لفت نظرى زميل دراسة فى كلية الإعلام، ومن الصحفيين المتميزين، إلى أن التضامن الشعبى مع القضاة، ورفض إحالتهم إلى المعاش عند الستين، لم يتواكب معه تضامن مماثل حيال المذبحة التى يتعرض لها الصحفيون، الذين أفنوا حياتهم المهنية فى الصحف القومية، وذلك بإحالة المئات منهم إلى التقاعد عند الستين، وفى ظروف معيشية ومالية وصحية مهينة وصعبة.
الإحالة للتقاعد بدت وكأنها المكافأة المستحقة لكبار الصحفيين بعد ثورة 25 يناير المجيدة!! وكأنها، أيضاً، الجزاء المحتوم لأمثالهم من الكفاءات، وممن تسول له نفسه معارضة الرئيس المنتخب وجماعته، وليكن ذلك هو مصيرهم بعد كل ما قاموا به من جهد فى كشف طغيان وفساد والتصدى للتوريث، وصولاً إلى الإنجاز الأهم فى تاريخ مصر الحديث بإزاحة رأس النظام.
جرت العادة، والكلام لزميلى -هو بالمناسبة على مشارف الإقالة - أن تحتفظ الصحف القومية بالصحفيين بعد الستين للاستفادة من خبراتهم، إما بإفراد المساحات لهم فى كتابة كل أنواع المهارات الصحفية المعروفة، من متابعات إخبارية إلى التقارير والتحقيقات والمقالات وغيرها، أو بتدريب الأجيال الجديدة من الصحفيين، علمياً وعملياً وسلوكياً، لذلك اعترض نقيب الصحفيين ضياء رشوان، وأعضاء مجلسه الموقر، على مذبحة الصحفيين وطالبوا بتنفيذ قرار الجمعية العمومية الخاص بالمد الوجوبى للصحفيين حتى سن 65 سنة، خاصة أن المادة 61 من قانون النقابة تفيد بجواز المد سنة بسنة للصحفيين الذين تعدوا سن الستين، مع عدم إسناد وظائف إدارية لهم، بعد موافقة المجلس الأعلى للصحافة.
شخصياً أرفض ازدواجية المعايير، وأعترض على التمديد لبعض الصحفيين فوق الستين، وإحالة البعض الآخر للمعاش، خاصة أن بعضهم من معارضى الحكم الجديد وجماعته. ومن العدل اعتماد قاعدة واحدة تتسم بالمنطق والشفافية وتطبق على كل العاملين فى الدولة، لكن المشكلة كيف نوحد سن المعاش فى ظل غابة من القوانين والأعراف التى تمنح استثناءات هنا وتمنعها هناك، وتميز العسكر عن المدنيين، وتفرق فى إحالة المعاش بين الأساتذة والقضاة والصحفيين، وبين أغلب العاملين فى الدولة؟ لذلك فإن النص مثلاً على تقاعد القضاة عند الستين فى قانون السلطة القضائية، يثير فى هذا التوقيت مخاوف وشكوكاً؛ لأنه يؤدى إلى التخلص من 3500 قاضٍ يفترض أن أغلبهم تربوا وعملوا فى ضوء دولة القانون وقيم الفصل بين السلطات، والتمييز بين الدين والسياسة. وطبعاً عندما يحال هؤلاء للمعاش سيتم تعيين قضاة جدد لسد النقص فى الهيئة القضائية، وفى الغالب ستكون عملية التعيين متحيزة لصالح الإخوان.
حجة الإخوان هى تحقيق المساواة بين العاملين فى الدولة عند سن الإحالة للمعاش، وأنا شخصياً أتمنى تحقيق هذه المساواة، ليس فقط فى سن التقاعد وإنما فى الأجور والمكافآت والرعاية الطبية بين كل موظفى الدولة سواء كانوا عسكريين أو مدنيين، لكن مجلس الشورى غير مؤهل للقيام بهذه المهمة لأنه يفتقر للشرعية، ولم ينتخب لسن القوانين، كما يخضع لهيمنة فصيل واحد دخل فى عداوة غير مبررة مع رجال القضاء والإعلام، لذلك فإن البدء بالقضاة، والتوقيت وأساليب التنفيذ تثير الريبة والشك فى سلامة وحسن النوايا.
توحيد سن المعاش لكل العاملين فى الدولة فكرة سليمة لأن تمديد العمل للموظف العام كان اختراعاً من نظام مبارك استخدم لكسب الولاء وكسر محاولات مقاومة الفساد والإفساد، فالموظف الطامع فى التمديد لبعد الستين يوافق ولا يعترض، بل ربما يشارك فى الإفساد، كذلك فإن الهيئات التى يراد اختراقها وتطويعها كانت الخدمة تمدد لكل أعضائها (القضاة والصحفيون مثلاً)، والحقيقية أن الخوف من الإحالة له أسباب كثيرة تبرره، أهمها فى مصر وجود فارق هائل بين الراتب والمعاش، وبالتالى أصبح المعاش عقاباً ومذلة؛ حيث ينخفض الدخل بينما ترتفع متطلبات الحياة، لذلك أعتقد شخصياً أنه من الضرورى تقليل الفارق بين الدخل والمعاش، ومراجعة المعاشات سنوياً فى ضوء مؤشرات الغلاء والتضخم لأن من واجب الوطن تأمين حياة كريمة لمن أفنوا حياتهم فى خدمته، ولا شك أن زيادة المعاشات وربطها بالأسعار سيجعل علاقة المصريين بسن المعاش طبيعية، بحيث يتعاملون مثل بقية شعوب الأرض مع مرحلة التقاعد كفترة للراحة وممارسة الهوايات والتطوع فى أنشطة المجتمع المدنى لخدمة المجتمع والبيئة.