السعيد: سامي عنان كان الأقرب للتفاهم مع "الإخوان" ويستخدم أسلوب "ولاد البلد"

كتب: الوطن

السعيد: سامي عنان كان الأقرب للتفاهم مع "الإخوان" ويستخدم أسلوب "ولاد البلد"

السعيد: سامي عنان كان الأقرب للتفاهم مع "الإخوان" ويستخدم أسلوب "ولاد البلد"

تواصل "الوطن" نشر مذكرات الدكتور رفعت السعيد، المفكر السياسي الكبير، بعنوان "ما تبقى من ذكريات"، حيث قال فيها: "وكان لقائى الثانى مع الفريق سامى عنان، ويختلف سامى عنان عن غيره من قيادات المجلس العسكرى بأنه يرتدى أحياناً إذا ما أراد ملامح وأساليب أبناء البلد، فكان يتوجه إلىّ مثلاً: أهلاً يا بلديات، أخبار المنصورة إيه شفت بيتنا فى المنصورة جرى له إيه اتهد وبنوا عمارة مكانه ثم، فجأة وكأنه يتذكر أنه فريق يعود عسكرى الملامح وعسكرى التشدد. وثمة صفة أخرى أعتقد أنا شخصياً وقد أكون مخطئاً أنه يختلف حولها مع بقية المجلس العسكرى وهى أنه كان أقرب للتفاهم مع الإخوان وربما كان مكلفاً بذلك".

وعلى أية حال كان الاجتماع مع الفريق يضم تكوينة من بعض أحزاب جبهة الإنقاذ وأحزاب صغيرة قديمة وحديثة ولم يكن به أى إخوانى. ومن البداية شعرت أن هذا اجتماع استطلاعى ليتحسس به المجلس اتجاهات الريح. تلفت حولى ولم أشعر بالارتياح.

والهدف المعلن هو مناقشة موضوع هل الدستور أولاً أم الانتخابات أولاً وكنا فى جبهة الإنقاذ قد اتفقنا على الدستور أولاً حتى يمكن أن نضع الأسس التى ستجرى حولها الانتخابات سواء الرئاسية أو البرلمانية.

وعندما فتح باب النقاش ازداد عدم ارتياحى، فقد فتح رئيس أحد الأحزاب الصغيرة جداً فمه ربما فى محاولة لتملق الفريق.. وقال كلاماً مجاملاً ثم أفلتت منه كلمة «الرئيس المخلوع»، هنا انتفض الفريق وبصوت عالٍ ومتعالٍ: مخلوع إيه يا أستاذ؟ الرئيس تنحى بقرار منه، ولازم تفهم كده كويس.

حاول المسكين أن يتراجع فقال: أقصد.. وصدمه الفريق قبل أن ينطق بماذا يقصد، وقال اسكت، فحاول الرجل أن يتأسف، فجاءه أمر حاسم لما أقول أسكت بقى تسكت، وصمت الرجل مهاناً، لم تعجبنى الجلسة وفكرت فى أن أنسحب لكن استدعانى للبقاء أن طلب ممثل حزب الكرامة الكلمة، وكان الأستاذ أمين إسكندر، ومعلوم للكافة أنه كان ضمن خمسة تفاوض بهم ولهم حمدين صباحى ليترشحوا على قائمة «الإسلام هو الحل» وإذا كان من الصعب تقبل مثل هذه الصفقة التى منحتهم مقاعد ذليلة فى برلمان تسيده الإخوان واتخذهم فيه رهائن ليزعم بهم أن الإخوان يتقبلون الآخر بينما الغريب والمريب هو أن هذا الآخر يتقبل الوجود الذليل فى القيود الإخوانية، أقول إذا كان من الصعب تقبل قبول أمثال كمال أبوعيطة وغيره لهذه الصفقة المذلة فإن الأصعب هو تصور أن يكون المسيحى أمين إسكندر نائباً تحت راية «الإسلام هو الحل»، لكن رجال «حمدين» يستمتعون مثله بجسارة تناسى ما لا يمكن نسيانه فيبدون قادرين رغم كل ما يخجل، قادرين على الحديث بصوت عالٍ.

المهم أن الفريق كان فيما يبدو يعرف المتحدث جيداً فسمح له بالكلمة وإذا به يبدأ وبصوت عالٍ فى خطبة ناصرية تتلاحق فيها المفردات الناصرية والإلحاح الناصرى لإحياء النزعة القومية وتبدت الخطبة وكأنها بلا نهاية وأيضاً بلا معنى أنها بلا علاقة بموضوع الاجتماع، وقرر الفريق إيقاف هذا الحفل الاستعراضى فأنهاه بدهاء استعراضى هو أيضاً وفى لحظة درامية تشبه لحظات أفلام الكوميديا كان الخطيب فى قمة الانسجام وفجأة قال الفريق هادئاً وحاسماً دقيقة واحدة يا ابنى وما إن توقف الخطيب حتى اتجه الفريق نحوى وكنت أنا أكثر منه قرفاً من الخطبة ومن التجاسر بها وسألنى يا دكتور أنا افتكرت موضوع كنت عايز أسألك عنه ونسيت صحيح انت اتعذبت فى السجن؟ ووسط دهشة الجميع جاء السؤال ووسط دهشتهم أجبت: نعم، وسأل: إزاى؟.

وإزاى هذه مليئة بالمواجع الموجعة، وقلت عدة جمل فقط بأمل أن نعود إلى موضوع الاجتماع. لكن الجمل القليلة كانت دشاً بارداً أطفأ جموح الخطيب وعندما عاد إلى الفريق متظاهراً بالأسى أو كان قد شعر بالأسى فعلاً من قليل جداً مما كان فى السجن، وقال بقرف: كمل يا ابنى، لكن الكلمات جميعاً أفلتت من الخطيب واكتفى.

ونعود إلى الاجتماع بأمل أن نناقش لماذا الدستور أولاً، فإذا بنا نفاجأ أو بالدقة نصدم بالدكتور نور فرحات وهو يتطوع باقتراح قلب المائدة فوق رؤوسنا. قال د. نور: هناك فى القواعد الدستورية ما يسمى بالنصوص ما فوق الدستورية وأنا ممكن أوافق على إجراء الانتخابات أولاً بشرط وضع وثيقة فوق دستورية تحدد التوجهات العامة لحماية الديمقراطية وتضع أسس قيام الدولة المدنية.. وتلقف الفريق الماكر الاقتراح وتوجه على الفور للدكتور أسامة الغزالى.. يا دكتور أسامة جهز لنا مشروع هذه الوثيقة وكلمنى بكرة علشان ناخده وندرسه. وبهذا تبدى الاجتماع وقد أجهض نفسه بنفسه فلم يكن من المفترض ولا من المفيد أن أصطدم أنا بالدكتور نور وهو يمثل أحد أضلاع جبهة الإنقاذ الحزب الديمقراطى الاجتماعى، كما أن صمت الآخرين أسكتنى وقلت فى نفسى لنناقش الأمر مجدداً فى جبهة الإنقاذ لكن قطار الانتخابات أولاً كان قد انطلق.

أما د. أسامة فقد حكى لى بعدها أنه حاول عديداً من المرات أن يتصل بالفريق ليبلغه بمشروع الوثيقة ولم يرد عليه لا هو ولا مكتبه.

وبما أن الاجتماع قد أصبح بلا مذاق أردت أن أضع عليه بعضاً من الملح فسألت الفريق إيه أخبار قانون دور العبادة الموحد؟ فأشار إلى المشروع الذى سربت نسخ منه، فقلت وأنا أعرف صاحب المشروع، المستشار طارق البشرى، أن الذى أعد هذا المشروع أعده بدهاء، وسأل الفريق إزاى يعنى؟ فقلت لقد أعده بحيث يرفضه المسلمون ويرفضه المسيحيون فيبقى الحال على ما هو عليه، وابتسم الفريق وكأنه يوافقنى، وأنا أكتب هذه الكلمات مساء يوم 18 يوليو 2016 ولم يزل الحال على ما هو عليه والقانون يتأرجح بتلاعبات ماكرة مرفوضة.

والحال يتفاقم بأحداث هى الأسوأ فى تاريخ المكون الدينى للمجتمع المصرى، والكنيسة تنطق ربما للمرة الأولى برفض قاطع حاسم لما يجرى، وقداسة البابا تواضروس يكتب فى الكرازة المرقسية يعرضون علينا تورتة مليئة بشظايا زجاج فلا يمكن ابتلاعها وأنا نشرت فى ذات اليوم فى جريدة «الوطن» الحلقة الأولى من سلسلة «4 حلقات» عنوانها «دليل الحيارى فى أحوال ملة النصارى» فتحدث دوياً يعبر عن واقع مفزع.

ويبقى أن أشير إلى أن الفريق عنان كان دائماً يكرر: «سيادة المشير عايز يمشى. إحنا عايزين نمشى، الحمل تقيل وكثيرين فى العالم يحذروننا لا دعم ولا مساندة طالما استمر حكم عسكرى وعلشان كده عايزين انتخابات بسرعة».

وذات مرة انتحيت بالفريق وسألته: «كل شوية تقول عايزين نمشى فماذا لو حكموا وزعطوكم؟»، فابتسم قائلاً: «نقطع رقبتهم.. هو لعب عيال؟».


مواضيع متعلقة