غلاء الأسعار.. معركة الحكومة الخاسرة
إقبال كثيف من المواطنين على سيارة تحمل «سكر»
خسرت الحكومة كل جولات معركة ضبط الأسعار على مدار نحو عامين، وبادر التجار والمستوردون الذين سعت الحكومة لتحميلهم مسئولية انفلات الأسعار، باتهامها بالفشل فى مبادراتها السابقة لخفض الأسعار، واصفين تلك المبادرات بـ«المسكنات». وأكدوا أن بعض قرارات الحكومة تخدم مصالح عدد من محتكرى السلع، ولا تنتصر للمستهلكين من محدودى الدخل ولا تراعى ظروفهم المعيشية فى ظل الغلاء. وطالبوا الحكومة بزيادة الإنتاج والتنافسية وزيادة المعروض من السلع فى المنافذ المختلفة، مع الإسراع بالإفراج عن البضائع الموجودة فى الموانئ، وضرورة عمل قوائم سوداء للمحتكرين، وتفعيل الدور الرقابى للجهات الرقابية.
وأرجع أحمد الوكيل، رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية، السبب الأساسى لارتفاع أسعار السلع فى السوق المحلية، إلى تراجع الإنتاج وتدنى الخدمات المقدمة، بالإضافة إلى هبوط إيرادات مصر من العملات الأجنبية، علاوة على ارتفاع أسعار السلع والخامات عالمياً، منوهاً بأن مصر تستورد 60% من غذائها، و60% من مستلزمات الإنتاج، مضيفاً: «وكلها عوامل تتحكم فى سعر بيع السلعة فى السوق المحلية».
تجار ومستوردون: الحكومة فشلت فى ضبط الأسواق ودعمت المحتكرين بقراراتها.. ولا تنتصر للمستهلكين أو «محدودى الدخل» من المواطنين
وتابع «الوكيل»: «الحل الأمثل لمواجهة الأسعار يكون بزيادة الإنتاج والتنافسية وزيادة المعروض من السلع فى المنافذ المختلفة، مع الإسراع بالإفراج عن البضائع الموجودة فى الموانئ، لأن تعطيل الإفراج عنها يقلل المتاح فى الأسواق، ويؤدى إلى حدوث ندرة بالمعروض ويتهافت المواطنون وتحدث الأزمات».
واستطرد قائلاً: «رغم الاستقرار السياسى وتحسن الوضع الأمنى الذى يبشر ببدء تعافى الاقتصاد وعودة الاستثمارات، إلا أن هناك أصواتاً عازمة على ترك بصماتها المدمرة التى تؤدى لرفع الأسعار وخفض الصادرات وزيادة البطالة وتحويل مصر لجزيرة منعزلة طاردة للاستثمار غير قادرة على خلق فرص عمل، وللأسف دفع الشعب المصرى بكافة طوائفه ثمن ذلك التخبط، ولسنوات، فبدلاً من أن تقوم الحكومة بدورها فى دعم الصناعة، وتوفير آليات لدعم تلك الصناعات، سواء من خلال مركز تحديث الصناعة، أو عبر برامج التدريب التى تم تجميدها، أو صندوق دعم الصادرات الذى تم خفض موازنته وتأخر سداد التزاماته، تناديها تلك الأصوات بنقل دور دعم الصناعة إلى المستهلك المصرى الذى يعانى أصلاً من ارتفاع تكلفة المعيشة، وانخفاض دخله».
«الوكيل»: الشعب دفع ثمن تخبط القرارات.. وحل «الغلاء» فى زيادة «الإنتاجية» و«التنافسية».. و«النجار»: سياساتها الحمائية هى السبب
وأكد حمدى النجار رئيس الشعبة العامة للمستوردين بالغرف التجارية، أن الحكومة تتحمل جزءاً كبيراً من مسئولية ارتفاع الأسعار، من خلال استجابتها لبعض المنادين بفرض رسوم حمائية على بعض السلع، وأن مثل تلك المطالب سيؤدى لنمو العشوائيات فى التجارة من خلال التهريب، الذى فشلت الحكومة فى القضاء عليه، أو حتى تحجيمه، مضيفاً: «بدلاً من دعم الشركات الملتزمة التى تسدد الجمارك والضرائب والتأمينات للدولة، سنقوم بالقضاء على هذا القطاع المنتظم، ونخلق المناخ المواتى للتجارة العشوائية».
وأضاف «النجار»: «للأسف لم نتعلم من فشل السياسات الحمائية سواء فى مصر أو كافة دول العالم، فهى لا تؤثر على خفض الواردات، وإنما تؤدى لطرد الاستثمارات، وتنمية التهريب والعشوائيات وفى النهاية خفض موارد الدولة السيادية من جمارك وضرائب وتأمينات، إلى جانب طرد الاستثمارات وفرص العمل التى تأتى معها، فالعالم أجمع يتجه نحو سياسات تعتمد على زيادة العرض الكلى، وليس على إدارة الطلب، بالإضافة إلى المطالبة بتثبيت الدولار الجمركى وأسعار الطاقة لتقليل تكلفه السلع». مؤكداً أن الحكومة ماضية فى سياساتها وفق برنامج صندوق النقد الدولى، ولا يمكن لها التراجع، والمستهلك وحده هو الذى يدفع الفاتورة فى ظل تراجع الأجور والمعاشات، على حد قوله.
وحمَّل أسامة سلطان رئيس الغرفة التجارية للشرقية، الحكومة، مسئولية ارتفاع الأسعار كاملةً، لافتاً إلى أن جميع مبادرات الحكومة التى تبنتها خلال الفترة الماضية لتخفيض الأسعار لا تعدو كونها مسكنات ولم توفر حلولاً جذرية للمشكلة، حتى لو كانت على المدى الطويل، مضيفاً: «ما زال هناك 2000 مصنع متوقف، ونعانى من عدم تعظيم التصدير، وعدم التعامل مع الأحداث بروية». مشيراً إلى أن ارتفاع الدولار والتضخم يثبت فشل الحكومة فى السيطرة على «غول الأسعار».
وتابع: «كما أن هناك عوامل أخرى لارتفاع الأسعار محلياً، ومنها مثلاً نفاد الكميات والسلع التى كانت لدينا من السابق والتى كنا نبيعها بسعرها القديم وبالتالى عندما نأتى لشراء سلع ومواد بالسعر الجديد المرتفع فإن البيع للمستهلك بالطبع سيكون بسعر مرتفع، وهناك حقيقة ربما قد تكون غائبة عن البعض وهى أننا كتجار لا نرضى بارتفاع الأسعار لسبب بسيط جداً، وهو أننا نريد أن نكسب».
وأكد على شكرى، نائب رئيس الغرفة التجارية بالقاهرة، هو الآخر، على فشل الحكومة فى السيطرة على الأسعار، منوهاً بأن بعض القرارات الاقتصادية ساهمت فى زيادة الاحتكار لسلع بعينها، ودعمت قلة من رجال الأعمال على حساب المواطن بقرارات تخدم مصالحهم، مؤكداً أن الأسواق تعانى عدم وجود ضوابط، وأن الدولة ممثلة فى وزارة التموين فقدت دورها بتأمين وتوفير السلع للمواطنين من خلال البطاقات التموينية. وتابع: «للأسف الحكومة تملك المجمعات الاستهلاكية المنتشرة فى ربوع الوطن والقطاع العام وغيرها إلا أنها لا تستخدم الاستخدام الأمثل». ولفت يحيى كاسب، رئيس شعبة البقالة فى غرفة الجيزة، إلى أن السلع المحلية لا تكفى لسد حاجات المواطن المصرى، وأنه ينبغى على الدولة أن توفر السلع لخلق منافسة سعرية بين التجار لصالح المستهلك. ودعا «كاسب» إلى ضرورة عمل قوائم سوداء للمحتكرين، وتفعيل الدور الرقابى للجهات الرقابية، خاصة أن بعض الشركات والمنتجين ينتهزون فرصة غياب الأجهزة الرقابية، ووضع هوامش سعرية كبيرة وتعطيش الأسواق.