يُعتبر تطوير التعليم الأساس فى تكوين المواطن القادر على العمل والإنتاج فى جميع مناحى الحياة، والإسهام بفعالية فى التنمية الوطنية الشاملة. ليس هذا فى مصر فقط، لكنه المبدأ والمنطلق للتنمية المعرفية فى كل دول العالم، ومن ثم انطلاق التنمية فى كل المجالات الاقتصادية، السياسية، المجتمعية، التقنية، الثقافية، والعمرانية.
ومع كثرة الحديث الرسمى والمجتمعى عن ضرورة تطوير التعليم، دون أن يتحقّق شىء ملموس على أرض الواقع، أصبح تطوير التعليم مجرد شعار تُزين به الخطابات الرسمية للمسئولين، ومطالبة لا يُستجَاب لها من القوى السياسية إن وجدت، ومن القوى المجتمعية القليلة الفاعلة.
وقد كان تطوير التعليم محوراً أساسياً فى رؤية «السيسى» لمستقبل مصر، التى طرحها أثناء الحملة الانتخابية كمرشح فى الانتخابات الرئاسية فى مايو 2014. وكانت الرؤية تهدف إلى «بناء الشخصية المصرية الجديدة، التى تستطيع أن تنهض بمصر محقّقة الحلم المصرى، وهو ما يستلزم منظومة تعليمية جديدة تواكب نظم التعليم المتقدمة». وقد حدّد المرشح الرئاسى «المشير السيسى» مقومات تحقيق المنظومة التعليمية الجديدة فى تأكيد الاستحقاق الدستورى بتوجيه الحكومة لتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى إلى التعليم، تتصاعد تدريجياً حتى تتفق مع المعدلات العالمية، والربط بين الاحتياجات الفعلية لسوق العمل، ومخرجات العملية التعليمية، وفتح الآفاق لاختلاف المناهج من محافظة إلى أخرى، ليتوافق مع طبيعة ما تتطلبه سوق العمل فى كل محافظة، ثم إحداث طفرة فى المناهج العلمية وطرق تدريسها، وذلك لتحقيق المعرفة التراكمية وتنمية مهارات الفكر التحليلى للمساعدة فى حل المشكلات، وصولاً إلى تطبيق نظام التعليم الرقمى من أجل إعداد الأجيال المقبلة للتفاعل مع أقرانهم بدول العالم المتقدم.
ذلك بعض ما شملته رؤية «السيسى» لتطوير التعليم التى تطرّقت أيضاً إلى النهوض بالتعليم الفنى، وإصلاح منظومة الجامعات، ورعاية المتفوقين والموهوبين، وإعداد خطة متكاملة لتطوير الأبنية التعليمية. وكان الاهتمام واضحاً فى رؤية المرشح الرئاسى السيسى بتحسين أحوال أعضاء هيئة التدريس وإعلاء قيمة الابتكار وربط البحث العلمى بالصناعة، وتأسيس نظام واضح لحرية تداول المعلومات، مع تطبيق نظام التعليم الرقمى.
ولم تتطرق رؤية «السيسى» إلى مشكلة نقص الموارد وتضخّم التحديات التى تواجهها مصر. وكان مما دعا إليه المشير السيسى إنشاء «وقف للتعليم» وتشجيع وحث الاستثمارات لإنشاء مدارس تستأجرها الدولة بمقابل اقتصادى، وذلك جنباً إلى جنب مع توجيه استثمارات الدولة للغرض ذاته.
وعندما تقدّم المهندس شريف إسماعيل ببرنامج حكومته إلى مجلس النواب فى مارس الماضى، اعترف بأن من أهم التحديات التى تواجه الحكومة هو انخفاض جودة الخدمات العامة، وفى مقدمتها التعليم والصحة والحاجة إلى ضخ المزيد من الموارد لرفع مستواها. وكان تبرير رئيس مجلس الوزراء لتلك الحالة السيئة للخدمات العامة، أن الدولة دأبت على تقديم تلك الخدمات بأسعار تقل كثيراً عن تكلفتها الحقيقية، وأن السبب فى انخفاض جودة تلك الخدمات فى الأساس هو الزيادة السكانية!!! فقد عاد رئيس الحكومة إلى ترديد الأسطوانة المشروخة ذاتها، التى تلقى باللائمة فى جميع المشكلات التى يعانى منها المصريون على المصريين أنفسهم، فالمواطنون هم أصل البلاء، والحكومة، جميع الحكومات منذ 1952، بريئة تماماً، رغم فقر الكفاءات التى تقود مسيرة الوطن، وتهافت السياسات التى يثبت خطؤها وفشلها خلال السنوات، ولا تزال محل الاعتبار من كل المسئولين إلى يومنا هذا.
ورغم وضوح رؤية المرشح الرئاسى السيسى بالنسبة إلى قضايا مستقبل مصر، ورغم نجاعة التوجُّهات الاستراتيجية التى تضمّنتها رؤيته لتطوير التعليم، فإنها لم تجد مجالاً للتطبيق من حكومات ووزراء التعليم منذ تولى الرئيس السيسى مهام الرئاسة حتى الآن!!
ويتردّد الآن أن المجلس الاستشارى للتعليم والبحث العلمى بمؤسسة الرئاسة بصدد إطلاق خطة استراتيجية متكاملة لتطوير المنظومة الوطنية للتعليم فى ديسمبر المقبل، وكان قد ورد فى أحد المواقع بتاريخ 26 يوليو 2016، نقلاً عن الدكتور جمال شيحة، رئيس لجنة التعليم بمجلس النواب، أنباء عن دعوة رئاسة الجمهورية إلى عقد مؤتمر موسّع خلال شهر سبتمبر المقبل لتطوير التعليم، مطالباً المتخصصين بضرورة الانتهاء من تجهيز رؤية متكاملة للتطوير، وليس خطة إنشائية.
وعلى عكس ما جاء فى رؤيته عن حتمية تطوير التعليم فى 2014، كانت مداخلة الرئيس عن التعليم أثناء المؤتمر الوطنى الأول للشباب الذى انعقد فى شرم الشيخ أواخر أكتوبر الماضى، فقد تحدّث الرئيس عن تجارب لتطوير التعليم شهدتها دول كانت متخلفة، لكنها أعطت تطوير التعليم أولوية فى مسيرة نهضتها، غير أنه أكد صعوبة تطبيق ذلك فى مصر، فقد أشار الرئيس إلى أن النمو السكانى يعد أحد أهم التحديات التى تحول دون تحقيق فكرة تعليم متميز فى مصر، كما أشار إلى أن من يتحدّث عن التعليم عليه أن يُدرك وجود تحديات أخرى فى مجالات الصحة والإسكان والعشوائيات وغيره، مضيفاً أن الحديث عن تطوير التعليم ينبغى أن يراعى القدرات الاقتصادية لمصر، مطالباً بطرح ما وصفها بحلول قابلة للتنفيذ تراعى الصورة الكاملة.
واعتبر الرئيس أن هناك صعوبات كبيرة تحول دون تطوير التعليم، مشيراً إلى أن قيادة مصر إلى مستوى تعليمى متقدم تعنى أن هناك جيلاً أو جيلين أو ثلاثة قد لا يأخذون حظهم. وفى ختام كلمته أشار الرئيس إلى أن المجلس الاستشارى للتعليم والبحث العلمى مشغول بإعداد خطة تطوير التعليم منذ عام مضى. وأوصى شباب المؤتمر بإعداد مؤتمر جامع لمناقشة الأمر فى ضوء ما أثير فى مؤتمر شرم الشيخ!
والسؤال الذى يطرح نفسه، كما يقولون: هل تغيّرت رؤية الرئيس نحو إمكانية إحداث نقلة نوعية فى التعليم تساعد على تحقيق الحلم المصرى؟ ولماذا أكدت استراتيجية التنمية المستدامة 30-20، التى أُطلقت منذ شهور، ضرورة إعادة هيكلة وصياغة التعليم قبل الجامعى من خلال إنشاء المجلس الوطنى للتعليم، وتفعيل دوره ليتولى مسئولية وضع وتطوير سياسات التعليم فى مصر، فى ضوء الرؤية الوطنية للتعليم والأهداف الاستراتيجية للدولة، على أن تكون هيئة ضمان جودة التعليم والاعتماد وأكاديمية المعلم تابعة له. وكذلك تضمّنت الاستراتيجية إتاحة رياض الأطفال وتمكين الأطفال فى المراحل العمرية 0 - 6 سنوات من مهارات التعليم المبكر، عن طريق رفع نسبة القيد العام فى مرحلة رياض الأطفال 4 - 6 سنة لتصل إلى 80% وتضمين كل الأطفال فى تلك المرحلة العمرية فى مراحل التعليم التمهيدى قبل المدرسى، فى إطار مؤسسى ومناهج معلنة بحلول عام 2030، وإعداد برامج تربوية للفئة العمرية 0 - 3 سنوات بحلول عام 2016. والانتهاء من وضع إطار وطنى للمؤهلات فى مصر بنهاية العام الحالى (2015)!!!
بل كيف سيتحقق هدف استراتيجية 30-20 فى الوصول إلى المركز الـ30 عالمياً فى مجال التنمية البشرية، وهو الأمر الذى قد يراه البعض صعباً للغاية، لكن التخطيط الجيّد حسب واضعى الاستراتيجية هو ما يجمع بين الحلم والواقع فى الوقت نفسه، وهو ما ترتكز عليه استراتيجية التنمية المستدامة التى تبنّتها الحكومة الحالية!!!
وللحديث بقية إن شاء الله!