شهود عيان: أحداث 18و19 يناير عفوية وكل من شارك فيها عانى من الملاحقات

كتب: عبدالفتاح فرج

شهود عيان: أحداث 18و19 يناير عفوية وكل من شارك فيها عانى من الملاحقات

شهود عيان: أحداث 18و19 يناير عفوية وكل من شارك فيها عانى من الملاحقات

انتفاضة شعبية وعفوية، لم تستغرق سوى ساعات قليلة، لكنها أجبرت الرئيس الأسبق أنور السادات، على التراجع عن قرار رفع الدعم وزيادة الأسعار، ورغم مرور 4 عقود على الانتفاضة، فإن بعض من شاركوا فيها وشهدوها يتذكرونها جيداً ويروون تفاصيلها بكل دقة، لا سيما أن شرارتها الأولى انطلقت من الجامعات الحكومية فى معظم المحافظات.

{long_qoute_1}

بجوار محطة مترو جامعة القاهرة يجلس عربى هندى، 56 سنة، على كرسى بلاستيكى قديم، قرب ناصية أحد شوارع منطقة أبوقتاتة بالجيزة، متابعاً حركة البيع والشراء أمام مخبزه السياحى، لم يبذل الرجل الخمسينى مجهوداً كبيراً فى تذكر أيام انتفاضة الخبز عام 1977، التى أطلق عليها الرئيس أنور السادات «انتفاضة الحرامية»، قال بنبرة واضحة: «كان عندى 17 سنة وقتها، وكنت شغال فران فى مخبز بلدى، لأنى ما أخدتش أى شهادات، كانت الحياة بسيطة جداً، وكل حاجة رخيصة، الناس عملت انتفاضة لأن كيلو اللحمة غلى من 67 قرش إلى جنيه، والرز غلى تعريفة يعنى 5 مليم، ورغيف الخبز غلى من نص قرش وبقى بقرش يعنى 10 مليم، ولما الحكومة سعرته بقرش رسمى، حصل قلق من الناس لكن بعد كده تقبلوا الأمر وارتفع سعر الرغيف 4 قروش فقط على مدار 40 سنة كاملة ليصبح فى النهاية بـ5 قروش، وكانت جودة الخبز رائعة من حيث الوزن والحجم كان وزنه 175 جرام، ولما بقى بقرشين وزنه بقى 165 جرام مش زى دلوقتى وزنه ضعيف جداً ومحدش بيراقب أصحاب الأفران». ويضيف «عربى»: «أصحاب الأفران كانوا بيكسبوا من بيع الدقيق المدعم ودى كانت حاجة معروفة للجميع، لأن صاحب الفرن كان بيدفع أجر للفران أغلى من السعر المحدد من قبَل الحكومة».

رغم الانتفاضة التى خرج فيها قطاع كبير من العمال والطلاب ضد رفع أسعار السلع الأساسية فإن «عربى» يترحم على تلك الأيام قائلاً: «يا ريت الأيام دى ترجع تانى، لأن الخير كان كتير وعمره ما انقطع، كل السلع كانت متوفرة مش زى دلوقتى، مش لاقيين زيت أو سكر وكل السلع ارتفعت الضعف فى 6 شهور، فى عز أزمات مصر بما فيها أيام الحرب ما شفناش غلاء ونقص زى اللى إحنا بنشوفه الأيام دى، إحنا راضيين بالغلاء لكن بنطالب إنه يثبت عند حد معين لكن الأسعار كل يوم بتتغير، شيكارة الدقيق الفاخر 50 كيلو بقت بـ300 جنيه، وعشان كده ببيع الرغيف دلوقتى بـنص جنيه و75 قرش، بعد ما خسرت فى شهرين اتنين 20 ألف جنيه وكنت هاقفل المخبز، وصاحب مطعم الفول والطعمية اللى قصادى كان هيقفل هو كمان بسبب ارتفاع أسعار الفول والزيت، ده غير المحلات اللى قفلت فى المنطقة بسبب الأزمة الاقتصادية».

{long_qoute_2}

يرجع «عربى» ظهره للخلف، ويصمت ثوانى قليلة قبل أن يقول: «فى السبعينات والثمانينات كانت حالة الموظفين بسيطة جداً جداً، وكانوا بياخدوا ملاليم مقارنة بالصنايعية، أكتر ناس كانت بتحقق دخل ساعتها كان الصنايعية، وعشان كده السينما المصرية ناقشت الموضوع بكثرة، يعنى السباك ده كان أكتر واحد بيحقق دخل فى مصر وكان بيصرف على كل زمايله، ولو كانت أجرة الصنايعى فى اليوم 4 جنيه كان بيقدر يشترى كل حاجة وهو مروح ويفيض معاه فلوس كتير جداً، لأن كيلو اللحمة كان بجنيه واحد وفضل على السعر ده لحد ما اتولى حسنى مبارك الحكم».

ويقول المهندس نصر حلقة، 60 سنة، مدير مشروعات بإحدى شركات المقاولات الخاصة: «فى منتصف شهر يناير عام 1977 كنت طالباً فى الفرقة الثالثة بكلية الهندسة جامعة المنصورة، ودون مقدمات أصدر وزير الاقتصاد عبدالمنعم القيسونى عدة قرارات لرفع أسعار السلع الأساسية، ودون مقدمات أيضاً هبّ آلاف المواطنين ضد القرار وفى مقدمتهم طلاب الجامعات وعمال الشركات الحكومية، وفى المنصورة بدأت المظاهرات من داخل الجامعة ودخل الطلاب فى مناوشات مع أمن الجامعة حتى اعتدوا على أحد الطلاب بالخرطوش، ما أدى إلى سقوطه أرضاً وهنا زادت حدة الغضب حتى تراجعت قوات الأمن للوراء وخرجنا من الجامعة نحو بيت المحافظ الذى يبعد عن الجامعة بنحو 4 كيلومترات».

ويتابع «حلقة»: «مرت المظاهرات من شارع السكة الجديد وهو شارع تجارى وطويل جداً ويعتبر شارعاً موازياً لمجرى نهر النيل ولم يقم المتظاهرون بأى أعمال تخريبية ضد المحال التجارية كنا فقط نهتف ضد قرارات زيادة الأسعار، وهذا يفند مزاعم المسئولين وقتها بأن المظاهرات كانت تخريبية، وكانت أعداد المتظاهرين بالآلاف لدرجة أن أول المظاهرة كان يقع بالقرب من مديرية الأمن، وآخر المظاهرة كان يقترب من الجامعة، ورغم قطع أحد القطارات الفاخرة للمظاهرة بعد مروره من على شريط السكة الحديد إلا أنه لم يتعرض لأى أعمال تخريبية ولم يقذف عليه حجر واحد».

وعن نهب بيت محافظ الدقهلية، يقول «حلقة»: «كان بيت المحافظ المحطة الأخيرة للمظاهرة، حيث تسلل بعض المتظاهرين إلى داخل البيت، وسرقوا الأرانب الموجودة فى بيت المحافظ، بعض الشبان استفزوا جداً عندما رأوا الأرانب واللحوم المخزنة فى الثلاجة وهم كانوا يعانون من الفقر وارتفاع الأسعار فقرروا أخذ هذه الأشياء، وكان للأسف مشهداً فوضوياً استغله المسئولون فى مهاجمة الانتفاضة الشعبية».

وعن أوجه الشبه والاختلاف بين الأوضاع الاقتصادية فى فترة الانتفاضة والفترة الحالية يقول «حلقة»: «كان المجتمع فى فترة السبعينات منتجاً وليس مستهلكاً، فمعظم السلع كان يتم إنتاجها فى مصر عكس ما يحدث الآن، تحولنا من منتجين إلى مستهلكين، وكانت القوة الشرائية للجنيه كبيرة جداً، كان والدى مدرساً فى المرحلة الابتدائية وكان يتقاضى 20 جنيها، وكان أغلى إيجار للشقق 9 جنيهات، بينما كان متوسط الإيجار 3 أو 4 جنيهات، وكان يتبرع من مرتبه بـ2 جنيه للمجهود الحربى بشكل اختيارى، وكنا نشترى لتر اللبن الطازج بقرش وكنا نشترى الشيكولاتة بـ5 مليم، وكنا نشترى الكتب بـ2 قرش و5 قروش، وكانت كل السلع مصرية، وبعد تراجع الحكومة عن القرارات الاقتصادية وانتهاء الانتفاضة عاد الهدوء إلى الشوارع مرة أخرى، لكن النظام قام بتكثيف وجود عناصر أمن الدولة داخل الجامعات وقاموا بإلقاء القبض على بعض الطلاب».

من جانبه، يقول الدكتور إيمان يحيى، أستاذ متفرغ بكلية الطب جامعة قناة السويس: «كنت طالباً فى كلية الطب جامعة المنصورة وتم إلقاء القبض علىّ من البيت بعد انتهاء المظاهرات، وظللنا يومين كاملين فى حجز إسمنتى غارق فى المياه أثناء التحقيق معنا، وتم احتجازنا لمدة أسبوعين كاملين ضمن المجموعة الأولى التى أفرج عنها، وكانت مدة الاحتجاز بسجن المنصورة العام عادية، فبحكم أعدادنا الكبيرة أجبرنا إدارة السجن على معاملتنا باحترام، فى البداية وجهت لنا الشرطة تهمة إثارة الشغب وقلب نظام الحكم، لكن تم الإفراج عنى من قبَل المحكمة قبل توجيه قرار الاتهام، بينما تم حبس بعض زملائى لمدة 6 شهور بتهمة الشغب».

ويضيف «يحيى»: «كل من شارك فى انتفاضة الخبز وألقى القبض عليه أو شارك فى الفعاليات السياسية فى فترة السبعينات عانى طوال حياته بسبب ملفه الأمنى وأنا منهم، عانينا من التضييق الأمنى فى مسألة التعيين بالجامعة أو بأى وظائف أخرى رغم أننا شاركنا فى انتفاضة شعبية عفوية شارك فيها كل فئات الشعب المصرى، لدرجة أن السادات نفسه رأى بعينيه مظاهرات أهالى أسوان على الكورنيش عندما كان يقيم فى استراحة بإحدى الجزر بالمدينة الجنوبية».


مواضيع متعلقة