"الوطن" تحاور العالمة الأمريكية مكتشفة النوع الجديد من البشر

كتب: محمد عطايا

"الوطن" تحاور العالمة الأمريكية مكتشفة النوع الجديد من البشر

"الوطن" تحاور العالمة الأمريكية مكتشفة النوع الجديد من البشر

يشهد العالم هذه الأيام طفرة كبيرة في الاكتشافات العلمية، وإثباتات للعديد من النظريات التي ظلّت سنوات طويلة مجرد "تكهّنات"، وأعلن فريق دولي ضم علماء آثار وجيولوجيا، في العاشر من سبتمبر الجاري، عن اكتشاف بقايا عظام لنوع قديم من الجنس البشري، في كهف في جنوب إفريقيا.

يُسمّى هذا النوع "هومو ناليدي"، وهو نوع يختلف عن السلاسل البشرية المعروفة، ويختلف عن سلاسل الإنسان البدائي والحديث، ويعتقد بأن عمره يعود إلى مليوني سنة، وعُثِر على الحفريات في كهف عميق بالقرب من "جوهانسبرج"، في موقع أثري غني جدًا بالاكتشافات الأثرية، ويُعد أحد مواقع التراث العالمي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو).

{long_qoute_1}

صدى كبير أحدثه الاكتشاف الجديد في الصحف العالمية والمحلية، وكانت ليندسي هانتر، عالمة الباليو انثربولوجي الأمريكية، ضمن الفريق الذي اكتشف الحفريات.

حصلت العالمة الأمريكية ليندسي هانتر، على شهادة الماجستير من جامعة "أيوا" الأمريكية، وهي إحدى الجامعات الامريكية العامة، التي تحتل مرتبة الصدارة هناك، وفي العام 2004 حصلت على الدكتوراه في مجال "الباليو انثربولوجي" (تخصص تشريحات أنواع مختلفة من حفريات البشر)، وعملت تحت رعاية "ناشونال جيوجرافيك" في مشروع "ريزينج ستار" وكانت مهمتها هي محاولة البحث عمّا إذا كانت هناك حفريات لأنواع مختلفة من البشر، تقول: "تركت المشروع في العام 2011، ولم يكن الأمر سهلًا بعد تركي المشروع، فالعمل الحر في هذا المجال النادر صعب، ولذلك أُصبت بالإحباط ولكني عادوت المحاولة مرة أخرى وتعاونت مع (ناشونال جيوجرافيك) حتى تم الاكتشاف الأكبر في التاريخ".

وأجرت "الوطن" حوارًا مع العالمة ليندسي هانتر، وجاء نصه: 

* هل كانت لكِ اكتشافات مُشابهة لهذا الاكتشاف سابقًا؟

- لا.. ليست لي أي اكتشافات سابقة في هذا المجال، ولا اعتقد أن أيًا من زملائي قاموا بهذا الأمر، فهذا المجال صعب ونادر، ولم تكن هناك فرصة للاكتشاف الكبير.

* إذا كان الأمر بهذه الصعوبة، فما هي خبراتك السابقة في هذا المجال؟

- مثلما ذكرت هذا المجال نادر وصعب، وبالتالي كانت خلفيتي العملية عن اكتشافاتي لحفريات الإنسان البدائي، وكانت الاكتشافات في مناطق مختلفة حول العالم في: أوروبا، وإسرائيل (الأراضي المحتلة)، ونيويورك، وواشنطن، وأخيرًا في جنوب إفريقيا.

*متى بدأتِ في عملية اكتشاف حفريات لنوع جديد من البشر؟

- بدأت مع فريق الاكتشاف بعملية "ريزينج ستار" (كهف اكتُشِف في جنوب إفريقيا) في العام 2013، وقال العلماء عن الكهف إنه "مهد الحياة"، ضم عدد من الحفريات، لكن لم تكن من بينها النوع الجديد وهو "هومو ناليدي"، وكلمة "ناليدي" تعني "نجم" أو "فجر"، وبالتالي اشتركت قبل شهرين فقط من الاكتشاف الأول للكهف ولبعض الحفريات البشرية، ثم استكملنا المشروع، واكتشفنا 15 حفرية لأنواع منقرضة ومختلفة من البشر.

{long_qoute_2}

* بماذا تتميّز الحفريات المُكتشفة مؤخرًا؟

- الاختلاف الواضح في التركيبة البشرية، خصوصًا في مناطق الرأس والهيكل العظمي. يجعلنا نقول إنّ هذا النوع يختلف بشكل كبير عن البشر، وأي نوع بشري حديث، ودعني أصرح بأنّ هذا النوع يشترك في بعض الخصائص مع أنواع كثيرة من البشر البدائيين، وبالتالي هو ينتمي للبشر ولكن نوع مختلف.

* ما هي الاختلافات الموجودة في الحفريات عن البشر الحاليين؟

- لهذا النوع الجديد العديد من الخصائص المختلفة مع البشر الحاليين، فهو يمتلك مخ أصغر، إضافة إلى حجم الأسنان المختلفة، وجسده أكبر من جسد الإنسان العادي، ولديه أقدام طويلة، فضلًا عن أسنانه وأطراف أصابعه الصغيرة، اللذين يعدان بمثابة أداة ممتازة للحصول على الطعام، وأكتافه عريضة عن النوع الموجود حاليًا، ويديه الصغيرتان تسمح له بالتسلق، ونحتاج إلى المزيد من التشريح للتعرف على المزيد من خصائصه.

* هل كانت مشية هذا النوع مشابهة للإنسان العادي؟

- بشكل مبدأي، يمكننا قول إنّه يشبه الإنسان العادي في المشي، ولكن يختلف معه لسببين، الأول؛ أن أصابع أقدامه مُنحنية للأمام ومختلفة عن البشر، وكانت مُقوّسة بشكل غريب، الثاني؛ أن الإنسان لا يعتمد على قدميه في المشي فحسب، ولكنه يعتمد أيضًا على هيكله العظمي، وبالتالي عندما ألقينا نظرة على هيكله العظمي وجدنا أنه منتصب، ولكنه كان يميل لتسلّق الأشجار.

{long_qoute_3}

* كيف نتأكد من أن هذه الاختلافات ليست مجرد تشوّهات؟

- هذا تفكير جائز وممكن، لكن العدد الذي اكتشفناه في الكهف وصل إلى 1550 حفرية، واستطعنا جمع 15 هيكلًا عظميًا من نوع "هومو ناليدي"، وبشكل غريب ومفاجئ وجدنا الـ15 هيكلًا تتسابه تقريباً في كل هذه الصفات السابقة، ويتشاركونها جميعًا، وهو ما جعلنا نطلق عليها جنس مختلف ونوع جديد.

* هل يمكن التأكد من أن هذا النوع ليسوا مجموعة من المرضى أو المصابون بعاهات لبشر من العصر الحديث؟

- كما ذكرت سابقًا، فالعدد المكتشف كبير، وصل إلى 15 هيكلًا عظميًا مُكتملًا، وبالتالي فإن الأعراض المرضية ستختلف من حفرية لأخرى –إذا كانت حالة مرضية - ولكن الصفات الجسدية تتشابه بشكل كبير لدرجة التطابق.

* هل هذا النوع الجديد متوافق مع "النسب البشري"؟

- بعد اكتشافنا وفهمنا عن وجود أنواع مختلفة من البشر، مثل "هومو سيديبا" (نوع من الإنسان البدائي)، وأنواع أخرى يمكنني القول إن "هومو ناليدي" متوافق مع هذا النسب البشري، وبالتالي هو ينتمي للنسب البشري، وبالنسبة لتحديد عمر هذا النوع من البشر، فهذا أمر صعب قليلاً، ولكن نتوقع أن عمره يعود إلى مليوني سنة.

* وما هي أعمار الحفريات الموجودة هناك؟

- تمكّنا من تحديد الأعمار، واختلافها من أسنان الحفريات الموجودة، واستطعنا التأكد من أن هناك 8 أطفال، و5 بالغين، ومراهقين.

{left_qoute_1}

* ما الذي يثبته هذا الاكتشاف؟

- يثبت هذا العديد من الأشياء، فإذا كان يعود لعصور قديمة أي قبل مليوني سنة، فهذا يمثل العصور الأولية للبشر، وهو نوع عاش وحيدًا وبشكل معزول، وإذا كان يعود لعصور حديثة أي قبل مليون عام فقط، فإن هذا يعني أن كل الأنواع المختلفة من البشر عاشت في وقت واحد في جنوب إفريقيا.

* هل يغير هذا الاكتشاف نظرتنا إلى الطبيعة البشرية؟

- لم نستطع اكتشاف أي شيء يمكننا من إطلاق مسمى حضارة عليه، فهذا الأمر صعب، ولذلك فمن الصعب تحديد كيف يمكن لهذا الاكتشاف تغيير نظرتنا للطبيعة البشرية.

* ماذا يعني لكِ وللبشرية هذا الاكتشاف؟

- هذا الاكتشاف "هائل"، ليس فقط لعلم "الباليو أنثربولوجي"، ولكن لجنوب إفريقيا أيضًا ولكل الناس حول العالم، فهذا يوضح كل ما هو غامض عن التطور البشري، فيمكنني إخبارك بأن هذا الاكتشاف أعطى 1550 دليلًا على التطور، ولي أنا شخصيًا فهذا الاكتشاف هو الأعظم في حياتي، وقابلت زوجي في هذا الاكتشاف.

* هل لاقت تلك الحفريات جميعها الموت في وقت واحد نتيجة لكارثة مثلاً؟

- لا لم يحدث ذلك، والدليل على هذا أن الحفريات يتم اكتشافها في أماكن متفرقة، وبأعمار مختلفة، ولكن لم يتم موتهم في وقت واحد.

* لماذا يوجد العديد من الحفريات داخل غرفة "ديناليدي" بالتحديد، كيف تفسرين ذلك؟

- هذا هو السؤال الأكبر والأصعب حتى الآن، فهناك فجوة داخل الكهف، وجد فيها العديد من الحفريات، ولم نستطع التعرف حتى الآن لماذا توجد جميعها في مكان واحد، ولكن اعتقادنا بأن هذا كان متعمدًا من الإنسان القديم، كأنه يدفن موتاه في هذا المكان.

* من هو الداعم الأساسي لتلك المشاريع والاكتشافات؟

- الدعم الرئيسي كان يتوجه لنا من جمعية "ناشونال جيوجرافيك"، وجامعة "ويتو واترساند"، كما كان يدعمنا أشخاص آخرين يدفعون لهذا الاكتشاف.

* يجتاح العالم أيضًا هذه الأيام اكتشاف جديد، حيث أعلنت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) عن وجود مياه على كوكب المريخ، وربط البعض صلة بين هذا الاكتشاف وبين "هومو ناليدي" النوع الجديد كأنه قادم من المريخ مثلاً، ما تعليقك؟

- الرابط الوحيد بين الاكتشافين، هو الشغف أو المرض العلمي، أي أن الإنسان شغوف بالعلم لدرجة كبيرة جعلته يتمكن من هذه الاكتشافات العظيمة، فكلا الاكتشافان يدفع الإنسانية إلى التقدم والمعرفة، إضافة إلى تحدي النفس للوصول إلى المزيد من التقدم، ولكن لا توجد صلة بين الإنسان "هومو ناليدي" الذي عاش على الأرض، واكتشاف المريخ، ولا أعتقد أنه جاء من المريخ.

* كمجتمع عربي مسلم نرى أن الإنسان الأول هو "آدم"، وأن البشر جميعهم من نسله، فما رأيك في هذا القول؟

- كعالمة مختصة في مجالي، لا يمكنني التحدث بلسان الدين في هذا الاكتشاف، ولكن وعلى الرغم من ذلك، فإن اعتقادي الشخصي واعتقاد العديد من العلماء ورجال الدين أن التطور لا يتنافى مع الإيمان، فلكل طرف حقيقته الخاصة.


مواضيع متعلقة