بالأرقام.. الاقتصاد المصرى يحاول النجاة من التأثير السلبى للركود بعد 25 يناير

كتب: محمد السعدنى

بالأرقام.. الاقتصاد المصرى يحاول النجاة من التأثير السلبى للركود بعد 25 يناير

بالأرقام.. الاقتصاد المصرى يحاول النجاة من التأثير السلبى للركود بعد 25 يناير

بعيداً عن الدخول فى مهاترات وحروب كلامية عن حقيقة الأوضاع الاقتصادية لمصر، تبقى الأرقام هى اللغة الوحيدة التى لا تعرف المجاملة، هى وحدها التى تكشف الحقائق وكيف كان وضعنا ولماذا نعانى من مشاكل وأزمات ومتى نتحرك فى ظل أجواء توقف فيها العمل والإنتاج لفترة ليست بالقليلة.. فى حضور الأرقام علينا أن ننصت لنعرف ما الذى تم وما الذى جرى. {left_qoute_1}

واجهت مصر صعوبات اقتصادية شديدة فى أعقاب ثورة يناير 2011، نتيجة عدم استقرار الأوضاع الداخلية خلال هذه الفترة. تمثلت فى انخفاض شديد فى معدلات النشاط الاقتصادى ومعدلات النمو وبالتالى معدلات التشغيل، الأمر الذى تسبب فى ارتفاع نسبة البطالة بشكل حاد، صاحب هذه التطورات ارتفاع كبير وحاد فى معدلات الإنفاق الحكومى خلال 2011-2014 نتيجة لمطالبات ضخمة وزيادة كبيرة فى فاتورة الدعم، بينما لم تشهد الإيرادات الحكومية زيادة مماثلة بسبب تباطؤ معدلات النمو. وفى مثل هذه الأحوال تكون الاستدانة هى المصدر الأساسى لتمويل هذا الخلل المالى.

أما معدلات الإنفاق فقد زادت بشكل كبير خلال الفترة من 2011/2015 فى عدة بنود أهمها الأجور والتعويضات للعاملين التى زادت سنوياً بمتوسط 20.5% والدعم والمزايا الاجتماعية 22.2% ومساهمة الموازنة فى صناديق المعاشات بنحو 89% والفوائد بنحو 25%.

إسماعيل حسن، محافظ البنك المركزى الأسبق ورئيس بنك مصر إيران حالياً، قال إن الفترة التى أعقبت ثورة 25 يناير اتسمت بالمطالب الشعبوية والفئوية التى لم يكن أمام الحكومات السابقة سوى الاستجابة لها، على الرغم من تراجع عائدات قطاعى السياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة وغيرهما.. وقال «حسن» فى تصريحات خاصة لـ«الوطن» إن الشعب وقتها لم يدرك أن هناك أزمة اقتصادية وأصر على تحقيق هذه المطالب.. وأضاف بأن الأوضاع التى أعقبت ثورة 25 يناير أوصلتنا إلى ما نحن عليه الآن من تضخم فى الدين العام وعجز فى الموازنة. وتابع: نحن الآن فى أزمة اقتصادية ولا بد من دفع الثمن وأعتقد بأن سداد الثمن اليوم سيكون أفضل من غد. {left_qoute_2}

نعود إلى الأرقام التى ترصد ما تم، بداية من عام 2014/2015 حيث حدث تغير استراتيجى فى توجهات النشاط الاقتصادى على ثلاثة محاور رئيسية، تمثل المحور الأول فى البنية التحتية المطلوب تطويرها بشكل كبير والمتمثلة فى قطاعات الكهرباء، والبترول والغاز الطبيعى، وشبكة الطرق القومية، والنقل. أما المحور الثانى فتمثل فى المشروعات التنموية التى تؤدى إلى خلق قواعد للتنمية ممتدة الأثر تؤتى ثمارها على المدى المتوسط والطويل فى مجالات النشاط الصناعى واللوجيستيات واستغلال موقع مصر الفريد، والمتمثلة فى تنفيذ مشروع توسيع قناه السويس، ومحور إقليم قناة السويس، وتطوير الموانئ وكذلك مشروعات تنمية سيناء، والتنمية العقارية الشاملة والمتمثلة فى العاصمة الإدارية الجديدة، ومدينة العلمين الجديدة، ومدينة الجلالة، والمشروعات الأخرى المماثلة والتى تهدف إلى فكرة خلق القيمة. أما المحور الثالث لتغير استراتيجية توجهات النشاط الاقتصادى فتمثل فى مشروعات الحماية والتنمية الاجتماعية والتى تتمثل فى مشروعات الإسكان الاجتماعى وتطوير العشوائيات والتوسع فى الصرف الحكومى على البنية التحيتة فى مجالات المياه والصرف الصحى والصحة والتعليم. هذا النشاط القوى ساهم فى زيادة معدلات النمو لأكثر من 4% فى 14/15 و15/16 وهو ما ساهم فى انخفاض معدلات عجز الموازنة والبطالة إذا ما قورنت بالأعوام التى سبقتها. كما شهدت هذه الفترة بداية للسيطرة على جموح معدلات الإنفاق الحكومى

وقد صاحب تحقيق معدلات مرتفعة لنسب العجز وكذلك الدين للناتج المحلى (ارتفاع فاتورة الفوائد بشكل حاد) اختلالات واضحة فى ميزان المدفوعات (من المتوقع أن يصل عجز الميزان الحالى إلى 18-20 مليار دولار فى عام 15/16) والتى أثرت بشكل كبير على سوق الصرف وهو ما أدى إلى تباين كبير بين سعر الصرف فى السوق الرسمية والسوق الموازية. وقد أثر ذلك على مستويات الثقة وساعد على زيادة المضاربة على الدولار وتحول النقد الأجنبى إلى سلعة يمكن التربح منها، وهو أمر يشكل خطورة كبيرة ويجب تصويبه فى أقرب وقت من خلال إجراءات إصلاحية تعيد الأمور إلى مسارها الصحيح. وبالرغم من أن فاتورة دعم المواد البترولية قد انخفضت نتيجة انخفاض الأسعار العالمية للبترول (وهو الأمر الذى لا يجب الارتكان عليه) إلا أن التدهور الواضح للميزان التجارى لقطاع البترول (يصل إلى 12 مليار دولار سنوياً وهو ما يؤثر سلباً على عجز ميزان المدفوعات للدولة) لا يزال يلقى بظلاله على قدرة هذا القطاع على الحفاظ على الملاءة المالية المطلوبة له. هذا بالإضافة إلى أن أوضاع صناعة السياحة فى الفترة من يوليو 2015 حتى مايو 2016 تعتبر الأضعف خلال الخمسة عشر عاماً المنقضية وهو ما ساهم أيضاً فى مزيد من الضغوط على ميزان المدفوعات. وقد ارتفع عجز الميزان التجارى ليحقق نحو 39 مليار دولار فى 14/15 مقابل عجز قدره 25 مليار دولار فى 09/10. ولكن يجب التأكيد على إمكانية معاودة النشاط الاقتصادى وتحقيق معدلات نمو مرتفعة وبسرعة نتيجة لما تم إنجازه فى العامين الماضيين من تأسيس سليم لانطلاقة اقتصادية خلال الفترة المقبلة، فيجب العمل على المحاور الرئيسية للإصلاح الاقتصادى والمتمثلة فى تصويب السياسات الاقتصادية (سياسة مالية وسياسة نقدية) وتنفيذ إصلاحات هيكلية (صناعة وتصدير وتحسين بيئة أعمال) وتوفير شبكة حماية اجتماعية قوية تعمل بكفاءة، ومن ثم فإن المضى قدماً فى تنفيذ الإصلاحات المطلوبة على كافة المسارات من شأنه أن يمكننا من تحقيق التوازن المطلوب بداية ثم تحقيق معدلات نمو مرتفعة لفترات طويلة ومن ثم خلق فرص عمل منتجة وبمعدلات عالية تسهم فى خفض معدلات البطالة.

 


مواضيع متعلقة