أولياء الأمور يعلنون الطوارئ: سبتمبر شهر العكننة

كتب: إنجى الطوخى

أولياء الأمور يعلنون الطوارئ: سبتمبر شهر العكننة

أولياء الأمور يعلنون الطوارئ: سبتمبر شهر العكننة

ما أن بدأ شهر سبتمبر يلوح فى الأفق حتى ارتسمت علامات الكآبة على وجه «نجلاء محمد»، إحدى سكان منطقة المطرية، سبتمبر يذكرها دائماً ببدء العام الدراسى وما يتطلبه من نفقات كبيرة للإيفاء بمتطلبات المدارس، شنط وأحذية وملابس وأدوات مدرسية بخلاف الدروس الخصوصية ومجموعات التقوية والكتب الخارجية وخلافه.. ميزانية كبيرة لا تعرف «نجلاء» من أين تأتى بها وكيف توفرها استعداداً لموسم المدارس الذى سينطلق بعد أيام.

{long_qoute_2}

«نجلاء»، ربة منزل، 43 عاماً، لديها 5 أبناء فى مراحل تعليمية مختلفة، «نسيت معاهم طعم الراحة» على حد قولها، وهو الحال نفسه الذى يشعر به والدهم عاطف فراج، طبيب رمد: «عندى أحمد فى سنة ثالثة كلية تعليم صناعى، وإبراهيم أولى طب، وسارة فى الصف الأول الثانوى، وعبدالرحمن فى الصف الرابع الابتدائى، وحمزة فى الحضانة، حياتى مافيهاش راحة غير يوم واحد فى شهر واحد فى السنة، هو شهر الإجازة لأن بعدها بتبدأ الدروس على طول، خصوصاً أن ابنى أحمد كان فى ثالثة ثانوى، فالنتيجة ظهرت فى شهر يوليو، مفيش أسبوعين وبدأت أفكر فى الدروس الخاصة لأولادى التانيين».

{long_qoute_1}

تعتبر «نجلاء» أن مهمتها الأساسية مع دخول الدراسة هى التنظيم، فهى بمثابة ساعة المنزل وشرطيه ومديره، لأنها المسئولة الأولى عن شراء كافة مستلزمات الدراسة بما فيها الزى والكتب الدراسية، كما أنها تخصص الكثير من الوقت للمذاكرة لأبنائها رفضاً لفكرة الدروس الخصوصية، بالإضافة إلى الاهتمام بشئون المنزل: «5 أبناء فى مراحل تعليمية مختلفة ليس سهلاً، أنا أبدأ بالتنظيم لعملية بدء الدراسة من قبلها بشهر على الأقل كضمان للحفاظ على النظام فى المنزل، وأبدأ بشراء الزى المدرسى لأولادى، بشوف أولاً الزى الخاص بواحد من ولادى الكبار لسه حالته كويسة فبياخده أخوه الأصغر منه، بس الحكاية دى مابقتش تنفع لأن معظم المدارس لها اشتراطات فى الزى المدرسى وإلا الطالب مش بيدخل المدرسة».

رفع أسعار الزى المدرسى و«رداءة» الخامات المستخدمة فى صنعه، بالإضافة إلى الألوان الغريبة، هى ملاحظات «نجلاء» التى لا تستطيع إغفالها، ولكنها تحاول التغلب عليها: «المدرسة اللى فيها ابنى عبدالرحمن مدرسة خاصة فى الأميرية والزى لوحده بـ400 جنيه ده غير أنه غير مناسب للشتاء لأنه خفيف، ولما اشتكينا للمديرة قالت اشتروه وتقلوا هدوم من تحته، فباضطر أشترى التى شيرت عشان عليه بادج المدرسة وبقية الحاجة من بره، لأنى بحس إنى بارمى فلوسى فى الأرض».

حتى الآن لم تشتر «نجلاء» سوى بضعة أشياء صغيرة من المستلزمات الدراسية التى اعتادت أن تشتريها كل عام فى وقت مبكر عن ذلك سواء «الكراسات، الكشاكيل، الأقلام، المساطر، التيكيت أو الجلاد»: «بسأل عن الأسعار وعرفت أنها ارتفعت 3 أضعاف، مش فاهمة إيه الأسباب يعنى الزيادة مش مقنعة، الدولار زاد آه بس التجار استغلوا الأمر ودبحوا الناس بالأسعار اللى نازلة، يكفى إن فى كتير من الأدوات مش موجودة واللى متاح ردىء، بنتى سارة راحت تشترى علبة ألوان متعودة كل سنة تشتريها لاقيناها بـ25 جنيه!، وطبعاً الحاجات دى بتاخد ما لا يقل عن 500 جنيه مصاريف».

الكتب المدرسية هى التالية فى قائمة «نجلاء» التى تلجأ فيها إلى إحدى الحيل التى تعتمدها معظم البيوت المصرية وهى الاعتماد على الكتب الخارجية «المستعملة استعمال نضيف»، من أجل توفير التكاليف الباهظة لأسعار الكتب الجديدة: «أنا عندى 4 أولاد فى مدارس خاصة وكمية الكتب اللى باشتريها خصوصاً الأجنبى غير طبيعية وغالية، فباضطر أوفر ولو حاجة بسيطة من خلال الكتب المستعملة، خصوصاً أن الهدف منها تدريب الطالب مش أكثر».

رغم محاولات «نجلاء» المستميتة للتوفير فى نفقات الدراسة، إلا أن ابنتها الوسطى «سارة» لها وضع خاص، فبحكم أنها البنت الوحيدة، فكل حاجياتها يجب أن تكون جديدة: «رغم أنى لا أفرق بين الذكور والإناث، إلا إن سارة التى ستدخل أولى ثانوى لا تلتزم بتلك القواعد، كل ما تحصل عليه يجب أن يكون جديداً، بداية من الزى المدرسى الذى يتخطى الـ250 جنيهاً، بالإضافة إلى عدم تناول أطعمة المنزل، فلها مصروف خاص بها، والأدوات الدراسية التى يجب أن يكون لها شكل جمالى معين وبخامات معينة، ده غير أنها الوحيدة اللى كانت بتاخد دروس فى كل المواد تقريباً».

حال «نجلاء» لا يختلف كثيراً عن حال «رشا إبراهيم» 37 عاماً، محامية، لديها ثلاثة أطفال، تعتبر نفسها قد عادت طالبة تدرس مرة أخرى بسببهم، «استبرق» فى الصف الثالث الإعدادى، و«بسملة» فى الصف السادس الابتدائى، و«محمود» فى الصف الرابع الابتدائى، كانوا السبب فى قرارها بترك عملها والتفرغ التام لهم: «مش هكدب لو قلت إن دخول الدراسة معناه المذاكرة زيى زى ولادى، لدرجة أنى بهزر معاهم وأقول لهم لو امتحنت هاخد درجات أعلى منكم».

فى بيتها الصغير فى شبرا، تبدأ استعدادات الدراسة لدى «رشا» مبكراً من خلال الدروس الخصوصية التى يتلقاها أبناؤها فى جميع المواد تقريباً: «إحنا مش بناخد إجازة تقريباً، والسبب إننا مع آخر أيام يوليو ببدأ أدوّر لأولادى على مدرسين شاطرين، والفكرة أننا علشان نحجز بس فى مكان بندفع 100 جنيه، غير فلوس الدروس نفسها، ولو اعترضنا على المبلغ يقولك لو كان عاجبك فى غيرك نفسه يدخل مكانك».

رغم حس الفكاهة التى تتمتع به «رشا» إلا أنها تعتبر بدء موسم الدراسة «كارثة» بسبب تحوله إلى «سبوبة»، بداية من تجار التجزئة خصوصاً فى الفجالة، وصولاً إلى إدارات المدارس التى ترفع أسعار الزى المدرسى كل عام: «كل سنة أروح أشترى الزى لأولادى ألاقيه زاد، مش عارفة 150 أو 200 جنيه، ده غير أسعار الباصات الخاصة بالمدرسة ولو اتكلمت وقلت إن بناتى الاتنين فى نفس المدرسة وممكن أدفع أقل يقولوا إحنا مالنا، وفى النهاية يقعدوا الولاد على رجل بعض وساعات يقفوا، ومايكونش فى مكان للقعدة».

تضع «رشا» نظاماً لدراسة أبنائها لا يبدأ مع سبتمبر، حيث تبدأ الدراسة، بل مع أغسطس؛ حيث يبدأون دروسهم الخصوصية، فهى تستيقظ باكراً منذ السابعة أو الثامنة صباحاً، تقوم بالاهتمام بشئون المنزل، بينما يترك لها أبناؤها الكتب الخاصة بهم مع إشارة لأهم الدروس التى درسوها فى الدروس لتقوم بمذاكرتها مرة أخرى بنفسها، والهدف هو أن تفهمها وتستطيع استذكارها معهم، ثم تقوم بتنظيم شئون المنزل: «لو ماذاكرتش اللى هما أخدوه مش هعرف أشرح لهم ولا أفهم، فباضطر لوحدى إنى أذاكر كل اللى بياخدوه خصوصاً أنهم بيدرسوا بالأجنبى، فكثير من المصطلحات ممكن ماتكونش معروفة، وبذاكر ليهم تانى بالليل جنب الدروس».

أكثر ما يثير غضب وضيق «رشا» خلال موسم الدراسة هو المناهج المقررة على الطلاب، التى تعتبرها نوعاً من العقاب لهم: «نفس المنهج اللى كنت باخده من 20 سنة هو مع بعض التعديلات الصغيرة جداً، إزاى يتوقعوا يبقى فى طالب بيفهم فى المناهج دى فى ظل التكنولوجيا الحديثة.


مواضيع متعلقة