وزير المالية الأسبق لـ«الوطن»: خطة مصر 2030 «أمنيَّات».. والتصنيع أملنا بدلاً من «ثقافة التسول»

وزير المالية الأسبق لـ«الوطن»: خطة مصر 2030 «أمنيَّات».. والتصنيع أملنا بدلاً من «ثقافة التسول»
- أحمد جلال
- أسباب سياسية
- إدارة الأزمة
- إصلاح اقتصادى
- إصلاح الاقتصاد
- اتخاذ القرارات
- احتياطى النقد
- اقتصاد العالم
- الإدارة الأمريكية
- «السيسى»
- أحمد جلال
- أسباب سياسية
- إدارة الأزمة
- إصلاح اقتصادى
- إصلاح الاقتصاد
- اتخاذ القرارات
- احتياطى النقد
- اقتصاد العالم
- الإدارة الأمريكية
- «السيسى»
تلقى ما يشبه التهديد باستهدافه وأسرته أثناء توليه منصب وزير المالية فى 2011 من قبل مافيا «الجمارك» حال إقدامه على ميكنة إجراءاتها.. تولى وزارة المالية فى حكومة تسيير الأعمال برئاسة عصام شرف، بعد الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق مبارك.. وحين تم اختياره لتولى حقيبة المالية بعد ثورة «25 يناير» كانت مصر «مولعة وفوضى»، حسب قوله، وتحتاج شخصاً يمكنه إدارة الأزمة.. لم يكن متحمساً للتعامل مع البنك وصندوق النقد الدوليين لكنه أكد أنهما غيّرا سياستهما التى كانت تستهدف إفقار الدول.. الدكتور سمير رضوان، وزير المالية الأسبق، قال إن انطلاقة الاقتصاد المصرى تكمن فى التصنيع، خاصة أن مصر لديها فى الوقت الراهن فرصة ذهبية للتصنيع تزيد على موجة الستينات من القرن الماضى، أسوة بتلك التى نفذها «عبدالناصر».
«رضوان» أضاف، فى حواره لـ«الوطن»، أن مصر تعانى جهازاً إدارياً فاسداً لا يلائم أى تطور، وأن الفساد «مستشرٍ به»، استناداً إلى بنية تشريعية غير متطورة، مشيراً إلى أن الأجور المتواضعة لكثيرين من موظفى الجهاز الإدارى قد تكون دافعاً لفساد كثيرين منهم، وتمنى ألا يكون الرئيس عبدالفتاح السيسى ضحية ثانية لفساد الجهاز الإدارى العتيق بعد الضحية الأولى المتمثلة فى الزعيم جمال عبدالناصر، فيما أبدى إعجابه بمشروع قناة السويس الجديدة. وأوضح أن خطة الحكومة المعروفة باسم «مصر 2030» مجرد أمنيات طيبة، وأن برنامجها الإصلاحى مع صندوق النقد الدولى لم يكن معلناً بوضوح، وأنه فاتها فى هذا البرنامج الإجابة عن سؤالين مهمين، أولهما، لمن تنحاز فى هذا البرنامج، للفقراء ومحدودى الدخل أم الأغنياء؟ وكيف ستمول تنفيذه؟
{long_qoute_1}
■ بداية كيف ترى برنامج الحكومة للإصلاح الاقتصادى الذى حصلت بمقتضاه على قرض صندوق النقد الدولى بقيمة 12 مليار دولار؟
- الاتفاق مع صندوق النقد الدولى خطوة صحيحة دون أدنى شك، وأذكر أنه فى عام 2011 قُمنا بالتوقيع مع «الصندوق» بالحروف الأولى إلا أن الاتفاق لم ينُجز فى نهاية الأمر بالرغم من أن الظروف كانت أفضل مما هى عليه الآن، فضلاً عن أن «الصندوق» آنذاك كان أكثر رغبةً فى مساعدتنا، ما يعنى أن الاتفاق فى الوقت الراهن خطوة صحيحة إلا أنها جاءت متأخرة للغاية، والتأخير فى اتخاذ القرارات سمة أساسية فى السياسة العامة فى مصر للأسف، إذ إننا كنا دوماً مدركين لضرورة اتخاذ الإصلاحات إلا أننا نتخذها متأخراً بتكلفة أعلى، والوضع الآن لم يكن يسمح بخيار آخر سوى اللجوء إلى «الصندوق» فى ظل تراجع الإنتاج والتصدير والسياحة، كما أن الدول الخليجية قلصت يد العون شيئاً فشيئاً، خاصة السعودية التى اتخذت مؤخراً موقفاً مغايراً من مصر لأسباب سياسية مقارنة بمواقفها الداعمة بعد ثورة 30 يونيو، وإن كان هناك بوادر انفراجة جديدة، ومن الضرورى وجود برنامج إصلاح اقتصادى متكامل يتضمن، إلى جانب استعادة النمو، تعزيز شبكات أمان لمواجهة آثار الإصلاح، لأن الاتفاق مع «النقد الدولى» يقضى بتنفيذ شروط قد يكون من شأنها المساس بمحدودى الدخل والطبقة الوسطى، ومن الضرورى عند تنفيذ الإصلاح التدرج فيه، فمن غير المعقول أن يتم تحرير سعر الصرف وخفض الدعم فى ذات الوقت، علاوةً على أنه من الضرورى على الحكومة أن تعلن عن برنامجها بشفافية حتى تضمن المشاركة والتأييد من المجتمع.
■ لكن جزءاً من الجدل الدائر هو أن الثقة فى «الصندوق» محل شكوك لأسباب تاريخية.. هل ترى بحكم تعاملك السابق مع هذه المؤسسة أنها ترعى مصالح الشركات الكبرى أم أن الحقيقة مغايرة لذلك؟
- كانت لدىّ ككثير من المصريين صورة ذهنية سلبية عن «الصندوق» وهى صورة لها ما يبررها فى تاريخ مصر فيما يتعلق برفض تمويل السد العالى من قبل البنك الدولى بإيعاز من «النقد الدولى»، كما أننى شاركت فى بعثات لاقتصادات ناشئة لجأت للصندوق فى شرق أوروبا ودول الاتحاد السوفيتى السابق، وتكونت لدىّ رؤية بأن «الصندوق والبنك الدوليين» مؤسسات لإفقار الشعوب، لكن المؤسستين أصلحتا نفسيهما ذاتياً بعد ذلك حتى تتواءما مع التطورات فى أسواق التمويل الأجنبى لاجتذاب الاقتصادات الناشئة التى أصبح لها الثقل الأكبر فى تحقيق النمو فى الاقتصاد العالمى، ولا يوجد ما يمنع من التعامل معهما فى الوقت الراهن، وعندما كنت وزيراً للمالية فى 2011 فاوضتهما مشترطاً عدم تجاوز بعض الخطوط الحمراء التى كانت جزءاً لا يتجزأ من برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى تبنيناه.{left_qoute_1}
■ وما هذه الخطوط الحمراء؟
- اشترطت على «الصندوق» عندما كنت وزيراً للمالية فى 2011 وكان معى محافظ البنك المركزى فاروق العقدة، ألا يتعرض للحد الأدنى للأجور، ولا يشترط تسريحاً للعمالة، أو يشترط علينا تحرير سعر الصرف آنذاك، و«الصندوق» وافق على شروطنا هذه، لأن المؤشرات الاقتصادية لمصر، معدل النمو الاقتصادى والاحتياطى النقدى، وعجز الموازنة، كانت جيدة، وكذلك هناك رغبة قوية من أوروبا والولايات المتحدة، لدعم ما سُمى بثورات الربيع العربى.
■ أفهم من حديثك أن الحكومة الحالية أفرطت فى تقديم التنازلات لإنجاح مفاوضاتها مع «النقد الدولى»؟
- لا أستطيع قول ذلك، لكن كل ما أقوله إن الوضع الراهن بلغ من الصعوبة بشكل لم يعد يسمح لنا برفض كثير من الأمور، إذ إن البدائل المتاحة باتت محدودة، ثم إن الاتفاق مع الصندوق هو مجرد خطوة فى إطار جهود الدولة لإنقاذ الاقتصاد المصرى وليس نهاية المطاف ويجب أن نتجاوزه لمناقشة ما هو أهم منه.
■ ماذا تقصد؟
- قرض «الصندوق» على أهميته ليس إلا مساهمة فى تمويل عملية التنمية، وبنود الاتفاق محاولة لضبط عجز الموازنة والدين العام.. وكل هذا مهم وضرورى لإعادة النمو لكنه لا يكفى أبداً لمواجهة مشاكلنا الاقتصادية، التى لا يمكن علاجها بدون التوجه الجاد والفورى لإعادة عملية النمو والتصدير، ولتحقيق ذلك لا بديل عن الاهتمام بالتصنيع، خصوصاً أن مصر لديها فى الوقت الراهن فرصة ذهبية للحاق بقطار التصنيع بشكل قد يتعدى ما حققناه فى الستينات تحت قيادة الرئيس جمال عبدالناصر. من المهم أن نعرف أنه عقب الحرب العالمية الثانية، توافرت لمصر أحد أهم مراكز العمليات لدول الحلفاء وقتها، أموال طائلة، وتم تدريب 180 ألف عامل مصرى فى شركات ومعسكرات الإنجليز، وكانوا بعد ذلك هم نواةً للطبقة العاملة الصناعية التى اعتمد عليها «عبدالناصر» فى خطته للتصنيع، وكانت فكرة «عبدالناصر» بسيطة، فقد أمسك بكشف الواردات المصرية وقرر تصنيع السلع التى يمكن إنتاجها محلياً فوراً بدلاً من استيرادها، والتخطيط لتصنيع السلع التى ليس لدينا القدرة على تصنيعها لوقت لاحق مع البدء فى الصناعات الثقيلة مثل الحديد والصلب، وهذا ما يجب أن نفعله الآن، أى أن نُفعل برنامج «إحلال الصناعة الوطنية محل الواردات»، وحالياً لدينا كشف واردات يماثل 3 أضعاف قيمة صادراتنا، وبعض هذه الواردات مثير للعجب مثل «الأساتك وزهور البلاستيك، وشماعات الملابس وإبر الخياطة.. إلخ»، وإذا عملنا على تصنيع ما نستورده سنحل مشاكلنا بشكل حقيقى يتجاوز «أن نُصبّح على مصر بجنيه» أو غيره. التبرع يعنى فكرة المشاركة المجتمعية، لكنه فى النهاية ليس حلاً ولا يؤدى إلى طفرة، الطفرة فى أن نبدأ التصنيع، والمسألة لن تستغرق سوى 5 سنوات، وحينئذ لن تنتج احتياجاتك فحسب بل وبإمكانك تصديرها لأفريقيا، نحن «حبسنا أنفسنا فى ثقافة التسول»، وأنا على يقين بأن هذا البلد لديه من الإمكانيات ما يمكنه من الانطلاق بشكل غير عادى، لكن موارد البلد مهدرة، نتيجة سيطرة عقول جاهلة بالتطورات العالمية، و«أس البلاء» مخرجات نظام التعليم الذى انهار منذ زمن، ولن يجدى معه الحديث عن إصلاح، ولكن يجب إدخال نموذج جديد للتعليم يستجيب لمتطلبات الثورة الصناعية الرابعة بما يعزز القدرة التنافسية للبلاد.
{long_qoute_2}
■ إذا كان الحل بهذه البساطة كما تقول فما الذى يحول دون تنفيذه؟
- للأسف ما يحول دون تنفيذ ما سبق، هو وجود جهاز إدارى «فاسد»، بمعنى أنه ليس فقط غير قادر على تحقيق تقدم بل يعيق أى تقدم، ويساعده فى ذلك متاهة من التشريعات التى تتيح الفساد وتقننه، وبدون إصلاح هذه البنية التشريعية لن يتمكن الرئيس عبدالفتاح السيسى، المخلص والطموح، من إنجاز طفرة تنموية، وأرجو ألا يكون الضحية الثانية لهذا الجهاز الإدارى العتيق، بعد جمال عبدالناصر. هل لك أن تتخيل أن لدينا فى وزارة الزارعة 110 آلاف موظف تشجير «واحنا معندناش شجر» وتتفنن المحليات فى القضاء على ما تركه الخديو إسماعيل من أشجار فى شوارع القاهرة؟!
■ كان هناك مشروع طموح لتنقية التشريعات حمل اسم «إرادة» بدأ فى عام 2004، ما مصيره؟
- للأسف لم يستمر والفكرة التى نجحت بها دول كالنمور الآسيوية وليتوانيا، وغيرها لم تفلح فى مصر. وتراجع الاهتمام به فى عام 2009 ثم انتهى تماماً بخروج وزير التجارة والصناعة السابق محمد رشيد، الذى كان راعياً لهذا المشروع، من الوزارة فى عام 2011. الحقيقة أن وزارات مصر وهيئاتها مكبلة بعشرات الآلاف من التشريعات التى يرجع بعضها للعصر العثمانى، وأسوأ هذه الوزارات الزراعة ثم التعليم والصحة. تخيل أن وزارة الزراعة يحكمها أكثر من 500 ألف قطعة تشريعية، كثير منها يرجع إلى عصر محمد على باشا واللورد كرومر، مثل قانونى الأطيان الزراعية فى عام 1882، وكل ما فعلته الحكومات المتلاحقة هو «ترقيع» هذه القوانين بدلاً من نسفها ثم سن تشريعات جديدة تلائم تغير الزمن. وإذا كثرت التشريعات كثر الفساد، فالموظف يستطيع تعطيل مصلحة المواطن بقانون ويستطيع أيضاً تمريرها بقانون آخر، و«وكله موجود». وسأعطيك مثالاً آخر. كان القانون حتى وقت قريب يسمح بتحديد نسبة رسوم الجمارك على الورق حسب الاستخدام النهائى له. فهناك ورق يدفع عليه 4% وورق يدفع عليه 40%. ما يفتح الباب على مصراعيه للفساد من جانب الموظف. وظل هذا الوضع قائماً حتى أنهاه وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالى بتوحيد التعريفة الجمركية على الورق. وعندما توليت الوزارة فى 2011 فكرت فى ميكنة الجمارك بحيث تتم كل المعاملات إلكترونياً مما يقلل من تدخل الموظف، فجاءنى أحد أصدقائى وقال لى: «لو بتحب أولادك بلاش الموضوع ده، لأنهم هيقتلوهم أو هيغتالوك»، والسبب أن الميكنة كانت ستحرم مافيا الجمارك من أرباحهم غير المشروعة. ولم يسعفنى الوقت فى الوزارة لإنجاز المهمة، وحتى الآن لا توجد ميكنة فى الجمارك للقضاء على الفساد بها.{left_qoute_2}
■ ذكرت أن انطلاقة الاقتصاد المصرى تكمن فى التصنيع وهو أمر يتفق معك فيه كثير من رجال الاقتصاد والدولة فما الذى يمنعنا؟
- فى تنفيذ السياسات الاقتصادية والاجتماعية دائماً ما تكون هناك قوتان؛ قوة مؤيدة، وأخرى مناهضة لتلك السياسات لأنها متضررة منها. ويبدو أن المستفيدين من بقائنا دولة مستوردة لمعظم احتياجاتنا الأساسية نجحوا فى فرض مصالحهم، وهذا ما حدث بالضبط مع طلعت حرب الذى قاد عملية التصنيع فى عشرينات القرن الماضى، لكن تكالبت عليه جماعات المصالح المستفيدة من الاستيراد وعزلته عن شركاته فى منتصف الأربعينات. وهناك أمر آخر مهم هو الرؤية الشاملة للدولة التى تحدد أولوياتنا، وهذه غير موجودة بشكل متسق. ولو نظرت إلى خطة مصر 2030 ستجدها بمثابة أمنيات طيبة، لكن من الضرورى لأن تجيب الحكومة عن سؤال مهم ألا وهو لمن تنحاز، للفقراء ومحدودى الدخل أم للأغنياء؟ ومن أين ستمول تنفيذ برنامجها الإصلاحى؟ إلا أن إجابة هذين السؤالين غائبة للأسف عن برنامج الحكومة. إن أهم ما يميز الرؤى الاقتصادية فى الدول التى نجحت سواء فى إنجلترا أو سنغافورة أو ماليزيا أو البرازيل أو شيلى هو وجود خطة للتنفيذ تتناول بالتفصيل كل هدف وتترجمه إلى مجموعة متناسقة من المشروعات ذات أهداف محددة ولها مصادر تمويل ومدى زمنى محدد وآليات للتقييم والمتابعة محددة، وكان ذلك هو المحرك الأساسى للطفرة التى حدثت فى ماليزيا بداية من عام 1982.
■ هذا يقودنا إلى سؤال مهم.. هل تعتقد أن سياسات الحكومة واضحة ومدروسة؟
- أراها سياسات وجهوداً مخلصة دون أدنى شك، لكنها جهود متفرقة تعالج قضايا فرعية. الحكومة كالمنشغل بإطفاء الحرائق كل يوم دون رؤية مستقبلية واضحة المعالم، علاوةً على أننا نحيا بمعزل عن تجارب العالم فى الإدارة. وليست هناك دولة بها حكومة بهذا الحجم. من غير المعقول أن تكون حكومتنا بـ33 وزارة، والدليل على عدم جدوى هذا التضخم أن الدكتورة سحر نصر قادرة على أن تدير وحدها 3 وزارات و«الأمور ماشية»، ثم إن إدارة الدولة ليست مسئولية الحكومة وحدها، والإدارة الأمريكية، مثلاً، تستعين بالمجالس التخصصية التابعة للبيت الأبيض.
■ لكن هناك مجلساً اقتصادياً استشارياً للرئيس بالفعل.
- نحن بحاجة إلى إنشاء مجلس اقتصادى اجتماعى على غرار المعمول به فى الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وتونس، وهو مفهوم يختلف عن المجلس الاستشارى الحالى، الذى أكن لأعضائه كل تقدير، والمجلس المقترح يكون أكثر شمولية ويضم خيرة الكفاءات المصرية، وله حرية الاستعانة بالخبرات الدولية، وتكون مهمته اقتراح السياسات الاقتصادية والاجتماعية على المدى القصير (سنة) والمتوسط (5 سنوات) والطويل (10 - 20 سنة)، مع تقديم مقترحات بمشروعات محددة تتسق مع تلك الأهداف، ثم إجراء تقييم سنوى لهذه السياسات واستخلاص الدروس المستفادة منها. وهناك أسماء كثيرة قادرة وراغبة فى مساعدة مصر بخبراتها، إذا تواصلت الحكومة بشكل جاد معهم، ممكن مثلاً محمود محيى الدين والدكتور حافظ غانم، على أن تتفهم الدولة ظروفهما ورغبتهما فى الاستمرار فى البنك الدولى، أى أن تطلب منهما مثلاً أن يحصلا على إجازة بدلاً من الاستقالة، ويمكن الاستفادة من الدكتور محمد العريان فى مهام محددة، لكن يجب أن نكون متفهمين أن هذا رجل يتمتع بمكانة عالمية ويحصل على راتب فلكى ولا يمكن أن يقبل وظيفة وإن كانت رئيس حكومة.{long_qoute_3}
■ برأيك ما معايير اختيار المسئولين فى مصر؟
- لا أعلم، لكن نتيجة الاختيارات تبدو غير موفقة، وكل ما أعلمه حينما اختارونى وزيراً للمالية، هو أن البلد كانت فى فوضى و«مولعة» وكانت بحاجة إلى شخص يستطيع إدارة الأزمة. مصر مليئة بالكفاءات، إلا أن أسس اختيار المسئولين غير واضحة وتتم فى دائرة ضيقة للغاية.
■ عودة للتفاصيل.. كيف ترى قرار البنك المركزى تحرير سعر الصرف فى نوفمبر الماضى؟
- قرار موفق وشجاع وإن جاء متأخراً ولم يكن هناك بديل عنه أمام الحكومة.
■ لكنك كنت تعارض قبل ذلك فكرة تخفيض الجنيه؟
- الموقف من أى قرار مرتبط بالتوقيت. مثلاً أثناء تولى منصب وزير المالية، اتفقت مع فاروق العقدة، محافظ البنك المركزى آنذاك، على ذلك، كان تركيزنا على احتواء الاضطرابات الكثيرة الناتجة عن ثورة يناير وفضلنا التواصل مع الدول الخليجية الست لدعم مصر عن طريق خطة مماثلة لخطة مارشال لإعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، تقوم من خلالها دول مجلس التعاون الخليجى بتقديم 20 مليار دولار استثمارات موزعة على 5 سنوات، لكن لا أخفيك سراً، من العرب من يتمنى لمصر ألا تقف على قدميها، ولسان حالهم: «مصر دى فرعون، أول ما هتضرب هتضربنى». ووزير المالية الأسبق، أحمد جلال، وهو اقتصادى كفء، ذهب إلى أبعد من ذلك برفض التوقيع مع صندوق النقد لأن المساعدات العربية كانت بديلاً أفضل. الوضع تغير الآن بسبب غياب الدعم العربى، وبنهاية 2016 كنا بحاجة إلى اللجوء إلى صندوق النقد الدولى وتحرير سعر الصرف لإنقاذ الاقتصاد، ولو كنت مسئولاً لاتخذت هذا القرار «التعويم» قبل نوفمبر 2016.
■ لكن البعض يقول إن الحكومة لم تتحوط حينما اتخذت هذه الإصلاحات الأخيرة لحماية محدودى الدخل والطبقة المتوسطة من آثارها.. هل تتفق مع هذا الرأى؟
- صحيح، بل إنها ضاعفت الأثر السلبى لقرار التحرير على محدودى الدخل باتخاذ أكثر من قرار لخفض الدعم بشكل لا يراعى التدرج فى الإصلاح لأن «خبطتين فى الراس توجع»، والنتيجة أن الفقير زاد فقراً نتيجة زيادة الأسعار، وتعانى الآن الطبقة المتوسطة أكثر من أى وقت مضى.
■ هل سبق لك أن قدمت المشورة لنظام مبارك فيما يتعلق بالنمو الاحتوائى وتحسين الأجور؟
- قدمت النصح والمشورة فى 2010 مرتين وكان فحوى ما قلت أن كل ما حدث طيب على المستوى الكلى، ولكن ثمار النمو لا تتساقط تلقائياً ولا بد من سياسات للتوزيع أهمها الأجور والتشغيل، واقترحت فيهما إصلاح نظام الأجور والقضاء على فوضاه، فالأجر الأساسى لا يعنى شيئاً، إذ يمثل فقط 27% من مجموع ما يتقاضاه الموظف، والباقى علاوات متعددة وحوافز متغيرة، وهذا مخالف لنظم الأجور فى العالم كله حيث يكون لكل وظيفة سعر، أى أجر واحد، واقتراحى كان يقضى بوضع سياسة للأجور على مدى 5 سنوات، وترتفع هذه الأجور كل عام بنفس مستوى التضخم، مع إثابة المتميزين فقط من موظفى الدولة.
■ تقول إنك متفائل لكن كثيراً مما تقوله لا يدعو للتفاؤل.
- بالعكس كنت وما زلت أقول إن لدى الاقتصاد المصرى من الموارد التى تمكنه من الانطلاق وبقوة شريطة وجود خطة وثقافة لهذا الانطلاق، وأنا لا أعرف دولة أخرى فى المنطقة بها بحران ونهر (الأبيض والأحمر والنيل) وبها بحيرات «نقوم بردمها كل يوم الصبح بكفاءة عالية». لدينا مقومات لا نعرف قيمتها، وفرص هائلة وغير محدودة، وعقول بشرية غير مستغلة. وأقول بمنتهى الأمانة إن 30 يونيو 2013 كانت نقطة تحول فى تاريخ مصر والمنطقة بأسرها، لأن هذا البلد وهذه المنطقة كانت فى طريقها إلى مسار يفضى إلى تخلفها وتمزقها لعشرات السنوات تحت حكم الإخوان، واطلعت على تقارير «المطابخ» التى تخص المستشارين والسياسيين الذين يكتبون لمراكز بحثية دولية فى هذا الشأن، ولو كانت هيلارى كلينتون فازت فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية مؤخراً لكانت مصر و«السيسى» أول الأهداف المراد تحطيمها.