«الوطن» مع أحد المحفّظين فى «كُتّابين مختلفين»: «التجمع الخامس» ممنوع الضرب.. و«بيعة الرضوان»: ممنوع دخول المتطرفين حتى للصلاة

كتب: سعيد حجازى وعبدالوهاب عيسى

«الوطن» مع أحد المحفّظين فى «كُتّابين مختلفين»: «التجمع الخامس» ممنوع الضرب.. و«بيعة الرضوان»: ممنوع دخول المتطرفين حتى للصلاة

«الوطن» مع أحد المحفّظين فى «كُتّابين مختلفين»: «التجمع الخامس» ممنوع الضرب.. و«بيعة الرضوان»: ممنوع دخول المتطرفين حتى للصلاة

فى كُتّابه الكبير الذى يُمثّل فصلاً بمعهد الغد المشرق الأزهرى الخاص بمدينة التجمع الخامس، جلس الشيخ محمود عبدالحميد أو الشيخ محمود الأزهرى -كما يحب أن يناديه الناس- يُرتّل آيات الذكر الحكيم ويُردّد خلفه التلاميذ، وكل 10 دقائق يقطع ترتيله، ليُمازح الطلاب الذين يضج الفصل بضحكاتهم بين فينة وأخرى.

«لا بد للمزاح والضحك دائماً حتى تُهون على المصرى أى شىء، فهذه عاداتنا»، هكذا يقول «الأزهرى» خريج كلية أصول الدين جامعة الأزهر والجالس فى فصله بلا عصا وببدلة من أغلى الماركات، حيث عاشت «الوطن»، ساعات مع أحد المحفّظين المحترفين للتعرّف على أجواء مراكز التحفيظ فى كُتّابين مختلفين للشيخ بمعهد بالتجمع الخامس، ومسجده بمنطقة عزبة النخل.

{long_qoute_1}

«لكى تكون مُحفّظاً حقيقياً، لا بد أن تكون حفظت وأتقنت القرآن بأحكام القراءة على يد شيخ، وهو ما نُسميه الإجازة العلمية فى حفظ القرآن»، هكذا يؤكد «الأزهرى»، مضيفاً: «بعض الناس يُحفّظون بلا إجازات فى التحفيظ والقراءة، وهؤلاء دخلاء ومنبوذون مهنياً، لأنهم على خطأ كبير، ثم لا بد أيضاً لكى تكون مُحفّظاً من الاستعانة بالله والإخلاص، فهذان أمران، فأنت تنقل عن رب العزة من فوق سبع سماوات، وسيكون الأمر وبالاً عليك إذا أردت به مكسباً أو مغنماً، لذا لا بد من الإخلاص لله، وأيضاً لا بد أن تكون على علم بقواعد وأصول التربية العامة والدينية على وجه الخصوص، فأنت مهمتك تحفيظ القرآن وتعليم الثقافة الإسلامية للطلاب، فأنت تعلمه إلى جوار القرآن، القليلَ من العلوم الشرعية فى الفقه والحديث، ولا بد من أن تكون مُلماً بالعلوم الشرعية».

ومن شرط الكُتّاب -حسب «الشيخ محمود»- وجود المكان اللائق وممول للمشروع مادياً، فالكُتّاب مشروع غير مربح نهائياً، ومن أهم شروط فتح الكتاب هو العلم بطرق التحفيظ، والموهبة فى اختيار الطريقة المناسبة لعقلية الطلاب، حيث يتم تقسيمهم حسب القدرة الذهنية على الحفظ، وهناك طرق عدة للتحفيظ، أشهرها وأهمها طريقة التكرار 3 مرات، ثم مرتين، ثم مرة، ثم التسميع، وأخرى 9 مرات نفصل بين كل 3، وهكذا يختلف الأمر من طفل إلى آخر، ومن المفارقات أن السن لا تكون المشكلة، وإنما القدرة الاستيعابية، فطفل الـ5 سنوات يمكن أن يتفوق على طفل الـ10، لأن الأمر موهبة من عند الله فى الحفظ والقدرة على التلقى، التى يمكن تنميتها من سن صغيرة، وأيضاً لا بد من زرع روح المنافسة بين الطلاب وتشجيعهم بالهدايا وعمل المسابقات المستمرة بينهم، والاهتمام أولاً بأول بعمل اختبارات لهم فى القدر المحفوظ أو المراجعة المستمرة.

ويوضح «الشيخ محمود»، أن التحفيظ تطور بشكل لافت للنظر فى السنوات الأخيرة وأصبحت فيه أبحاث ومراجع تمزج بين التربية وتحفيظ القرآن، ويفاجئنا بأن زمن الضرب من أجل الحفظ قد ولى إلى غير رجعة، ولم يعد من الجائز شرعاً أو سلوكاً اصطحاب المحفّظ عصا داخل الكُتّاب، فقد تم استبدالها أساليب تربوية حديثة بها، أهمها حسن الارتباط بين الطالب والشيخ المعلم أو المحفّظ، فهذا له أثر بالغ فى نفس الطفل لتعليمه القرآن والثقافة الإسلامية الخالية من شوائب أفكار الجماعات المتشدّدة والمنحرفة التى انتشرت فى العقدين الأخيرين.

{long_qoute_2}

وأضاف: «أدى انعدام ربحية مشروع الكُتّاب إلى جعله رهناً لجماعات الإسلام السياسى لنشر أفكارها وغرسها فى نفوس الأطفال واختيار عناصر من بينهم لتجنيدهم لخدمة تلك الأفكار المشوهة والمنحرفة، وهو ما كنا نحاربه قديماً، خصوصاً أيام حكم مبارك، حيث ترك الأزهر ووزارة الأوقاف جميع الكتاتيب نهباً لهذه الجماعات التى استغلتها أسوأ استغلال، حتى يمكنك القول إن أغلب عناصر جماعة مثل الإخوان كانت تستقطبهم من كتاتيب تحفيظ القرآن للأسف الشديد». وانتقلت «الوطن» مع «الشيخ محمود» إلى كُتّابه الثانى والقابع بمسجد «بيعة الرضوان» بمنطقة «عزبة النخل»، للتعرّف منه أكثر على الكُتّاب وعملية التحفيظ، يقول «الأزهرى»: «استيقظت الدولة على كارثة كبرى، وهى سيطرة الجماعات على الكتاتيب فقررت الاهتمام بها، وقامت وزارة الأوقاف فى عهد الدكتور محمد مختار جمعة بعمل مهم فى السيطرة على الأمور وإعادتها إلى نصابها، حيث أصبحت جميع الكتاتيب تحت سيطرة ورقابة مباشرة للأوقاف، وهو ما أزاح عنا نحن المحفظين هماً كبيراً، حيث العراك الدائم مع أبناء الجماعات لعدم بسط سيطرتهم على كتاتيبنا وتوجيه الطلاب لأفكارهم، فقد كنا نشعر أننا على ثغر من الثغور، وفى معارك حقيقية».

وحول تلك المعارك، يقول: «حاولت عناصر الإخوان التسلل عدة مرات إلى كُتّاب مسجدنا (بيعة الرضوان)، لكننا قاومناهم حتى يأسوا، ولم يعد أحد يجرؤ على الاقتراب من المسجد، حتى لو للصلاة، ورغم أن المسجد يتبع الجمعية الشرعية، إلا أننا نحافظ على عقول أبنائنا الطلاب، بعيداً عن أى أفكار، سواء سلفية أو إخوانية، فهم بالمسجد للحفظ والتعرّف على الدين الخالص، وليس للتوجيه السياسى أو المذهبى، فأنا أزهرى خالص ولا أقبل بغير الفكر الأزهرى أو الثقافة الدينية الأزهرية الوسطية بديلاً، وبها نُعلّم الأبناء وفى ضوئها». ويضيف الشيخ محمود: «لا نُحب إثارة أى أفكار خلافية داخل الكتاب، لكن نعلمهم المجمَع عليه من مبادئ وقواعد الإيمان والإسلام والأخلاق، بعيداً عن أى تمذهب».

وفى النهاية، شدّد «الشيخ محمود» لـ«الوطن»، على ضرورة استمرار وزارة الأوقاف فى دورها الرائد فى رعاية الكتاتيب، ومنع أى تحفيظ بالجمعيات إلا تحت إشرافها، والاستمرار فى تقنين أوضاعها، لأن ذلك يوفر على المخلصين للعمل جهداً كبيراً ويفرغهم بشكل كامل للتحفيظ، وليس محاربة جماعات ضخمة وعاتية مثل «الإخوان» إلى جوار التحفيظ، مطالباً بتيسير سُبل التراخيص لفتح الكتاتيب، سواء من الأزهر أو «الأوقاف» وعدم تعقيدها أكثر من ذلك، وإيجاد أى دعم للكتاتيب، التى تُعد واحداً من أهم الرموز فى حياة المسلمين.


مواضيع متعلقة