هل «ترامب» جاد فى محاربة الإرهاب؟

«سنقضى على الإرهاب الإسلامى»، تلك الجملة ترددت على لسان الرئيس الأمريكى «ترامب» خلال حفل تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية. لا خلاف على أن الجملة مزعجة، لكننى أظن الرجل كان يقصد التنظيمات الإسلامية المتطرفة، وليس الإسلام كعقيدة يدين بها ما يقرب من ربع سكان العالم. لذلك لا أجد قيمة فيما يطرحه البعض عن أن هذه العبارة تحمل نظرة عنصرية من جانب «ترامب» إلى كل من يدين بالإسلام. فالأمور لا تؤخذ هكذا. السؤال الذى يستحق الإجابة عنه فى هذا السياق: هل يستوعب «ترامب» مجموعة الأسباب التى تدعم الإرهاب الذى يتستر خلف الإسلام، والإسلام منه براء؟!.

فى تقديرى أن «الإرهاب» نشأ وترعرع فى ظل مظلمة كبرى نالت العالم الإسلامى، عندما قامت دولة الكيان الصهيونى فوق أرض عربية تم انتزاعها من أهلها، ومارست السلطة الإسرائيلية ضدهم أبشع أنواع الإرهاب. التصريحات السابقة لـ«ترامب» فيما يتعلق بالملف الفلسطينى تثير القلق. فقد سبق وتحدث عن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس الشرقية، والاعتراف بها كعاصمة أبدية لإسرائيل، لكن هل يجرؤ «ترامب» على مثل هذه الخطوة؟ المسألة فى ظنى ليست سهلة، فاتخاذ مثل هذا القرار، سيقلب الطاولات فوق رؤوس العديد من الحكومات العربية التى تربطها علاقات رسمية -حتى ولو كانت فاترة- مع إسرائيل، وسوف يضعها فى حرج شديد أمام شعوبها، فلا يوجد عاقل يمكن أن يصمت إزاء خطوة من هذا النوع. وكل من الحكومة الأمريكية والإسرائيلية يعلمان كل العلم أن الحكومات العربية ستجد نفسها مضطرة إلى إعادة النظر فى علاقتها بإسرائيل، بل وبالولايات المتحدة الأمريكية نفسها، فى حالة اتخاذ مثل هذا القرار.

على الرئيس الأمريكى الجديد، وهو يعلن حربه على الإرهاب الالتفات إلى أن الإدارات الأمريكية التى سبقته لعبت دوراً فى دعمه ورعاية التنظيمات والجماعات الراعية له فى المنطقة التى نعيش فيها وخارجها. علينا ألا نقفز على أن الولايات المتحدة الأمريكية هيأت الأرض لظهور العديد من الجماعات الإرهابية الجديدة، بعد غزوها للعراق عام 2003، وتدميرها لهذا القطر العربى، كما يجب عدم القفز على العلاقة المريبة بين الولايات المتحدة الأمريكية وتنظيم داعش، والتى تظهر أماراتها بين الحين والآخر. والتجربة التاريخية للجماعات الإسلامية المسلحة تشهد على أن هذه الظاهرة تم زرعها فى المجتمعات العربية بمساعدة الغرب، ونمت وترعرعت على أيدى حكامه، ويصح الاستشهاد -فى هذا السياق- بتجربة أوباما الذى كان يهاجم هذه التنظيمات الإرهابية فى التصريحات المعلنة، لكنه وإدارته كانا يسكتان عن بيع «بترول داعش» فى الأسواق العالمية!.

أظن أن «ترامب» رجل شعبوى، ويجيد اللعب بأدوات «التاجر الشعبى»، وكل كلامه فى حفل التنصيب، يدلل على ذلك، بدءاً من الحديث عن العاطلين الذين سيجدون العمل، والمواطن الذى سوف يشترى صناعة بلده، وفلوس الأمريكان التى ستذهب إلى الأمريكان، حتى حديثه عن الإرهاب، يصب فى هذا الاتجاه الشعبوى أيضاً. هذا النوع من الخطابات يروق للشعوب، لكن الواقع فى النهاية يفرض نفسه، وأولى الآفات المتعلقة بشعبوية ترامب بدأت فى الظهور أثناء حفل التنصيب، يشهد عليها حالة الانقسام التى بدأت تظهر فى الشارع الأمريكى «ضد ترامب» بالتزامن مع تتويجه!.