سوق الماشية فى دمياط تحت رحمة جنون «الأعلاف» و«بكر»: 75% من المربين تركوا المهنة

كتب: سهاد الخضرى

سوق الماشية فى دمياط تحت رحمة جنون «الأعلاف» و«بكر»: 75% من المربين تركوا المهنة

سوق الماشية فى دمياط تحت رحمة جنون «الأعلاف» و«بكر»: 75% من المربين تركوا المهنة

من 5 رؤوس ماشية كانت رأسمال الأسرة كلها، لم يتبق للمزارع رشدى مارية، 55 عاماً، سوى رأس واحد، بعدما اضطر إلى بيع الأربعة الأخرى تباعاً، حسبما قال لـ«الوطن»، عندما عجز عن شراء الأعلاف اللازمة لها، مع ارتفاع أسعارها بصورة جنونية، مضيفاً «لا أجد ما يكفى لإطعام أسرتى، فكيف يمكننى توفير العلف للماشية، ما اضطرنى إلى بيعها بثلثى سعرها الحقيقى، لأخسر شقا عمرى كله».

يتساءل مارية «كيف أربى ماشية بينما التجار يتحكمون فى كل شىء، من أسعار الأعلاف إلى أسعار اللحوم الحية أو المذبوحة؟»، مضيفاً «المسئولون غائبون تماماً عن أداء دورهم فى حماية الثروة الحيوانية، ومواجهة انتشار أمراض الحمى القلاعية وورم العضل وحمى الدم، التى تنتشر فى منازل المزارعين، رغم وجود وحدة بيطرية فى قريتنا التابعة لمركز دمياط، لكن لا أحد من أطبائها يمر علينا، ولا نراهم».

{long_qoute_1}

واتهم المزارع عدداً من العاملين فى الوحدة البيطرية لقريته ببيع الأدوية البيطرية فى السوق السوداء، بدلاً من صرفها للمزارعين، كما أشار إلى ارتفاع أسعار الأعلاف مؤخراً من 60 إلى 150 جنيهاً للجوال زنة 50 كيلوجراماً، علاوة على غشها، ساهم فى تفاقم أزمة تسمين الماشية، بالإضافة إلى انتشار عصابات سرقة الماشية فى دمياط.

ابتعاد المزارع مارية عن تربية الماشية لم يكن حالة فردية، فنحو 75% من مربى الماشية فى دمياط هجروا المهنة، بعد ارتفاع أسعار الأعلاف، وانتشار الحمى القلاعية، حسبما قال لنا عطية إمام، 60 عاماً، بينما كان يتصبب عرقاً بجوار ماشيته فى قرية كفور الغاب التابعة لمركز كفر سعد، موضحاً «أربى الماشية منذ 30 عاماً، ورغم كل هذه السنوات لم أشهد أزمة فى السوق مثلما تعانى الآن، خاصة مع ارتفاع أسعار الأعلاف، وبيع التجار أعلافاً مغشوشة، وانتشار الأوبئة البيطرية».

أضاف إمام «اضطررت لتربية 4 رؤوس ماشية فقط، أجلس لرعايتها طول النهار، ونظراً لعدم امتلاكى أرضاً، استأجرت فدانين، وزرعتهما بالأرز والقطن حتى أتمكن من الإنفاق على الماشية، بينما يحصل مالك الأرض على نصف المحصول، ولا يتبقى لى سوى الفتات»، ثم انتقد مديرية الطب البيطرى قائلاً «الطب البيطرى فى إجازة، فالماشية أصيبت بالحمى القلاعية، ولم نجد من يعالجها، ما اضطرنى إلى إنفاق كل ما أملك على شراء الأدوية البيطرية».

وشدد إمام على أن أحداً من المزارعين لم ير أطباء الوحدة البيطرية فى القرية منذ فترة طويلة، مؤكداً «كل كلام مسئولى الطب البيطرى عن رعايتهم لمربى الماشية، وتنظيم ندوات إرشادية لهم ليس له أساس من الصحة، ولو جاء أحد أطباء الوحدة للكشف على المواشى الخاصة بنا فإنه يحصل على نفس المال الذى يحصل عليه الطبيب الخارجى، أما عن التحصين فحدث ولا حرج، فالوحدة لا تتدخل لتحصين الماشية إلا كل عامين، رغم أن التحصين يجب أن يكون كل 6 أشهر، ما أدى إلى انتشار الأمراض».

بنبرة حزينة، أكمل إمام حديثه قائلاً «أبيع رأس الماشية للتاجر بأسعار تتراوح بين 10 و12 ألف جنيه، بينما يبيعها هو بأسعار تتراوح بين 15 و20 ألفاً دون أى مجهود من جانبه، ما أدى إلى موجة غلاء فى أسعار اللحوم، نظراً لسيطرة التجار على سوق الماشية فى جميع أنحاء البلاد، وسط غياب تام للمسئولين عن أداء دورهم».

وداخل أرضه الزراعية، جلس المزارع نجيب أحمد، 50 عاماً، بجوار ماشيته، ثم بدأ حديثه قائلاً «أعمل فى تربية الماشية منذ 40 عاماً، فأنا ورثت المهنة أباً عن جد، وأمتلك حالياً 6 رؤوس»، ثم أكمل بنبرة حزينة «لا أعرف ماذا أفعل الآن، بعدما ارتفعت أسعار الأعلاف بصورة جنونية، بينما يضع المسئولون أيديهم فى المياه الباردة، تاركين الغلاء والأمراض وجشع التجار تقصم ظهور المربين، فلولا أننى أترك الماشية ترعى فى الأرض التى أزرعها لما تمكنت من توفير احتياجاتها من الأعلاف».

وانتقد نجيب «الطب البيطرى» فى المحافظة، معتبراً أنه «حبر على ورق»، فيما أشار إلى أن تصريحات المسئولين عن رعايتهم للثروة الحيوانية هدفها الدعاية لأنفسهم لا أكثر، موضحاً «عندما نتوجه إلى الوحدات البيطرية لا نجد أحداً هناك، وإذا وجدنا أحد المسئولين فإنه يصرف لنا علاجاً غير نافع، ما يضطرنا إلى اللجوء لأطباء بيطريين».

ويطالب المزارع بأن توفر الدولة الأعلاف للماشية بأسعار مخفضة، عن طريق منافذ تابعة لها، بعدما تضاعفت أسعار الأعلاف خلال العام الأخير، فيما حمّل التجار مسئولية ارتفاع أسعار اللحوم، مطالباً الدولة بالتدخل لشراء الماشية من المربين مباشرة، بدلاً من التجار، بهدف خفض أسعار اللحوم، وإنقاذ الثروة الحيوانية، بعدما لجأ العديد من المربين إلى بيع الماشية لعجزهم عن توفير الأعلاف اللازمة لها.

بجوار دراجته النارية، وقف المزارع أحمد السيد، لينظر بأسى إلى 5 رؤوس ماشية بالقرب منه، بعدما اضطر لبيع 5 رؤوس أخرى بسبب إصابتها بالحمى القلاعية، ثم قال «لا يوجد طب بيطرى هنا، ولا نرى طبيباً واحداً، وكلما مرضت الماشية نضطر إلى الاستعانة بطبيب من الخارج، كما أن الوحدة البيطرية تتجاهل تحصين الماشية، ما أدى إلى انتشار الحمى القلاعية، وحمى الدم، خاصة فى قرية كفور الغاب».

وأضاف السيد «الفلاح منسى فى بلادنا، فنحن نعيش على الهامش، وكأننا ليست لنا حقوق، فلا نجد الأعلاف إلا فى السوق السوداء، ولا نجد أى اهتمام صحى، بينما تهتم الدول الأخرى بالمربين، فتوفر لهم الأعلاف»، ثم طالب مديرية الطب البيطرى بعقد ندوات إرشادية، وتحصين الماشية، حتى يمكن توفير اللحوم بأسعار مناسبة للمواطنين، والقضاء على دولة التجار، كما طالب جمعيات حماية المستهلك، ومديرية التموين بمراقبة تجار الأعلاف والماشية.

وفى مقابل الاتهامات الموجهة من المزارعين للتجار، دافع التاجر هانى بكر، 34 عاماً، عن نفسه وزملائه، مؤكداً أن «غلاء الأعلاف أدى إلى تقلص أعداد الماشية بصورة عامة، فتراجعت بنسبة 25% فى محافظة دمياط، كما ترك 75% من المربين المهنة، وتحولوا إلى مهن أخرى، وأنا اضطررت إلى بيع ما أملكه من ماشية فى رمضان الماضى، بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف، وعدم قدرتى على التسمين، واتجهت إلى الاتجار فى الماشية».

وقال التاجر محمد توفيق، «إن كلاً من التاجر والمربى يعانيان من الأزمة، وكلاهما تعرض لخراب كبير، بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف، بالإضافة إلى قفز أسعار الأدوية البيطرية بنسبة 75%، وأرى أن الحكومة هى المسئولة عن ارتفاع أسعار اللحوم، لابتعادها عن مراقبة الأسواق، وعدم توفيرها الأعلاف للمربين بأسعار مناسبة»، موضحاً أن «أكثر من ثلاثة أرباع تجار الماشية فى دمياط تركوا المهنة، بعدما أفلسوا بسبب الخسائر المستمرة، وأنا اضطررت إلى السفر للعمل فى ليبيا لمدة عامين، حتى أسدد ديونى».

{long_qoute_2}

ومن جهته، قال نقيب الفلاحين فى دمياط، مجدى البسطويسى، «لا أحد فى وزارة الزراعة أو الطب البيطرى يهتم بمشكلات المربين، لذلك نطالبهم بدعم المربين، وصرف الأعلاف من المنافذ الحكومية بأسعار مناسبة، والاهتمام بتطوير الوحدات البيطرية، وتكثيف الرقابة عليها، حتى تؤدى دورها فى التطعيم والتحصين، وعقد الندوات الإرشادية لتوعية المربين بأنواع الأمراض المنتشرة ومخاطرها وكيفية التصدى لها».

وفى رده على انتقادات المربين لـ«الطب البيطرى»، قال مدير الطب البيطرى بدمياط، الدكتور إيهاب شكرى، «لا صحة لاتهامات المربين لنا، فالمديرية تشن حملات تفتيش ومتابعة يومية، كما تقوم بتحصين الماشية ضد الأمراض الوبائية، كالحمى القلاعية، حيث لم تتجاوز الماشية المصابة بالمرض فى دمياط نسبة الـ5%، ولم تتعد الإصابة بحمى الدم نسبة الـ1%، وتعتبر دمياط أقل المحافظات فى معدلات الإصابة بالحمى القلاعية».


مواضيع متعلقة