«المقطم»: شكاوى من «قوائم الانتظار ونقص الأدوية والكشف الظاهرى»

كتب: سارة صلاح

«المقطم»: شكاوى من «قوائم الانتظار ونقص الأدوية والكشف الظاهرى»

«المقطم»: شكاوى من «قوائم الانتظار ونقص الأدوية والكشف الظاهرى»

فوق سرير حديدى متهالك داخل الغرفة (410)، ألقى ظهره بحثاً عن راحة تمناها قبل ثلاثة أشهر من الآن، ظل خلالها محمد أحمد -فى العقد السادس من عمره- يتردد على عيادات مستشفى المقطم للتأمين الصحى بمنطقة السيدة زينب، أملاً فى الحصول على علاج يخلصه من آلامه.

بحسب تشخيص الأطباء، يعانى «محمد» من صديد على الكلى، استسلم على أثره جسده النحيل للمرض ونوبات متكررة من المغص الكلوى التى داهمته بشدة فى أيامه الأخيرة، قبل احتجازه بقسم الكلى فى الدور الرابع بالمستشفى.

خاض «محمد» رحلة مع الأدوية قبل أن تتطور حالته، وفقاً لزوجته، التى طلبت من «الوطن» عدم نشر اسمها، فقد كانت المسكنات هى الوسيلة الوحيدة التى اختارها الأطباء على اختلافهم بالمستشفى لعلاجه من الألم، قالت: «كان عامل عملية تفتيت حصوات فى الكلى من 26 سنة، وبيتابع فى التأمين الصحى، ومن 3 شهور تعب وبدأ يحس بمغص شديد ولما جينا المستشفى الدكاترة اللى كشفوا عليه اكتفوا بالكشف الظاهرى، وصرف المسكنات كعلاج له، وللأسف ماكانتش بتجيب نتيجة خالص».

{long_qoute_1}

ثلاثة أشهر كانت كفيلة بإعاقة «محمد» عن الحركة كما كان من قبل، ليستعين بالمرافقين له فى كل تنقلاته.

تصمت زوجته قليلاً وتنظر إلى زوجها الذى تفصله عن الحالات المجاورة له بالغرفة ستارة بيضاء مُلوثة، لم تحجب تأوهات المرضى، ثم تعود لتحكى بعين ملأتها الدموع: «حالته ساءت يوم بعد يوم، وتقريباً كنا بنيجى التأمين كل أسبوع مرة نعرضه على الدكتور ونطلب منه إنه يحجزه فى المستشفى، بس كان بيكتفى بالعلاج اللى بيكتبه ويقول لنا إنه هيبقى كويس، وفضل كده شهرين لحد ما فقد القدرة على المشى وبقينا نجيبه العيادة على كرسى، ومن أسبوعين الدكتور طلب منه إشاعة وبعدها حوله للمستشفى وفى الاستقبال عملوا له فحص شامل واتأكدوا إن حالته تستحق تتحجز، ومن امبارح الدكاترة بتتابع معانا وقالوا لى لو فضل كده هنضطر نشيل الكلية».

تُلقى الزوجة باللوم على الأطباء الذين اكتفوا بوصف المسكنات لرفيق دربها، وإهمال حالته إلى هذا الحد.

لم يكن محمد أحمد، وحده ضحية الإهمال والانتظار لفترة طويلة من أجل إجراء الجراحات داخل المستشفى، فتحكى أمانى محمد (32 عاماً) عن والدها الذى ظل على قائمة الانتظار 4 أشهر كاملة، من أجل إجراء عملية قسطرة، فى أعقاب إصابته بجلطة فى القلب.

جلست «أمانى» أمام حجرة الرعاية المركزة فى الطابق الثانى، برفقة شقيقتها تنتظر خروج الطبيب المعالج، ليطمئنهم على صحة والدها: «بابا تعب فجأة وتم نقله إلى مستشفى التأمين الصحى بحلوان، واكتشفنا أنه أصيب بجلطة، وهناك حولونا إلى مستشفى المقطم عشان يعمل قسطرة، لكننا فوجئنا إن مفيش مكان، وإن دورنا لسه بعد 4 شهور، وماكانش قدامنا أى حل غير إننا ننتظر لأن العملية هتبقى مكلفة أوى لو عملناها فى مستشفى خاص».

تعيب «أمانى» على المستشفى طول الانتظار الذى ضاعف من آلام أبيها، على الرغم من أن مبنى المستشفى بدا نظيفاً مقارنة بغيره من مستشفيات الحكومة التى اضطرت إلى الذهاب إليها فى أوقات ماضية.

أصبح الانتظار سمة أساسية داخل المستشفى، إذ يضطر عشرات الزائرين إلى البقاء أمامها، سيدات ورجال، للاطمئنان على ذويهم فى الداخل، فيما بدا بعضهم غاضباً من طول الانتظار، وتعقد الإجراءات التى فرضتها إدارة المستشفى.

بوجه شاحب، جلست «أم عزة»، 62 عاماً، بين المنتظرين أمام باب المستشفى، تحكى مأساة زوجها المريض: «بقالنا 6 شهور مستنيين دورنا عشان جوزى يعمل عملية قسطرة، وكل فترة نتصل برقم المستشفى ماحدش يرد، ونضطر نيجى نسألهم فيردوا علينا بإنه لسه معاده ماجاش، وكنا بنروح التأمين مرتين فى اليوم لأنه عنده انسداد فى الشريان، وماكانش بيعرف يتنفس، ولما نطلب منهم يحجزوه حتى يومين يقولوا لينا مش هينفع، وإن فى فيروس فى المستشفى وممكن يتعدِى».

{long_qoute_2}

خلال الستة أشهر، أجرى زوجها كل التحاليل والأشعة التى طلبها الأطباء: «جهزنا كل التحاليل والأشعة اللى طلبوها منا، والمفروض إنه دخل يعمل العملية النهارده».

لم تنته السيدة العجوز من حديثها، حتى فوجئت بخروج زوجها وابنته من بوابة الاستقبال والطوارئ، لتخبرها الابنة، بأن العملية تم تأجيلها بسبب نقص بعض الإجراءات، لتصيح «أم عزة» بعد أن فاض بها الكيل: «حرام عليهم ماكانش الدكتور قادر يكتب لنا كل التحاليل المطلوبة ونعملها كلها مرة واحدة بدل العذاب ده».

أمتار قليلة، تفصل مستشفى المقطم عن مبنى عيادات التأمين الصحى التابعة لها، جدرانه من الخارج مُغلفة بالجرانيت، ومدخله الرئيسى معلق عليه لافتة معدنية مكتوب عليها «مرحباً بكم فى عيادات مستشفى المقطم التخصصى»، وأمامه يجلس عشرات المرضى فى انتظار دورهم، بعضهم يبدو عليه الإعياء الشديد، فيما استسلم آخرون لساعات الانتظار أملاً فى الحصول على علاج ينقذهم من آلامهم.

لم يتمالك أحمد حسن، الرجل السبعينى، نفسه من طيلة الانتظار أمام عيادة الباطنة، جلس متأففاً من سوء الخدمة: «مفيش اهتمام بالمريض، ممكن أقف ساعة على شباك التسجيل، وأنتظر أكتر من ساعتين عشان أدخل أكشف، والدكتور يكتفى بتكرار العلاج من غير ما يكشف»، لافتاً إلى أنه أحياناً ما يضطر إلى شراء العلاج على نفقته الخاصة، لعدم توافره فى صيدلية المستشفى، يضيف: «الشهر اللى فات أخدت نص العلاج من الصيدلية والباقى صرفته من بره».

يحدق «حسن» فى لا شىء أمامه ويصمت قليلاً ليستعيد بعض ما تعرض له: «من 3 شهور تعبت وجيت كشفت فى التأمين، والدكتور قال لى لازم تعمل عملية فِتاء، وحوّلنى على مستشفى المقطم، وفوجئت إن غرفة العمليات مقفولة، ولما سألتهم قالوا لى فيها تلوث وممكن نحولك على مستشفى صيدناوى أو مدينة نصر، بس أنا رفضت لأنى هبدأ المعاناة من تانى فعملتها فى مستشفى خاص».

قاربت «أم محمد» على السبعين عاماً، تحكى بصوت مُتعب عن تجربتها: «لما بيكون عندى شوية برد أو تعب بسيط باجى للدكاترة هنا عشان أقدر أصرف علاج بالمجان، فالدكتور يسمع منى أنا عندى إيه ويكتب علاج، وأحياناً يقيس الضغط لو الجهاز شغال»، لافتة إلى أن معاناتها لم تكمن فقط فى الانتظار كثيراً حتى تستطيع صرف العلاج، وإنما فى بعض الإجراءات التى تفرضها إدارة المستشفى: «باضطر أنزل 4 أدوار على رجلى عشان أصور الروشتة، لأن أسانسير واحد اللى شغال وعليه ضغط كبير وماعرفش لازمتها إيه تصوير الروشتة، مع إنهم بياخدوا الأصل».

تتابع بصوت منخفض: «غالباً المادة الفعالة للدواء مش بتكون قوية، ومش بتجيب نتيجة بسرعة، وباضطر أزود الجرعة عشان أرتاح من التعب».

اعتاد إبراهيم محمد، 75 سنة، من سكان مصر القديمة، الانتظار ساعات طويلة تتخطى أحياناً الـ4 ساعات، حتى يأتى دوره فى الكشف، يقول الرجل السبعينى وعلى ملامحه علامات التعب والإرهاق: «من الساعة 8 الصبح وأنا موجود فى العيادة عشان أقدر أسجل قبل ما العدد يكتمل، وطبعاً ده بيكون بعد معاناة بسبب الزحمة والخناقات المستمرة بين الناس، وبانتظر بالأربع ساعات علشان أدخل 5 دقايق عند الدكتور اللى بيكرر العلاج كل شهرين من غير كشف».

بين الحين والآخر، تنشب مشاجرات بين أحد المرضى ومسئولى التمريض، بسبب تأخيرهم فى الدخول، وهو ما يؤكده إبراهيم: «مفيش نظام، الكل بيبقى مستعجل إنه يدخل لأنه منتظر من الصبح، والدفاتر بتتلخبط ساعات، وممكن حد يدخل مكان حد، فطبيعى تحصل خناقات».

لم يكن الدخول إلى الكشف هو سبب وجود مشاجرات بالمكان، إذ تستحوذ صيدلية المستشفى على الجانب الأكبر من الخلافات بسبب نقص الأدوية، وتسارع الكثيرين على الحصول على علاجهم بعد أن طال انتظارهم.


مواضيع متعلقة