القانون خالف مبادئ «حق التقاضى والمواطنة ومكافحة الفساد»

كتب: أحمد ربيع

القانون خالف مبادئ «حق التقاضى والمواطنة ومكافحة الفساد»

القانون خالف مبادئ «حق التقاضى والمواطنة ومكافحة الفساد»

كشف تقرير هيئة مفوضى المحكمة الدستورية العليا عن 6 أوجه استند إليها للتوصية بعدم دستورية المادتين الأولى والثانية من قانون تنظيم بعض إجراءات الطعن على عقود الدولة، فيما تضمنته المادة الأولى من «قصر الحق فى الطعن ببطلان العقود التى يكون أحد أطرافها الشركات التى تمتلكها الدولة، أو الطعن بإلغاء القرارات أو الإجراءات التى أبرمت هذه العقود استناداً لها، على أطراف التعاقد دون غيرهم»، وما نصت عليه المادة الثانية من أن «تقضى المحكمة من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعاوى أو الطعون المتعلقة بالمنازعات المنصوص عليها فى المادة الأولى».

{long_qoute_1}

وكشف التقرير عن أسباب بطلان القانون بالكامل لمخالفته الشروط الدستورية الشكلية المقررة فى المادة 121 من دستور 2014، وذلك بعد ثبوت عدم استيفائه نصاب ثلثى أعضاء مجلس النواب، رغم كونه من القوانين المكملة للدستور.

وتستعرض «الوطن» أسباب عدم دستورية القانون بالكامل، وكذا الأسباب الـ6 التى استند إليها بعدم دستورية المادتين الأولى والثانية، حيث جاء بالتقرير أن القانون المطعون عليه يعد من القوانين المكملة للدستور التى تستلزم موافقة ثلثى عدد أعضاء مجلس النواب، وهو ما لم يحدث.

وأوضح التقرير أن مضبطة الجلسة الثالثة عشرة لدور الانعقاد العادى الأول لمجلس النواب المعقودة فى 20 / 1 / 2016 كشفت أن القرار بقانون المطعون عليه «تنظيم الطعن على عقود الدولة» قد عرض ونوقش وتمت الموافقة عليه بأغلبية 374 نائباً بنسبة 62.7% من إجمالى أعضاء المجلس البالغ عددهم 596 نائباً، وهى أغلبية دون أغلبية الثلثين التى تطلبها الدستور لإقرار القوانين رجعية الأثر أو القوانين المكملة للدستور، وكان يتطلب لصحة القانون من الناحية الشكلية موافقة 397 نائباً بنسبة 66.6% من إجمالى عدد أعضاء مجلس النواب.

وأكدت «المفوضين» أن القرار بقانون يعد من القوانين المكملة للدستور من عدة أوجه، أولها: لتعلقه بولاية جهات القضاء وهى «مجلس الدولة» الذى اختصه المشرع الدستورى بولاية الفصل فى المنازعات الإدارية ومن بينها، دون شك، المنازعات المتعلقة بالعقود الإدارية، ولتعلقه كذلك بولاية جهة القضاء العادى فى شأن عقود جهة الإدارة غير الإدارية.

ثانياً: لتعلقه بتنظيم الحق فى التقاضى بحسبانه من جملة الحقوق والحريات الواردة فى الدستور والمنصوص عليها فى المادة 97.{left_qoute_1}

ثالثاً: لتعلقه بسلطة المحكمة على الدعاوى المنظورة أمامها وحدود ولايتها عليها، الأمر الذى يلزم مجلس النواب الموافقة على هذا القرار بقانون بوصفه من القوانين المكملة للدستور، وبأغلبية خاصة هى أغلبية ثلثى أعضاء مجلس النواب فى مجموعه، وأن الموافقة على القانون دون موافقة أغلبية الثلثين تجعله مخالفاً للمادة 121 من الدستور، ويكون قد أتى العوار الدستورى عليه من جذوره.

وفيما يتعلق بعدم دستورية المادتين الأولى والثانية، من القانون، فقد رصد التقرير 6 أوجه لعدم دستوريتهما:

أولاً: مصادرة حق التقاضى بالمخالفة لنص المادة 97 من الدستور:

حيث أكد التقرير أنه لا يجوز فى أى نظام دستورى يقيم النظام الجمهورى على أساس المواطنة أن يقصى فيه المواطن ويمنع كلية عن ولوج طريق التقاضى دفاعاً عن الملكية العامة أو موارد الدولة وأملاكها على اختلاف صورها وأشكالها، وأوضح التقرير أنه مهما بدا شطط البعض وإساءتهم استعمال الحق فى التقاضى لأغراض وأهداف غير مشروعة، فإن الرقابة القضائية التى تباشرها المحاكم على اختلاف درجاتها هى الضمان الأوفى لمجابهة مثل هذه الحالات، خاصة أن المحاكم لم تكن مستجيبة دائماً لدعاوى البطلان أو الإلغاء الخاصة بالعقود التى أبرمتها الدولة بل قضى فى كثير منها برفضها، وأشار التقرير إلى أن المادة الأولى من القانون صادرت حق الكثير من الفئات المضارة من القرارات والإجراءات التى أبرم العقد بناء عليها والعاملين بالشركات أو المشروعات محل التعاقد، فى اللجوء للقضاء بالمخالفة للمادة 97 من الدستور، لا سيما أن مبدأ تحصين بعض أعمال وتصرفات جهة الإدارة من الرقابة القضائية صار من المبادئ المهجورة عالمياً ولم يعد له مظهر سوى فى تطبيقات أعمال السيادة، وأكد التقرير أن الدوافع والبواعث النبيلة التى حملت الحكومة ومن بعدها رئيس الجمهورية المؤقت، المستشار عدلى منصور، بصفته القائم بوظيفة التشريع آنذاك، على إصدار القرار بقانون المطعون فيه وأهمها تحفيز المستثمرين نحو مزيد من الاستثمار فى مصر فى ظروف اقتصادية بالغة الصعوبة، فإن ذلك لا يغنى عن حتمية التوسل إليها بوسائل مشروعة دستورياً.

{long_qoute_2}

ثانياً: تقويض الاختصاص الدستورى المقرر لجهتى القضاء العادى والإدارى:

فرغم أن المشرع قصد من القانون المطعون فيه استرداد ثقة المستثمرين والممولين فى مدى الاستقرار والأمان المتوافر للمعاملات التى يقومون بها لدى قيامهم بالاستثمار فى السوق المصرية، بعد أن تعرضت بعض العقود التى أبرمتها الدولة للإبطال، إلا أن الحظر المنصوص عليه فى المادة الأولى جاء مطلقاً وشاملاً كافة العقود التى تبرمها هذه الجهات، وأياً كانت الجهة التى أبرمتها سواء الدولة أو أجهزتها المختلفة أو شركاتها وأياً كانت طبيعة العقد أو نوعه، وهو ما ينحل فى النهاية إلى إعفاء كامل للدولة وأجهزتها وشركاتها من الخضوع للقانون بالمخالفة لنصوص المواد «1، 94، 188، و190 من الدستور».

ثالثاً: تقويض مبدأى المواطنة وسيادة الشعب:

فحينما قصرت المادة الأولى من القرار بقانون المطعون فيه الحق فى الطعن على عقود الدولة وأجهزتها وشركاتها والقرارات والإجراءات التى أبرمت هذه العقود استناداً إليها، على أطراف التعاقد دون غيرهم، مستبعدة بذلك غير أطراف التعاقد من المواطنين المضرورين ذوى المصلحة الحقيقية من الطعن عليها، مهدرة بذلك صفة المواطنة كأساس أصيل للنظام الجمهورى الديمقراطى.

وأكد التقرير أن هذا الاستبعاد الكلى لأى مواطن من دائرة الحق فى الطعن لا لشىء إلا لكونه مواطناً، وبغض النظر عن مدى توافر قدر معتبر من الضرر أو الأذى الذى لحق به بالإضافة إلى كونه مواطناً.

رابعاً: التدخل فى شئون العدالة والقضايا والاعتداء على استقلال القضاء:

أكد التقرير أن ما تضمنته المادة الثانية من القانون المطعون فيه من «وجوب أن تقضى المحكمة من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعاوى أو الطعون المتعلقة بالمنازعات المنصوص عليها فى المادة الأولى والمقامة أمامها بغير الطريق الذى حددته هذه المادة، بما فى ذلك الدعاوى والطعون المقامة قبل تاريخ العمل بهذا القانون»، يعد بمثابة تدخل مباشر من السلطة التشريعية فى القضايا المطروحة على السلطة القضائية، كما أنها أوجبت على القضاة الحكم فى قضايا بحوزتهم على نحو معين يتنافى مع استقلالهم وحريتهم فى تكوينهم لعقيدتهم وبالمخالفة لأحكام المادتين 184 و186 من الدستور.

{long_qoute_3}

خامساً: الإخلال بالالتزام بمكافحة الفساد:

أكد التقرير أن القانون أنشأ بـ«قصر الطعن على العقود لأطراف التعاقد فقط»، حالة من حالات تعارض المصالح، مكرساً بذلك صورة من صور الفساد المعروفة، وقوامها أن يكون صاحب الصفة والمصلحة فى الطعن على العقد هو صاحب الصفة والمصلحة فى عدم الطعن فى الوقت ذاته.

إضافة إلى ذلك فإنه مما لا شك فيه أن أطراف العقد -فى الأغلب الأعم من الأحوال- لن يبادروا إلى الطعن على العقود التى أبرموها نيابة عن الدولة أو أجهزتها أو شركاتها أو القرارات التى أبرمت استناداً إليها هذه العقود أو تحريك دعوى قضائية للنيل منها، كما أن أطراف العقد وهم أصحاب المصلحة فى الطعن سيتأثرون بقرارهم فى الطعن من عدمه بمصلحتهم الشخصية المباشرة فى عدم الطعن من عدمه، لا سيما إذا كانوا متورطين فى إبرام عقود للدولة أو أجهزتها أو شركاتها بالمخالفة لأحكام القانون، وبالتالى يكون القانون المطعون فيه خالف مقتضى الالتزام الدستورى الواقع على الدولة بمكافحة الفساد والمنصوص عليه فى المادة 218 من الدستور، كما خالف معايير الشفافية والحوكمة المنصوص عليها فى المادة 27 من الدستور ذاته.

الوجه السادس والأخير الذى تضمنه التقرير واستند إليه بعدم دستورية القانون هو إخلاله بمبدأى سيادة القانون وخضوع الدولة للقانون.


مواضيع متعلقة