عاطف بشاى يكتب : أوراق سرية فى العيادة النفسية.. الجزية «لجلج» باطل

عاطف بشاى يكتب : أوراق سرية فى العيادة النفسية.. الجزية «لجلج» باطل
كنت قد كتبت عن جارى «ويصا حنا ويصا» الذى وقع فريسة «مرض الفصام البارانوى» المصحوب بالهلاوس السمعية والبصرية، وتصور أن هناك من يطارده طالباً منه دفع الجزية.. وقد نصحه الطبيب النفسى بالتماسُك والتحدى وإعلان العصيان المدنى من خلال تكرار جملة «أنا مش هادفع الجزية» لنفسه ولكل الناس فى كل الأوقات وفى كل الأماكن.. لكن حالته تدهورت أكثر بعد أن سخر منه الجميع وقذفه أطفال الحى بالطوب، وهم يطاردونه مهللين ضاحكين.. وطلبت زوجته الخُلع بعد أن غيّرت الملة.. وأصبح هو نزيل مستشفى الأمراض العقلية.
قابلت ابنه «مينا» وأنا خارج من مصعد العمارة.. وسألته عن والده فأخبرنى أنه يزوره بانتظام ويصطحب معه دائماً القساوسة لمباركته ورشمه بالزيت المقدس.. لكن حالته ما زالت متدهورة رغم جلسات الكهرباء التى يواظب عليها.. وإن كان قد طرأ عليه تغيير فى الزيارة الأخيرة.. فاستبدل عبارة «أنا مش هادفع الجزية» بعبارة «الجزية لجلج».. ويهتف مؤكداً أن من يطلبها هو إنسان «ملجلج» و«لجلاج» وعلى باطل..
ثم ما لبث أن ركّز نظراته على النفس الذى أصطحبه معى بريبة.. وانتحى بى جانباً.. وهمس فى أذنى فى شك وذعر: هذا ليس قسيساً يا «مينا».. إنه «بصاص» أو «جاسوس» أرسله «خيرت الشاطر» ليعرف موقفى من فتواه بعدم جواز تهنئة المسيحيين بعيد الميلاد.. وهل أنا الذى خططت وتزعمت الإضراب الذى تم فى المستشفى للتنديد بالدعوة إلى اضطهاد وازدراء الأقباط؟!.. وعبثاً حاولت أن أثنيه عن هذه الهلاوس دون جدوى.. فإذا به يتجه بعد ذلك إلى القس ويشد على يده مرحباً بحفاوة، وبادره منافقاً نفاقاً مزرياً، مؤكداً أنه بصفته عضواً مهماً من أعضاء اللجنة الجديدة للمجلس الوطنى للتعليم وهيئة الجودة المعنية بالتعريب بناءً على المادة (12) من الدستور الجديد «حفاظاً» على الهوية وروح الانتماء وتنفيذ المشروع النهضوى لعودتنا الحميدة إلى العصر الجاهلى.. فقد رفض ضرورة تغيير قائمة أسماء الكحوليات وتعريبها ابتداءً من «البيرة» مروراً «بالجن».. و«البراندى» و«الفودكا» و«الويسكى» انتهاءً بـ«الشمبانيا»..
وفجأة صاح صيحة هادرة بلهجة تمثيلية استرعت انتباه زملاء العنبر فتحلقوا بسرعة حولنا فى فضول.. وقال بالفُصحى: «حاشا لله.. فلن تمتد يدى بتاتاً ألبتة إلى مجرد كتابة أسماء معرّبة لمحرمات الكفار.. بل إنى سوف أسعى سعياً حثيثاً نحو ترسيخ ثقافة التحريم والتجريم والإقصاء.. والمصادرة وفرض الوصاية وإلغاء وجود تلك المحرّمات من على وجه الأرض..
ثم -فجأة أيضاً- انهار باكياً.. وهو يسرع إلى القس، مقبلاً يديه ورأسه فى خزى ومذلة.. وهو يهتف فى توسل ورجاء:
أرجوك يا أبونا.. أن تتوسط لى لدى حكومتنا المؤمنة التقية الرشيدة.. وتبلغهم أننى ليس لدى أى رغبة بتاتاً ألبتة فى دفع «اللجلج».