المغالاة فى التشدد وصلت إلى حد «تحريم التهانى فى الأعياد»

كتب: سعيد حجازى وعبدالوهاب عيسى

المغالاة فى التشدد وصلت إلى حد «تحريم التهانى فى الأعياد»

المغالاة فى التشدد وصلت إلى حد «تحريم التهانى فى الأعياد»

أجمع الفقه الإسلامى على التقليل من شأن غير المسلمين فى المجتمع المسلم، وجاءت الآراء والأحكام محرمة للتودد إلى أهل الذمة، أو تهنئتهم أو بذل أى من وجوه القربى إليهم، فذهب «الحنفية» إلى أن السلام على أهل الذمة مكروه لما فيه من تعظيمهم، لكن لا بأس أن يسلم المُسلم على الذمى إن كانت له عنده حاجة، لأن السلام حينئذ لأجل الحاجة لا لتعظيمه، ويجوز أن يقول «السلام على من اتبع الهدى».

وذهب المالكية إلى أن ابتداء اليهود والنصارى بالسلام مكروه، لأن السلام تحية والكافر ليس من أهلها، ويحرُم عند الشافعية بدء الذمى بالسلام، وله أن يحييه بغير السلام فيقول «هداك الله أو أنعم الله صباحك» إن كانت له عنده حاجة، وإلا فلا يبتدئه بشىء من الإكرام أصلاً، لأن ذلك بسط له وإيناس وإظهار ود، فيما قال الله تعالى «لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَهَ وَرَسُولَهُ».

{long_qoute_1}

وقال الإمام النووى، فى الأذكار «اختلف أصحابنا فى أهل الذمة، فقطع الأكثرون بأنه لا يجوز ابتداؤهم بالسلام، وقال آخرون ليس هو بحرام بل مكروه».

وحول رد السلام على أهل الذمة، فلا بأس به عند الحنفية، وهو جائز عند المالكية، ولا يجب إلا إذا تحقق المسلم من لفظ السلام من الذمى، وهو واجب عند الشافعية والحنابلة. ويقتصر فى الرد بقول «وعليكم»، ومن ذلك ما روى عن «أنس» أنه قال: «قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، (إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا عليكم)».

وترفض المذاهب مشاركة المسلم لغير المسلم عيده أو تهنئته به، ففى المذهب الحنفى يروى ابن نجيم فى كتابه «البحر الرائق شرح كنز الدقائق» أن أبوحفص الكبير قال: «لو أن رجلاً عبَدَ الله تعالى خمسين سنة، ثم جاء يوم النيروز وأهدى إلى بعض المشركين بيضة يريد تعظيم ذلك اليوم فقد كفر وحبط عمله»، وقال فى «الجامع الأصغر»: «رجل اشترى يوم النيروز شيئاً يشتريه الكفرة منه وهو لم يكن يشتريه قبل ذلك إن أراد به تعظيم ذلك اليوم كما تعظمه المشركون كفر، وإن أراد الأكل والشرب والتنعم لا يكفر».

وترى المالكية حرمة ذلك، فنقل صاحب المدخل للعلامة ابن الحاج المالكى، أن يهادوا بعض أهل الكتاب فى مواسمهم ويرسلوا إليهم ما يحتاجونه لمواسمهم فيستعينون بذلك على زيادة كفرهم ويرسل بعضهم الخرفان وبعضهم البطيخ الأخضر وبعضهم البلح وغير ذلك ما يكون فى وقتهم وقد يجمع ذلك أكثرهم، وهذا كله مخالف للشرع.

ومن «مختصر الواضحة» سئل «ابن القاسم» عن الركوب فى السفن التى يركب فيها النصارى لأعيادهم، فكره ذلك مخافة نزول السخط عليهم لكفرهم الذى اجتمعوا له، وكره «ابن القاسم» للمسلم أن يهدى إلى النصرانى فى عيده مكافأة له، فلا يجب تعظيم عيده وإعانته على كفره. ولا يحل للمسلمين أن يبيعوا للنصارى شيئاً من مصلحة عيدهم لا لحماً ولا إداما ولا ثوباً ولا يعارون دابة ولا يعانون على شىء من دينهم، لأن ذلك من التعظيم لشركهم وعونهم على كفرهم وينبغى للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك، وهو قول مالك وغيره.

وفى مذهب الشافعية قال «الدَّمِيرى» فى كتابه «النجم الوهاج فى شرح المنهاج» يُعزر من وافق الكفار فى أعيادهم، ونفس الأمر قاله الخطيب الشربينى فى «مغنى المحتاج إلى معرفة معانى ألفاظ المنهاج».

وقال ابن حجر الهيتمى الشافعى فى الفتاوى الفقهية الكبرى، إنه من أقبح البدع موافقة المسلمين النصارى فى أعيادهم بالتشبه بأكلهم والهدية لهم وقبول هديتهم فيه، وأكثر الناس اعتناء بذلك المصريون، قال ابن الحاج «لا يحل لمسلم أن يبيع نصرانياً شيئاً من مصلحة عيده».

وأكد الحنابلة أنه يكره التعرض لما يوجب المودة لغير المسلمين لقوله تعالى «لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَهَ وَرَسُولَهُ».

وقال الإمام «البهوتى» فى كتابه «كشف القناع عن متن الإقناع»: «يحرُم تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم لأنه تعظيم لهم، ويحرم شهود عيد اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار، ومهاداتهم لعيدهم، لما فى ذلك من تعظيمهم فيشبه بداءتهم بالسلام».

وقال ابن قيم الجوزية: «الرواية اختلفت حول حرمة تهنئة أهل الذمة، فأحمد أباحها مرة ومنعها أخرى والكلام فيها كالكلام فى التعزية والعيادة ولا فرق بينهما، ولكن ليحذر الوقوع فيما يقع فيه الجهال من الألفاظ التى تدل على رضاه بدينه، كما يقول أحدهم متعك الله بدينك، أو قواك فيه، أو يقول له أعزك الله أو أكرمك، إلا أن يقول أكرمك الله بالإسلام وأعزك به ونحو ذلك. فهذا فى التهنئة بالأمور المشتركة، وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق.


مواضيع متعلقة