الدقهلية: صناعة السجاد.. «أنوال» يعلوها التراب

كتب: صالح رمضان

الدقهلية: صناعة السجاد.. «أنوال» يعلوها التراب

الدقهلية: صناعة السجاد.. «أنوال» يعلوها التراب

«أنوال سجاد» يعلوها التراب وخيوط العنكبوت.. مشهد محزن لما تبقى من مشغل للسجاد اليدوى فى إحدى قرى الدقهلية، رغم أنه كان فى يوم من الأيام شبيهاً بخلية نحل، شباب وفتيات يعملون على مدار الساعة، ينتجون كميات كبيرة من السجاد، إلا أن ثبات الدخل مقابل ارتفاع الأسعار تسبب فى هجرة العاملين بحثاً عن مورد آخر للرزق.

مثلت قرية «دماص» فى الدقهلية إحدى أهم قلاع صناعة السجاد اليدوى فى مصر، نافست القرية بإنتاجها خلال سنوات العديد من دول العالم، وأصبحت مصدراً للعملة الصعبة التى تضاف إلى الدخل القومى المصرى، ما شجع القائمين على تلك الصناعة فى وقت سابق إلى وضع خطط طموحة لجذب الشباب والفتيات للعمل فى تلك الحرفة وتوفير مستلزمات الإنتاج لهم مع عائد مجزٍ للدخول فى المعارض الدولية لعرض منتجاتهم، التى يبلغ سعر المتر الواحد منها نحو 5 آلاف جنيه.

{long_qoute_1}

جذبت الصناعة الواعدة عدداً كبيراً من سكان قرية «دماص»، وامتدت إلى قرى «كفر شرف، بهيدة، وسنجيد فى مركز أجا»، وتطورت الصناعة بشكل كبير حتى بداية التسعينات من القرن الماضى، وأصبح اسم القرية معروفاً لدى خبراء صناعة السجاد فى مصر، ودخلت الجمعيات الأهلية على الخط بمساعدة الأهالى للعمل فى تلك الحرفة وتنميتها، عن طريق توفير «أنوال» ومستلزمات الإنتاج، فضلاً عن توفير مهندسين متخصصين للتصميم، ليصل عدد النولات بالقرية إلى نحو 100 نول، ما مكن القرية من المشاركة فى معارض دولية من بينها معرضان نظمتهما رئاسة الجمهورية.

«أبدأ عملى الساعة 7 صباحاً حتى الساعة 4 عصراً لتنفيذ من 10 إلى 15 خطاً، بواسطة أدوات بسيطة عبارة عن (نول) من الخشب مقسم هندسياً حسب عدد الخيوط فى السجاد، وصوف جاهز كمادة خام، و(قَطر) للتقطيع فى يد العامل أو العاملة، ورسم فنى يتم نقله من الورقة إلى النول بالخط»، هكذا تحدثت نورا ماهر أحمد، 22 عاماً، من حجرة بمركز لصناعة السجاد فى القرية، مشيرة إلى أن صناعة سجادة واحدة قد تستغرق من 4 إلى 6 أشهر.

وأضافت: «أعمل فى تلك الحرفة منذ 8 سنوات تقريباً، وبدأت أتعلم عمل العقدة أولاً، وبعدها مسكت الرسمة، وكانت فرحة كبيرة بالنسبة لى، وسرعة التعليم تتوقف على ذكاء المتعلم، وأنا مسكت الرسمة بعد أسبوعين فقط، ومن وقتها وأنا أعمل فى هذه المهنة، وصعوبتها فى التركيز، وأنها تسحب النظر، لكنى أحب عملى، وحتى لو تزوجت سأستمر فيه»، وأشارت إلى أن الخطأ الواحد يهدر عمل شهور طويلة، ويتطلب الأمر التركيز والصفاء الذهنى، بالتزامن مع متابعة مستمرة من المهندس المختص بالرسومات.

فى الحجرة المجاورة جلست «سحر السمر»، أم لطفلين بالمرحلتين الإعدادية والابتدائية، تتأمل النول الذى تعمل عليه، مؤكدة، فى حديثها لـ«الوطن»، أن صناعة السجاد مثل النحت على الصخر، وتحتاج إلى صبر طويل، لافتة إلى أن المشغل كان يعج بالفتيات، إلا أن ثبات العائد المادى فى مقابل ارتفاع الأسعار جعل الكثير من الفتيات يحجمن عن العمل فى تلك الحرفة، وتابعت: «أبنائى يساعدوننى فى الإجازات، وهم أحبوا الصنعة وأتقنوها، وأنا سعيدة لأننى وجدت فرصة عمل بجوار بيتى ووسط أبنائى»، وطالبت بأن تكون صناعة السجاد اليدوى قسماً من أقسام التعليم الصناعى وتشجعها الدولة؛ لأنها مهنة سهلة ولا تحتاج إلى رأس مال كبير، ويمكن العمل بها فى المنزل، وإن كان المشغل يوفر وقتاً أكبر فى العمل.

رضا فرج، من إدارة المشغل، أكد أن المشغل كان يضم 25 نولاً، يعمل على النول الواحد أكثر من شاب وفتاة، ومع مرور الوقت تبدل الحال، حيث توقفت معظم الأنوال نظراً لعدم وجود أيدٍ عاملة، مؤكداً أن الأمر يحتاج إلى تشجيع من الدولة وتحفيز الشباب على العمل فى هذا المجال، فالعامل يحصل على 2000 جنيه شهرياً دون أى أعباء، ولكن الشباب يبحث عن المكسب السريع، فيما أشار أسامة السيد، أحد الشباب الذين هجروا المهنة ليعمل على «توك توك»، إلى أنه اضطر إلى ترك العمل نظراً لتدنى الدخل الشهرى الذى لم يتجاوز 1200 جنيه، لافتاً إلى أن صاحب المشغل يحصل على 20 ألف جنيه مقابل السجادة الواحدة، مضيفاً: «أصحاب المشاغل يستغلون الشباب الذى يعمل فى هذه المهنة، وأتمنى أن أعود لها بشرط أن أحصل على ما أستحقه لا ما يجود به صاحب المشغل».

وقال العميد أحمد العنانى، رئيس مجلس إدارة إحدى المؤسسات الخيرية بـ«دماص»: «المؤسسة تحث الشباب على العمل بتلك الحرفة وتنظيم دورات للتدريب يتم خلالها دفع أجور للمتدربين»، مشيراً إلى أن المؤسسة لديها أكثر من 600 فرع فى جميع أنحاء الجمهورية، بهدف خلق فرص عمل للشباب فى المناطق الفقيرة، لافتاً إلى أن دور المؤسسة يقتصر على التدريب وتوفير مستلزمات الإنتاج للمتدربين للعمل من المنزل أو فى أحد المشاغل، والمشروع وفر العديد من فرص العمل للأرامل والمطلقات والأسر الفقيرة.

وأضاف: «صناعة السجاد انتشلت كثيراً من الأسر من براثن الفقر، وأتمنى زيادة الاهتمام من الدولة، إلى جانب تسهيل المشاركة فى معارض داخلية وخارجية»، وتابع: نتمنى أن نضاعف دخل العمال من خلال إيجاد منافذ بيع، خاصة أن هذه الصناعة مطلوبة لأنها «هاند ميد» (صناعة يدوية)، ويقبل عليها أصحاب الدخول المرتفعة وما يزال هذا المشروع فى حاجة إلى أن يشجعه المسئولون، بهدف رفع أجر العامل من 2000 جنيه إلى 10 آلاف جنيه، ونحن نحاول أن ننشر المهنة، ووزارة التضامن تتكاتف معنا لتعميم الفكرة على مستوى الجمهورية، ولو تم تبنى هذا المجال ووضع آلية واضحة له ستتطور الحرفة إلى صناعة، مشيراً إلى أن أكبر العقبات التى تواجههم هى زواج الفتيات اللاتى يحجمن عن العمل بمجرد الارتباط، ما يحتاج إلى نشر حملات توعية بأهمية العمل لتحريك الاقتصاد والحد من نسب الفقر فى الريف المصرى.


مواضيع متعلقة