عملية الدهس فى القدس.. الخلط بين المقاومة والإرهاب

جيهان فوزى

جيهان فوزى

كاتب صحفي

بمجرد أن تطايرت أخبار عملية الدهس فى القدس، التى قام بها الشاب المقدسى فادى القنبر من بلدة جبل المكبر، سارع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ونسب منفذ العملية لتنظيم داعش، مشبهاً عملية الدهس بما حدث فى نيس وبرلين، لم ينتظر نتنياهو نتائج التحقيق وأصر على زعمه، رغم نفى الشرطة الإسرائيلية وجود أى خلايا نائمة لتنظيم داعش داخل إسرائيل، أراد نتنياهو بتصريحاته رسم خطوط تشابه بين عمليات الدهس التى حدثت فى أوروبا (فرنسا وألمانيا) وما حدث فى القدس ليؤلب الرأى العام وينحاز لطرفه فى الوقت الذى يحاول فيه ترتيب أوراقه وخططه مع دخول الرئيس دونالد ترامب البيت الأبيض ومزاولة مهام منصبه، وربما ليذكر ترامب بوعده الانتخابى الذى قطعه بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس بمجرد توليه المنصب.

نتنياهو لا يألو جهداً لتشويه الفلسطينيين ووصمهم بالإرهاب، وهذا يخدم مخططاته التوسعية بالاستيطان فى القدس لتهويدها رغم قرار الإدانة الدولى للاستيطان رقم 2334، الذى أقره مجلس الأمن مؤخراً، محاولات نتنياهو لإثبات أن مقاومة الاحتلال هى إرهاب ضد العزل دفعته لإلصاق تهمة الانتماء إلى داعش على منفذ العملية، لكسب التعاطف الدولى والانحياز لمواقفه الداعية لفرض المزيد من العقوبات على الشعب الفلسطينى، رغم أن المعلومات الاستخباراتية أكدت عدم انتمائه لأى تنظيم وأنه أسير سابق، يحاول نتنياهو استعطاف الرأى العام العالمى لمقارنة ما حدث فى إسرائيل بما حدث فى فرنسا وألمانيا كسلسلة لعمليات الدهس المنظمة التى تميز بها تنظيم داعش الإرهابى. الخطورة تكمن فى محاولة تغيير مفهوم المقاومة وجرها إلى خانة الإرهاب، وهناك فرق كبير بين من نفذ عملية دهس من منطلق وطنى رداً على عدوان وقمع الاحتلال، وبين من نفذ الدهس لترويع الآمنين بدافع إرهابى ممنهج، لم تكن المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال يوماً مصنفة تحت بند الإرهاب إلا فى سجلات إسرائيل، بينما المقاومة فى كل العصور ولدت من رحم الاحتلال واغتصاب الأرض والعرض، وهى حق مشروع لكل محتل ضد الاحتلال الغاصب.

لم يهنأ نتنياهو كثيراً بالترويج لانتماء منفذ العملية الفدائية لداعش، فقبل أن يقفز تنظيم داعش على الحادث ويتبنى العملية، أعلنت جماعة فلسطينية مجهولة مسئوليتها عن الهجوم بشاحنة فى القدس، هذه الجماعة التى لقبت نفسها بمجموعة الشهيد «بهاء عليان» دحضت أكاذيب نتنياهو وعرفت نفسها بأنها ثلة من شباب فلسطين الأبطال الذين هبوا لتلبية نداء أقصاهم وأرضهم، وليسوا تابعين لأى جماعات خارج فلسطين، وأن أكاذيب الاحتلال ليست إلا محاولة فاشلة لتشويه مقاومة الشعب الفلسطينى، وحذرت الجماعة فى بيانها الاحتلال من عمليات أخرى ومفاجآت جديدة، وأن هذا الهجوم ليس آخر عملياتها بل ستتبعه مجموعة من العمليات النوعية، «بهاء عليان» الذى نسبت المجموعة نفسها إليه كان قد استشهد عقب تنفيذه عملية طعن وإطلاق نار برفقة الأسير بلال أبوغانم داخل حافلة إسرائيلية فى مستوطنة «أرمون هنتسيف» المقامة على أراضى بلدة جبل المكبر جنوب شرق القدس المحتلة فى منتصف أكتوبر عام 2015، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من المستوطنين، وهذا يعنى أن العملية جاءت ضمن نطاق المقاومة المشروعة ورداً على اعتداءات جيش الاحتلال ضد أهالى القدس.

إن الإصرار على الخلط بين المقاومة والإرهاب هو هدف نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة لإثبات أن مقاومة الفلسطينيين للاحتلال هى مجرد إرهاب ضد الآمنين، لكن هناك فرقاً كبيراً بين المقاومة التى يمارسها الشعب الفلسطينى ضد الاحتلال على امتداد أرضه المحتلة، وهى حق مشروع ومكفول بالقوانين الدولية، والإرهاب الذى يمارسه الاحتلال الإسرائيلى ضد الشعب الفلسطينى والمجازر اليومية التى يرتكبها بحقه، وعندما يدين رئيس الوزراء التركى «على يلدريم» عملية الدهس ويصفها نائبه «محمد شميشيك» بالعملية الإرهابية الحقيرة، رغم العلاقة الوطيدة التى تربط تركيا بحركة حماس، التى باركت العملية بدورها!! فهذا موقف جديد ومستهجن ومحرج لحماس تحديداً، وفى الوقت نفسه يتناغم تماماً مع علاقات الود المتبادل مؤخراً بين تركيا وإسرائيل بعد قطيعة دامت لسنوات، ويخدم أهداف نتنياهو المروج للأكاذيب، لكن من غير المفهوم التجاهل التركى لممارسات الاحتلال العدوانية، فنسيان تركيا فجأة الإرهاب الإسرائيلى وواقعة هجوم جيش الاحتلال على أسطول الحرية «مافى مرمرة» الذى كان فى طريقه لمساندة الفلسطينيين، بسبب الحصار على غزة، ومقتل 9 أتراك أثناء الهجوم، يثير الدهشة والتساؤل معاً! فما هى غاية تركيا من إدانة عملية مقاومة ضد الاحتلال ووصفها بالإرهابية؟ أليست هى تركيا ذاتها التى قطعت علاقتها بإسرائيل على أثر الهجوم الإسرائيلى على سفينة مافى مرمرة وإصرارها على الاعتذار والتعويض لأسر الضحايا حتى تعود العلاقات إلى سابق عهدها وقد كان! فما الذى تغير؟ يبدو أن عملية القدس ستفرز مناخاً دولياً جديداً يفتقد النزاهة والمصداقية فى التفريق بين المقاومة والإرهاب، وبين الضحية والجلاد، وهو الخطر الحقيقى الذى يتهدد مفهوم المقاومة الفلسطينية فى مواجهة الاحتلال الإسرائيلى.