3 مؤسسات دولية ترصد: 4 عوائق تمنع تدفق الاستثمارات إلى مصر والدول العربية

كتب: محمد الدعدع

3 مؤسسات دولية ترصد: 4 عوائق تمنع تدفق الاستثمارات إلى مصر والدول العربية

3 مؤسسات دولية ترصد: 4 عوائق تمنع تدفق الاستثمارات إلى مصر والدول العربية

قدمت ثلاث مؤسسات تمويلية دولية بارزة، هى البنك الدولى، وبنك الاستثمار الأوروبى، والبنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية، رؤية مشتركة لأبرز العقبات التى تواجه القطاع الخاص فى 8 اقتصادات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على رأسها مصر، عبر مسح شامل موَّلته المؤسسات الدولية الثلاث شمل 6 آلاف شركة فى المنطقة خلال عامَى 2013 و2014.

وتنشر «الوطن» تقرير المؤسسات الدولية، الذى يقدم روشتة لإصلاح الاقتصاد المصرى من خلال العمل على دفع القطاع الخاص نحو المشاركة فى عملية التنمية، الأمر الذى يقود بدوره إلى تحقيق مزيد من النمو العادل والشامل.

{long_qoute_1}

استعرض التقرير، الصادر أمس الأول، العقبات والتحديات التى تواجهها شركات القطاع الخاص. وكشف معدو التقرير فى مؤتمر صحفى، نتائج واستنتاجات التقرير الذى حمل اسم «ما الذى يعيق القطاع الخاص فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟ الدروس المستفادة من مسوحات 6 آلاف شركة». وتطرق التقرير إلى أربع قضايا أساسية هى: بيئة الأعمال العامة، وتمويل الشركات والعقبات المالية، والتوظيف فى القطاع الخاص، والتنافسية والابتكار والممارسات الإدارية. وركز فى مسحه الذى شمل 8 اقتصادات بالمنطقة هى مصر والأردن ولبنان واليمن وتونس والمغرب وقطاع غزة وجيبوتى خلال عامَى 2013 و2014 على الوضع الاقتصادى فى مصر، بالإضافة إلى أولويات المشاريع التى تناسب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وذكر الملخص التنفيذى لدراسة البنوك الدولية الإنمائية الثلاثة أن نزول آلاف الشباب للشوارع خلال الانتفاضات العربية جاء تعبيراً عن إحباطهم لقلة الفرص الاقتصادية والاجتماعية، وأن إجماعاً ساحقاً فى صفوف اقتصاديين بأن تطوير قطاع خاص نشط يُعد أمراً أساسياً لتحقيق نمو شامل وعادل.

القيود الرئيسية فى بيئة الأعمال

أوضح المسح الذى شمل 6 آلاف شركة أن أربعة هواجس رئيسية لدى الشركات بشأن البيئة التى تعمل فيها هى: عدم الاستقرار السياسى، والفساد، وإمدادات الكهرباء التى لا يمكن التعويل عليها، وعدم كفاية فرص الحصول على التمويل.

{long_qoute_2}

1 - عدم الاستقرار السياسى

أشار التقرير إلى أن عدم الاستقرار السياسى يمثل هاجساً رئيسياً للشركات فى معظم اقتصادات المنطقة، كما أن له أثراً سلبياً على نمو المبيعات والإنتاجية بشكل يعكس تأثيرات الانتفاضات العربية، والتوترات الاجتماعية العالقة، والصراعات فى أرجاء المنطقة، ويمثل عدم الاستقرار السياسى أكبر هاجس لدى المديرين والرؤساء التنفيذيين للشركات فى مصر، ولبنان، وتونس، والضفة الغربية وغزة والجمهورية اليمنية. ففى معظم هذه الاقتصادات، من الواضح أن عدم الاستقرار السياسى أثّر سلباً على نمو الشركات وإنتاجيتها.

2 - الفساد

ربط التقرير المستويات المرتفعة للتصورات حول الفساد بتدنى نمو المبيعات والتشغيل، علاوة على انخفاض إنتاجية العمالة، يمثل الفساد هاجساً رئيسياً لدى المديرين والرؤساء التنفيذيين للشركات. ترتبط التصورات المرتفعة حول الفساد بتدنى المبيعات، ونمو الوظائف، وإنتاجية العمالة. كما توجد براهين على أن الفساد يحول دون تفاعل الشركات مع السلطات الحكومية، ويمنعها من الاستفادة بشكل كامل من الفرص المتاحة. علاوة على ذلك، يبدو أن الهواجس المتعلقة بالفساد تتجاوز الفساد الإدارى، ما قد يشير إلى مشكلات أعمق فى الاقتصادات المعنية، مثل الهيمنة على مفاصل الدولة من قبَل جماعات المصالح أو النخب، أو تفشى الفساد فى مستويات رفيعة، أو حتى قلة الإبلاغ خوفاً من العواقب السلبية المحتملة.

3 - عدم ضمان إمدادات الكهرباء

يشكل عدم ضمان إمدادات الكهرباء عائقاً خطيراً أمام الشركات فى العديد من الاقتصادات، بحسب المسح الذى شمل 6 آلاف شركة، فلا يزال عدم موثوقية إمدادات الكهرباء مشكلة كبيرة لدى الشركات فى مصر، ولبنان، وتونس، والضفة الغربية وغزة، والجمهورية اليمنية، وذلك بالرغم من الجهود التى تبذلها بعض الحكومات لمعالجة تلك المشكلة. وتتسبب إمدادات الكهرباء غير المنتظمة فى خسارة كبيرة فى المبيعات لدى العديد من الشركات، كما أنها ترتبط بتدنى مستويات الإنتاجية. ويجب دراسة ضعف الوصول إلى الكهرباء باعتباره عائقاً أمام نمو الشركات فى سياق الإطار المؤسسى العام الذى يرسم ملامح قطاع الطاقة فى المنطقة. وقامت العديد من الاقتصادات باستخدام دعم أسعار الطاقة كشكل من أشكال شبكات الأمان، بينما كانت نظم الرعاية الاجتماعية لديها تتسم بعدم الكفاية أو قلة الفاعلية. إلا أن هذا الدعم يُعد مكلفاً، ومن خلال الاختلالات السعرية تم إيجاد حوافز منهجية للانتقال إلى التكنولوجيات التى تتطلب رأس مال مكثف، والتى ترتبط بقلة الحوافز أمام الاستثمار فى البنى التحتية الأساسية، بينما يوجد ذلك مجالاً للمصالح المكتسبة. وكجزء من البرنامج الإصلاحى الذى نُفذ خلال السنوات القليلة الماضية، دعا مختلف المؤسسات الدولية، ومن ضمنها صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، إلى إجراء إصلاح شامل لأنظمة دعم أسعار السلع والخدمات، بما يتيح المجال لإيجاد قطاع طاقة أكثر كفاءة.

4 - عدم كفاية فرص الحصول على التمويل

نبَّه التقرير إلى تأثير أوجه القصور فى بيئة أنشطة الأعمال بشكل غير متكافئ على الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم بالرغم من الإشارة إلى العديد من عناصر بيئة أنشطة الأعمال، وبالتحديد عدم الاستقرار السياسى، عدم موثوقية إمدادات الكهرباء، قلة الوصول إلى التمويل على نطاق واسع، باعتبارها من القيود على الشركات. تركت أوجه القصور الناجمة عن هذه العوامل أثراً سلبياً أكبر على الشركات الصغيرة. ومن المرجح أن تقوم الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم بالإشارة أكثر من الشركات الكبيرة إلى هذه العناصر الثلاثة باعتبارها عوائق رئيسية أمام عملياتها، بالرغم من أنّه من المرجح أن تشير بصورة أقل إلى الفساد باعتباره عائقاً رئيسياً. ولفت إلى أن الحواجز فى طريق التجارة وندرة العمال المُدرَّبين تدريباً مناسباً تمثل عائقاً أمام الابتكار والنمو. كما أن الشركات ترى انفصاماً بينها وبين قنوات التمويل الرسمية فى كثير من الأماكن، مما أضاع عليها فرص النمو.

{long_qoute_3}

وأبرز التقرير أربعة مجالات مُحدَّدة لا بد من وضع سياسات ملائمة لها، وهى: تحسين مناخ الأعمال، وتحسين إمكانية الحصول على التمويل، وتحقيق مستويات أفضل من التعليم والتوظيف والمهارات، والنهوض بالتجارة، والمنافسة والابتكار. وتعقيباً على التقرير قال سيرجى جورييف، رئيس الخبراء الاقتصاديين المقبل فى البنك الأوروبى للإنشاء والتعمير: «سيساعد تحديد المُعوّقات والتحديات التى تُؤثر على القطاع الخاص والنمو الاقتصادى فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مؤسساتنا على مساندة إصلاحات السياسات التى تهدف إلى تهيئة مناخ أعمال مؤات.

الوضع فى مصر

ذكر التقرير أن نحو نصف الشركات المصرية اختارت عدم الاستقرار السياسى كأبرز عائق، وهو ما يُعد أعلى من المتوسط فى المنطقة، حيث انعكست بيئة أنشطة الأعمال غير المتيقنة، التى أعقبت ثورة 2011 والمستجدات التى وقعت فى صيف 2013، على الأداء الاقتصادى للشركات: خلال الفترة ما بين 2009-2012، شهدت الشركة النمطية فى مصر تراجعاً فى إيراداتها بمقدار 6.4% سنوياً وفى الوظائف بأكثر من 1% سنوياً، وتمت الإشارة إلى الوصول إلى التمويل كعائق رئيسى لدى 1 من أصل كل 10 شركات، وهو ما لا يدعو للدهشة، بالنظر إلى أن أقل من 60% من الشركات تمتلك حساباً جارياً أو حساب توفير، وأن 6% فقط منها لديها قرض مرصفى أو خط اعتماد. ويأتى عائق الحصول على الكهرباء فى المرتبة الثالثة، والذى يرتبط بالتدهور الحاد فى موثوقية إمدادات الكهرباء فى العام 2012، وهى السنة المرجعية للمسح. وبالرغم من اعتباره العائق الأبرز من قبَل 6% فقط من الشركات. ويعتبر الفساد منتشراً على نطاق واسع، حيث أشارت 17% من الشركات إلى تعرضها لموقف واحد على الأقل لطلب الرشاوى.

لا يزال الوصول إلى التمويل قضية رئيسية لدى الشركات المصرية

وفقاً للتقرير، تمثل البنوك 2% فقط من تمويل الشركات فى مصر، وهو ما يقل كثيراً عن المتوسط فى المنطقة والبالغ 12%. ويترجم تدنى شيوع التمويل المصرفى إلى نسبة عالية من الشركات التى ليس لديها ارتباط بالبنوك، أى الشركات التى لم تقدم طلبات للحصول على قروض كونها يتوافر لديها رأس مال كافى. وحقيقى أن 40% من شركات القطاع الخاص الرسمى لا تمتلك حساباً جارياً أو حساب توفير، وبالتالى لا تستخدم النظام المالى حتى من أجل خدمات الدفع.

وتمتلك الشركات التصنيعية فى مصر كثافة رأسمالية عالية، كما يُعتبر استخدام رأس المال غير كفء.

وتأتى الشركات المصرية فى مرتبة متأخرة من حيث إنتاجية إجمالى عوامل الإنتاج، والتى تقيس كفاءة الاستخدام ليس فقط للعمالة، بل أيضاً رأس المال والمدخلات الوسيطة. وعند مقارنة وسيط حصص عوامل الإنتاج للمدخلات الرئيسية الثلاث المستخدمة من قبَل المصنّعين (تكاليف العمالة، المدخلات الوسيطة، رأس المال) يستخدم المصنعون المصريون رأس المال المكثف بشكل أكبر من المتوسط فى المنطقة، وفى الاقتصادات القرينة، بحيث لا يتفوق عليهم سوى المصنعين التونسيين فى استخدام رأس المال المكثف. ويمكن تفسير ذلك جزئياً من خلال الدعم المقدم لأسعار الطاقة، والذى يخل بالهيكليات الإنتاجية من خلال تشجيع الصناعات التى تتطلب طاقة ورأس مال بشكل مكثف.

ويشير التقرير إلى أنه بالمقارنة مع الشركات الأكبر، من غير المرجح أن توفر الشركات الصغيرة والمتوسطة التدريب لموظفيها، وتعانى مصر من سوء المطابقة بين جانبَى العرض والطلب للعمالة، وبالتحديد فى مجال المهارات الفنية والمهنية. حيث يُنظر فى الغالب إلى التعليم والتدريب المهنى ما بعد المرحلة الثانوية على أنه دون المستوى وذو جودة رديئة، مع عدم وجود إشراك منهجى لأصحاب العمل فى إعداد البرامج والمناهج. علاوة على ذلك، تقدم 5% فقط من الشركات المصرية تدريباً رسمياً، وهو ما يقل كثيراً عن المتوسط فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والبالغ 17% ويعود الاختلاف بشكل رئيسى إلى تدنى نسبة الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التى تقدم التدريب الرسمى لموظفيها، حيث يقوم بذلك 2% و6% منها مقارنة مع 12% و23% فى المنطقة فى المتوسط، وبالتالى تؤثر قلة العمالة الماهرة على الشركات سريعة النمو بشكل خاص. وبالنظر إلى كبر السوق المحلية، ينشط عدد قليل من الشركات فى التجارة الدولية بالنظر إلى حجم السوق الكبير، وليس من الغريب أن تمتلك مصر واحدة من أكبر الحصص للشركات غير التجارية فى المنطقة، حيث لا تمارس نصف الشركات التصنيعية أنشطة التصدير والاستيراد. علاوة على ذلك، ينخرط نحو ربع الشركات المصرية فقط فى نوع واحد على الأقل من الابتكارات، بالمقارنة مع أكثر من الثلثين فى المنطقة. وقد يعود ذلك إلى حقيقة أن السوق المصرية واسعة وغير مخدومة بشكل كاف، مما يعنى أنه لا يتوجب على الشركات التنافس على الزبائن، وبالتالى لا تشعر بالضغط من أجل الابتكار. إضافة لذلك، تقوم 3% فقط من الشركات بالعمل على اكتساب المعرفة، سواء عن طريق البحث والتطوير أو عبر مصادر أخرى. وبالمقارنة مع الاقتصادات الأخرى فى المنطقة تُعد هذه النسبة متدنية، على وجه الخصوص فى قطاعات الصناعات التحويلية التى تتطلب تقنيات عالية ومتوسطة.

وتعليقاً على التقرير، قال أسعد عالم، المدير الإقليمى لجيبوتى واليمن ومصر بالبنك الدولى، إن الحكومة المصرية بذلت ولا تزال تبذل كثيراً من الجهود لتحسين بيئة ومناخ الأعمال، واتخذت خطوات إصلاحية كثيرة فى هذا الشأن. وأضاف أن للبنك الدولى استراتيجية قطرية ورؤية للمنطقة ككل، وأخرى مع مصر، وأنه من الضرورى أن تعمل الحكومة المصرية على إعادة مراجعة عقدها الاجتماعى مع المواطنين بما تقدمه من خدمات. وأشار المدير الإقليمى لجيبوتى واليمن ومصر بالبنك الدولى، إلى أن القطاع الخاص المصرى لا يزال يواجه عقبات عدة، أبرزها عقبة التمويل، مشيراً إلى أن مصر بحاجة إلى برنامج اقتصادى وإصلاحى شامل.

أما ماريون هيونك، رئيس قسم تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة ببنك الاستثمار الأوروبى، فقالت إن عقبة التمويل تواجه القطاع الخاص فى الاتحاد الأوروبى هو الآخر، إلا أنها ليست المشكلة الأولى التى تواجه القطاع الخاص هناك. وأضافت: «يجب على البنوك فى منطقة الشرق الأوسط لا سيما مصر أن تتقبل مفهوم المخاطرة فى التعامل مع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، لا أن تفضّل فحسب التعامل مع استثمارات أخرى كأذون الخزانة. هى لا تغامر بالتعامل مع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهذا خطأ كبير».

فيليب تير وورت، مدير مكتب البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية بالقاهرة، أكد أن غياب مبدأ تكافؤ الفرص فى معاملة الشركات الكبيرة وغيرها من الشركات الصغيرة يهدد بانهيار سريع للمشروعات الصغيرة والقطاع الخاص الناشئ. وأوضح أن القطاع الخاص يمكن أن يلعب دوراً محورياً فى مستقبل مصر، وأنه يتوجب على الحكومة المصرية أن تعى ذلك وأن تعمل على إشراك القطاع الخاص فى التنمية. وأوصى «فيليب» بضرورة تقديم تيسيرات للشركات الصغيرة والمتوسطة إذا ما كانت بصدد طرْق أبواب البنوك للحصول على ما يلزمها من تمويل. وانتقد مدير مكتب البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية بالقاهرة، غياب قانون الاستثمار الموحد، وقال: «قانون الاستثمار لم يرَ النور بعد، وفى مصر 64 ألف قانون متناقض، كذلك البيئة التشريعية متشابكة ومعقدة، وهذا ما يثير مخاوف كثير من المستثمرين، ففى مصر قوانين تتنافى مع المنطق، ويصعب تنفيذها، وتفتح الباب للفساد»، مطالباً الحكومة بمراجعة البنية التشريعية وتطوير الحكومة بما ينعكس إيجاباً على القطاع الخاص، لافتاً فى الوقت ذاته إلى أن معظم العقبات التى تضمّنها المسح لا تزال قائمة باستثناء الاستقرار السياسى، وهو ما يخشاه المستثمر الأجنبى الوافد للاستثمار بالمنطقة.

فيما شددت الدكتورة سحر نصر، وزيرة التعاون الدولى، على أن الحكومة حريصة جداً على عدم مزاحمة القطاع الخاص، لأنه له دور غير مسبوق فى تنمية الاقتصاد، خاصة فى قطاعات هامة مثل الكهرباء والنقل والطرق والموانئ والطاقة.


مواضيع متعلقة