختار الشيوعية أو الاشتراكية طريقا للنضال، حتى اعتقل للمرة الأولى في العام 1948، وهرب حين نقلوه إلى المستشفى ذاهبا إلى فرنسا، ليواجه سجنا آخر لمدة عام ونصف لانضمامه لمظاهرات الجزائريين هناك.

عرف بقيام ثورة يوليو من محبسه في فرنسا، وحين عاد قُبض عليه وزُج به في السجن بتهمة قلب نظام الحكم بالقوة والإرهاب، وتم تحويله إلى مجلس عسكري قضى بحبسه 10 سنوات في 1953، وتم إيداعه في السجن الحربي، وكان أول أمين عام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان.

المناضل السياسي في بحري والقاهرة، عرف شغفه الحقيقي بالكتابة وموهبته بها بعد عامه الأربعين، على يد زوجته السابقة الكاتبة نوال السعداوي، ليجلس إليها حاكيًا ما مر به في السجون وسنوات السياسية والثورة، على أمل أن يساعدها ذلك في الكتابة، إلا أنها تشجعه على كتابة ما يقصه بنفسه، فتخرج روايته "العين ذات الجفن المعدني"، وتلتها روايات أثرت "أدب السجون".

تداعت تجارب حتاتة السياسية وحبه لمهنة الطب ودراسته داخل رواياته، التي حملت خزين التجارب والأحاسيس والشخصيات التي قابلها والتجارب التي عاشها، حتى روايته الأخيرة "رقصة أخيرة قبل الموت"، وجاءته فكرتها بعد رقصه طوال الليل في عرس رغم سنه الكبير، فيوقن أنه على الإنسان أن يرقص حتى آخر لحظاته، وكتبه كتلك الرقصات التي تتجدد مع متصفحيها، رغم أن أقربها لقلبه كانت روايتي "النوافذ المفتوحة" التي شملت مذكراته و"الشبكة".

غيّب الموت حتاتة، اليوم، عن عمر لم يتخط الـ94، وسيرته حاضرة في رواياته، الجامعة بين الحب والنضال وتجربة السجن، ويروي بين سطورها حبه لخالته "روزي" التي عشقها كأمه، وإن لم تكن بالاسم ذاته لكن تلك المكانة حاضرة، وعن جدته التي يعرف القارئ أنها يهودية إذا تمعن في القراءة، وهو الأمر الذي عمل على إخفائه طيلة حياته لتلك الصورة الذهنية المعروفة عن اليهود.


مواضيع متعلقة