د. مصطفى السيد عن العالمة الراحلة منى بكر: فقدنا ملكة «النانوتكنولوجى»

كتب: نادية الدكرورى

د. مصطفى السيد عن العالمة الراحلة منى بكر: فقدنا ملكة «النانوتكنولوجى»

د. مصطفى السيد عن العالمة الراحلة منى بكر: فقدنا ملكة «النانوتكنولوجى»

بملامح مخملية لامرأة صعيدية لا تغيب عن وجهها الابتسامة، تميّزت «منى بكر»، بين طلاب جامعة «جورجيا» الأمريكية حينما التحقت بها أواخر التسعينات لتصبح تلميذة الدكتور مصطفى السيد، أستاذ الكيمياء بالجامعة، طوال أربع سنوات ونصف، أشرف خلالها على رسالتها للدكتوراه فى الكيمياء الفيزيائية. {left_qoute_1}

لم يتردّد الدكتور محمود هاشم، رئيس الجامعة الألمانية، حينما كان أستاذاً بمعهد علوم الليزر بجامعة أسيوط، فى إرسال «بكر» إلى أمريكا فى بعثة من جامعة أسيوط لمدة أربع سنوات ونصف، ذهبت بعدها إلى سويسرا ليُشرف على أبحاثها الدكتور ماجد شرقية، عالم النانوتكنولوجى، لمدة خمس سنوات، عادت بعدها إلى جامعة أسيوط، ثم انتقلت إلى جامعة القاهرة لتلتحق بمركز الليزر، الذى أسهمت من خلال خبراتها فى تأسيس مدرسة علمية هى الأولى، التى تسهم فيها عالمة مصرية تختص بعلم النانوتكنولوجى فى مصر.

«مش قادر أستوعب»، كلمات ردّدها العالم الدكتور مصطفى السيد، أول مصرى يحصل على قلادة العلوم الوطنية الأمريكية لمشواره العلمى فى مجال النانوتكنولوجى، حينما توارد إلى سمعه خبر رحيل الدكتورة منى بكر، مدير مركز النانوتكنولوجى والأستاذ المساعد بالمعهد القومى لعلوم الليزر بجامعة القاهرة، التى غيّبها الموت الأحد الماضى عن عمر يناهز 49 عاماً. «السيد» الذى يفخر الكثير من المصريين بأبحاثه العلمية العالمية فى مجال النانوتكنولوجى، يعلنها صراحة، بصوت يملأه الحزن فى أول تعليق على رحيل تلميذته: «مصر فقدت أحسن شخصية فى مجال أبحاث النانوتكنولوجى، فكانت تلميذتى عندما أتت إلى أمريكا لدراسة علم النانوتكنولوجى، ولاحظت أنها أشطر طالبة بين الطلاب الأمريكان، بل كان يلجأ إليها الطلاب الأمريكان ليسألوها، مما جعلنى أفخر بكونها مصرية». «خسارة كبيرة لمصر»، ردّدها «السيد» مرات كثيرة فى تصريحاته الهاتفية من أمريكا لـ«الوطن»، واصفاً الراحلة بـ«ملكة النانوتكنولوجى فى مصر والشرق الأوسط»، و«شعلة النشاط»، «كأنها خُلقت للأبحاث العلمية»، واستطرد «السيد» بقوله: «أبحاثها فى مجال النانوتكنولوجى لم تتأثر بها مصر فقط، بل العالم العربى أجمع، وكانت أبحاثها مشهوداً لها عالمياً، وعقب تلقى تعليمها لمدة أربع سنوات فى أمريكا عادت إلى مصر مسرعة، لتُدشن أول شركة لتطبيق علم النانوتكنولوجى، (نانوتك)، مع أحد رجال الأعمال المصريين، الذى أسهم فى توفير معامل متخصّصة وإمكانيات استطاعت من خلالها تحويل الأبحاث العلمية إلى منتجات صناعية مصرية». {left_qoute_2}

رفضت «بكر» -كما ذكر «السيد»- عروضاً أوروبية لاستكمال أبحاثها عن النانوتكنولوجى بعيداً عن مصر، وآثرت استمرار أبحاثها فى بلدها، وإفادة المجتمع بها، خصوصاً فى حال توفير إمكانيات لأبحاثها من الشركة التى أسهمت فى تأسيسها، بجانب التمويل الذى وفرته جامعة القاهرة، واستطاعت أن تفيد الكثير من الطلاب داخل الجامعة وتؤسس مدرسة علمية لهم فى مجال النانوتكنولوجى.

«منذ شهرين»، كان اللقاء الأخير الذى جمع «السيد» بالراحلة «بكر»، التى تحتل رقم 20 ضمن قائمة العلماء المرجعيين فى مجال النانوتكنولوجى، وفقاً للمؤشر الدولى لنسب الاستشهاد بأبحاثها عالمياً، فى أحد اجتماعات مركز بحوث الليزر فى جامعة القاهرة، الذى ألقى فيه «السيد» و«بكر» محاضرة عن أحدث الأبحاث العلمية فى هذا المجال، وكان دائماً يشغلها أن تضفر تكنولوجيا النانو فى الصناعة المصرية. «عمرها ما استريحت، كانت دايماً شاغلة بالها بالأبحاث العلمية»، كلمات اختتم بها «السيد» تعليقه لـ«الوطن» على رحيل من وصفها بـ«ملكة النانوتكنولوجى بالشرق الأوسط»، راجياً أن تتذكر مصر، والعالم العربى، مجهودات «بكر»، فى مجال النانوتكنولوجى بحروف من نور.

«40 طالباً للماجستير والدكتوراه»، كانت خلية النحل التى تغذيها «ملكة النانوتكنولوجى» الراحلة، بمعهد علوم الليزر بجامعة القاهرة، وكانت تزرع بداخلهم مبدأً رئيسياً يتمثل فى ربط تطبيقات العلم بمجال النانوتكنولوجى بالمجال الصناعى، مما جعلها تستطيع الحصول على موافقة أحد رجال الأعمال المصريين على إنشاء أول شركة مصرية لتطبيقات النانوتكنولوجى، وهو الأمر الذى يصعب تنفيذه لدى الكثير من الباحثين المصريين، فى ظل تراجع اهتمام الصناعة المصرية بالبحث العلمى. «استحداث عقار جديد يساعد على زيادة نسبة الهيموجلوبين فى الدم من 7 إلى 16»، إحدى براءات الاختراع للعالمة «بكر»، من بين أربع براءات اختراع مسجّلة دولياً، وتهدف البراءة إلى علاج أكثر من 70% من سكان مصر المصابين بالأنيميا، خصوصاً الأطفال والسيدات. «عمرها ما قالت لحد لأ»، كانت الكلمات الأولى التى حاولت من خلالها الدكتورة علا سيد، أستاذ الكيمياء بجامعة أكتوبر للعلوم والآداب، تذكر شريط أحداث جمعتها مع العالمة الراحلة طوال السنوات العشر الماضية، فعجزت الكلمات التى اختنقت بالدموع فى التعبير عن مدى استفادتها على المستوى الشخصى أو العلمى من مرافقة «بكر». واكتفت بقولها: «لولا الدكتورة منى ماكنتش أبداً دلوقتى أقدر أدرب مئات الطلاب فى دورات تدريبية متخصصة عن النانوتكنولوجى، ده معناه أن مجهودها امتد لأجيال جاية».

وكانت العالمة الراحلة هى الباحث الرئيسى فى دراسة عن استخدام جسيمات النانو فضة فى الصناعة لتعقيم المنتجات من الفيروسات والبكتيريا، وفى سبيل تحويل البحث إلى منتج، تعاونت «بكر» مع مركز التميّز العلمى التابع للهيئة القومية للإنتاج الحربى لإنتاج جسيمات الفضة على مستوى صناعى، وتغذية الشركات المختلفة بالمكون الجديد، وتوفير الأموال التى تنفقها الصناعة المصرية لاستيراد هذه المواد.

انشغلت «بكر» خلال بقائها بالمستشفى، حسب «علا»، بمتابعة أعمال المعهد ومشروعاته، وكانت تصطحب معها جهاز الحاسب الشخصى المحمول، وتعمل وهى على فراش المرض، وتتلقى الاتصالات من جميع الباحثين للرد عليها، ومتابعة سير العمل بالمشروعات، حتى آخر نفس، أبرزها مشروع إنتاج السليلوز من قش الأرز، مما يسهم فى النهضة الصناعية للبلاد.

فوجئ تلامذة الراحلة «بكر»، التى نُشر لها أكثر من 56 مقالة علمية فى مجلات دولية، بمرضها المفاجئ الذى جاء عقب عودتها من حضور مؤتمر علمى بالصين أواخر العام الماضى، لتبدأ بالشكوى من ساقيها، وعندما طلب منها كثيرون العرض على الطبيب رفضت، حتى فوجئت بساقها متورّمة بلونها الأزرق، وذهبت إلى مستشفى الفؤاد، ثم مستشفى قصر العينى، فى محاولة لتشخيص المرض دون جدوى، حتى جاء التشخيص بإصابتها بمرض مناعى نادر فى الأوعية الدموية اقتصى أن تأخذ جرعات من دواء «الكورتيزون»، المضاد للالتهابات الحادة، الذى تسبّب فى آثار جانبية سلبية على الجهاز المناعى، الذى ضعف بشدة خلال الأيام الأخيرة وتسبّب لها فى حالة نفسية «سيئة»، حسب وصف «علا»، التى اكتفت بمهاتفتها بدلاً من زيارتها بالمستشفى حتى لا تراها بهذه الحالة النفسية السيئة. «5 ساعات داخل غرفة العناية المركزة»، هى الساعات الأخيرة التى صارعت فيها بجَلَد العالمة الحاصلة على جائزة الدولة التشجيعية فى العلوم التكنولوجية المتقدمة عام 2009، كما ذكر الدكتور صلاح طاهر، أستاذ النانوتكنولوجى بالجامعة البريطانية، الذى رافقها خلال الساعات الأخيرة قبل رحيلها، تضاف إلى عشرين عاماً من الزمالة التى جمعتهما لأول مرة فى جامعة أسيوط عام 1995. روى «طاهر» لـ«الوطن» الزيارات الأخيرة التى كان يتردّد فيها على «بكر» خلال الأيام الماضية، بعد أن شخّص الأطباء مرضها، الذى أصيبت به منذ ثلاثة أشهر بـ«مرض المناعة الذاتية» الذى أصاب أحد أعضاء الجسم المتمثل فى الساق، مما ترتّبت عليه عمليات بتر بالساق، وكانت تحاول إجراء عمليات أخرى، إلا أن تناولها لدواء «الكورتيزون»، لفقدانها للمناعة، وبمجرد إصابتها بالإنفلونزا لم يستطع جسمها مقاومة هذا الفيروس، وصارعته حتى فارقت الحياة.


مواضيع متعلقة