تكليفات عليا لـ"الوزراء" باستكمال مشروع تطوير الشون الترابية

كتب: محمد السعدني

تكليفات عليا لـ"الوزراء" باستكمال مشروع تطوير الشون الترابية

تكليفات عليا لـ"الوزراء" باستكمال مشروع تطوير الشون الترابية

علمت "الوطن" من مصادر مطلعة، أن مجلس الوزراء صدرت له تعليمات عليا بضرورة استكمال مشروع تطوير الصوامع الترابية والذي شهد تعثرا في الآونة الأخيرة.

وأرسلت هذه الجهات تقريرا مفصلا إلى مجلس الوزراء تطالب فيه وزارة الزراعة وهيئة السلع التموينية بضرورة استكمال المشروع.

وجاء في التقرير "يمكن للمصري أن يستغنى عن أي سلعة غذائية، ولو بصفة مؤقتة، غير أنه ليس بمقدوره أن يغيب رغيف الخبز عن مائدته.. وقد وضع الرئيس عبدالفتاح السيسي برنامجًا للقضاء على الفجوة الغذائية التي تعانيها مصر منذ عشرات السنين لزيادة الرقعة الزراعية والتوسع في زراعة القمح وتقليل الفاقد منه بإقامة صوامع وفق أحدث التكنولوجيا، علاوة على تخفيض أسعار السلع الغذائية الضرورية لمحدودي الدخل داخل وخارج المنظومة التموينية".

{left_qoute_1}

والمتتبع للإحصائيات والبيانات الصادرة من الجهات البحثية المختلفة يجد نفسه أمام حقائق صادمة حيث أن أكثر من ربع محصول القمح المصري الذي يتم تخزينه في "الشون الترابية" يضيع بسبب سوء التخزين نتيجة تخزين أكثر من 75% من إنتاج مصر من القمح في الشون الترابية التي يشتكي منها المزارعون كونها عبارة عن مساحات مفتوحة من الأراضي لا يحميها سوى الأسلاك الشائكة.

كما أن الدولة تضطر لدعم عملية إنتاج الخبز حتى تضمن وصول رغيف عيش بجودة وسعر مناسب للمواطن وتتحمل في سبيل هذا المليارات سنويًا بجانب تحملها أكثر من ملياري سنويًا تكلفة الهدر في التخزين.

{left_qoute_2}

وتعد مصر هي المستورد الأول للقمح على مستوى العالم وتمثل الهيئة العامة للسلع التموينية التابعة لوزارة التموين أكبر مشتري للقمح على مستوى العالم حيث يبلغ معدل الاستيراد السنوي من القمح الموجه لمنظومة الخبز المدعم ما بين 5 إلى 6 ملايين طن، فيما يصل معدل الإنتاج السنوي من القمح إلى 8 ملايين طن، ويمثل محصول القمح 10% من قيمة الانتاج الزراعي في مصر، و20% من نسبة استيراد السلع الزراعية لمصر.

مصر تعاني من فجوة غذائية في القمح

قال الدكتور أحمد فوزي دياب خبير المياه بمنظمة الأمم المتحدة، إن "مصر من أكبر دول العالم فيما يتعلق بزراعة القمح المروي، أي الزراعة بـ"ري الحياض" بمياه نهر النيل، أما في العالم فتعتمد زراعته على الري بالأمطار، وبالتالي فهي زراعة سهلة في بلادنا" ولفت إلى أن معدل استهلاك المواطن المصري السنوي في غذائه لقمح الخبز يصل إلى نحو 180 كجم، وهو معدل مرتفع جدًا، وهذا يتطلب من مصر أن تنتج كل عام نحو 18 مليون طن من القمح سنويًا، غير أن انتاجنا الحالي من الرقعة الزراعية تبلغ 3.6 مليون فدان أي نحو 10.5 مليون طن بمعدل 3 أطنان لكل فدان، وبالتالي مصر بحاجة لاستيراد ما بين 7.5 و8 ملايين طن قمح سنويًا من الخارج بالعملات الأجنبية، وهو يعني أننا نعاني فجوة غذائية وعجزًا في الميزان الغذائي.

{left_qoute_3}

خبراء: خطورة في استمرار اعتمادنا على الاستيراد وتقليل الفاقد أحد الحلول.. والمتحدث باسم الزراعة: ضرورة توفير صوامع جديدة للقمح

ينبه د. نادر نور الدين، الخبير الدولي في الغذاء والحبوب إلى خطورة استمرارنا في الاعتماد على استيراد القمح من الخارج لسد الفجوة الغذائية، وقال: نحن الطرف الأضعف عند استيرادنا القمح فلا نستطيع فرض شروطنا المتعلقة بالسعر وبالمواصفات على من يبيعنا القمح، كما أن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "الفاو" ليس لها علاقة بتخفيض سعر القمح، لأنها ليست منتجة للقمح ولا هي تبيعه، وإنما يُباع القمح وفق العرض والطلب بين الدولة الموردة والدولة التي تشتريه، كما أن البورصات ليس لها علاقة أيضًا بتخفيض سعر توريد القمح لمصر لأنها فقط شاشات لعرض أسعاره.

ولفت عيد حواش المتحدث باسم وزارة الزراعة إلى أن مصر تنتج نحو 8 ملايين طن من القمح سنويًا وهو ما يعني ضرورة توفير صوامع وأماكن تخزين جديدة للقمح، لافتًا إلى أننا نستطيع أن نحقق الاكتفاء الذاتي من القمح وفق المشروع الذي أطلقة الرئيس عبدالفتاح السيسي من خلال التوسع الرأسي والأفقي في زراعته، وقال "لقد نجح علماؤنا في استنباط أنواع جديدة من القمح تعطي إنتاجية مرتفعة تتراوح ما بين 20 و30 أردبًا للفدان".

واعتبرت د. أمل محمود بالمركز المصري لسلامة الغذاء، أن سد هذه الفجوة الغذائية يتطلب زيادة الرقعة الزراعية وتقليل الفاقد من المحصول حيث قالت "إنه على الرغم من أن بلادنا حققت الاكتفاء الذاتي من الأرز والذرة البيضاء والبصل ونحو 80% من الشعير وقصب السكر ونحو 50% من القمح والذرة الصفراء إلا أن الفجوة الغذائية لاتزال قائمة، وسد هذه الفجوة يتطلب زيادة الرقعة الزراعية حيث ينفذ الرئيس مشروع زراعة مليون ونصف مليون فدان، مع تقليل نسبة الفاقد من هذه المحاصيل".

وأوضحت أن فاقد هذه الحبوب يحدث خلال مراحل الحصاد والتوزيع والتخزين والتصنيع، مع ضرورة مراعاة الفترة المحددة لتخزين القمح وهي تتراوح ما بين 4 و8 أشهر مع الحفاظ على نسبة الرطوبة ودرجة الحرارة المناسبتين، أما زيادة هذه الفترة عن ذلك يسبب تلفًا للمحصول وفقدان كميات كبيرة منه.

وبحديث خبراء الزراعة عن ضرورة تقليل الفاقد من محصول القمح تجدر الإشارة إلى انتهاء شركة "بلومبرج جرين" العالمية مؤخرًا من توريد 93 مركزًا للتجميع والمعالجة للحكومة المصرية تمثل المرحلة الأولى من مشروع تطوير الشون الترابية وهي صوامع تكفي لتخزين أكثر من 770 ألف طن من القمح ومازالت تنتظر قرار الحكومة من أجل بدء تنفيذ المرحلة الثانية من المشروع والتي تتضمن 300 نظام شونة إضافية لتصل إجمالي الوفورات السنوية لـ 550 مليون دولار، ورغم تصريحات الوزارة والخبراء حول الحاجة لوجود صوامع جديدة إلا أن وزارة التموين لم تتخذ قرارها بعد في بدء تنفيذ اتفاقية المرحلة الثانية من مشروع تطوير الشون الترابية والتي تهدف لتقليل نسب الهدر في كامل إنتاج مصر من القمح لأقل من 5% ما يعني تقليل كميات الأقماح التي تحتاج أن تستوردها الدولة، وتوافر القمح اللازم لانتاج الخبز محليًا، كما ترتبط المرحلة الثانية من المشروع في مصر بالبرنامج الاستثماري، وقد تضمن عرض "بلومبرج" على مصر إنشاء مقرها الرئيسي بها لخدمة أفريقيا والشرق الأوسط وإدارة جميع عملياتها من مصر، وتنفيذ محطة للتصنيع والتصدير، وهو ما يمثل استثمارات بقيمة 250 مليون دولار وعائد يصل ل 8 مليارات دولار خلال خمس سنوات، وهو المشروع الذي أعلنت الشركة مؤخرًا عن مفاضلتها بين مصر والجزائر لتنفيذه بها.

مشكلات في منظومة إنتاج الخبز الحالية.. أستاذ اقتصاد بالأزهر: تطوير الشون الترابية يقلل من الفاقد ويقضي على سوء تخزين القمح وصرنا نرى خبزًا تموينيًا نظيفًا

يمثل الدعم المقدم لإنتاج رغيف الخبز البلدي حوالي 0.8% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر وتعاني الدولة من مشكلة توفير العملة الأجنبية لاستيراد الأقماح المستخدمة في إنتاج رغيف الخبز، ويبلغ معدل السحب الشهري من مخزون القمح المحلي والمستورد الذي يوجه لمنظومة إنتاج دقيق القمح قرابة 750 ألف طن شهريًا، بإجمالي 9 ملايين طن سنويًا، وتشير الإحصائيات إلى أن متوسط استهلاك الفرد في مصر من الخبز يصل إلى 3.4 أرغفة يوميًا.. وتتحمل الدولة أكثر من 500 مليون جنيه شهريًا هي قيمة السلع المجانية لكل أسرة مقابل الخبز المدعم، ومقابل فروق شراء الخبز المدعم، ليصل إجمالي خسائر الدولة من هذه المنظومة إلى 6 مليارات جنيه، قيمة مستحقات بقالى التموين سنويًا مقابل صرف هذه السلع.

وأوضح الخبراء أن 30% من مخزون القمح يُفقد لسوء التخزين ما يستدعي التفكير في أهمية إنشاء صوامع جديدة ومركز للتحكم والسيطرة لمتابعة مخزون القمح والحركة يومياً تحقيقاً للأمن الغذائي وعن هذا صرح د.محسن البطران، رئيس مركز الدراسات الاقتصادية الزراعية بجامعة القاهرة، أن المشروع القومي للصوامع الذي يتبناه الرئيس عبدالفتاح السيسي أمرًا ضروريًا لرفع كفاءة التخزين اعتمادًا على التكنولوجيا الحديثة بدءًا بالشونات الترابية التي تسبب فاقدًا بنسبة كبيرة.

بينما أكد د.فياض عبدالمنعم أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، ضرورة سد الفجوة الغذائية التي نعانيها في مصر وخاصة بالنسبة للقمح حيث يعتمد المصريون أساسًا في غذائهم اليومي على رغيف الخبز المنتج من القمح، وقال "لابد من رؤية استراتيجية عامة طويلة المدى تنبثق عنها خطط خمسية وعشرية وبدورها تنبثق عنها برامج تنفيذية سنوية وشهرية ويومية، تركز على زيادة الإنتاج المحلي من القمح، وبالتالي تقليل الكميات المستوردة منه سنويًا خاصة أننا نزيد سنويًا بنحو مليوني نسمة".

وأوضح أن زيادة انتاج القمح مرتبطة بالتوسع في زراعته ولكن ليس على حساب حبوب غذائية أخرى مثل: الأرز والعدس والفول ومحاصيل زيت الطعام مثلًا، وهي مرتبطة أيضًا بالتوسع في زراعة أنواع من القمح ذات إنتاجية مرتفعة ومياه قليلة، ويمكن أن نكثف الدورة الزراعية لتمكننا من زراعة ثلاث محاصيل في العام بدلًا من اثنين، ومؤهلاتنا لزيادة إنتاج القمح موجودة فلدينا العقول العلمية الزراعية، والظروف المناخية المناسبة ومساحات الأرض القابلة للزراعة، علاوة على ذلك يجب تقليل نسبة الفاقد في القمح بتطوير الشون الترابية وإقامة الصوامع الحديثة وهو ما بدأت فيه وزارة التموين حيث بدأت هذه الصوامع تقلل فعلًا كمية الفاقد، وتقضي على مشكلات سوء تخزين القمح وصرنا نرى خبزًا تموينيًا نظيفًا يصلح للاستهلاك الآدمي.

د.أحمد فوزي: فاقد القمح يبلغ %30 من المحصول وتطوير الشون الترابية قلل من الفاقد

د.نادر نور الدين: الدولة غير قادرة على استيعاب كمية القمح المحلي التي وردها المزارعون هذا العام

بشأن الفاقد في القمح، قال د.أحمد فوزي دياب خبير المياه بمنظمة الأمم المتحدة "فاقد القمح يحدث خلال ثلاث مراحل هي الحصاد والتداول والتخزين، ويبلغ حاليًا نحو 30% بما يعادل مليارات الجنيهات سنويًا، وإنشاء صوامع أفقية ورأسية وبلاستيكية وتطوير الشون الترابية قلل هذا العام من الفاقد، غير أن الصوامع المتوافرة حاليًا لا تكفي لتستقبل كل الإنتاج المحلي من القمح، حيث لم تستقبل إلا ما يتراوح ما بين 60 و70% من الإنتاج المحلي من القمح أي نحو 5 ملايين طن قمح، في حين أن إنتاجنا المحلي يتراوح ما بين 6 و8 ملايين طن فما بالك بأننا نستورد مثل هذه الكمية سنويًا لتأمين استهلاكنا من القمح.

وعما إذا كانت مصر بوصفها أكبر دولة في العالم استهلاكا للقمح تستطيع فرض شروطها على السوق، أكد أحمد فوزي أن مصر بوصفها "ترمومتر" تجارة القمح بمقدورها أن تفرض السعر والمواصفات والكمية التي تريدها.

ويقلل د. نادر نور الدين، الخبير الدولي في الغذاء والحبوب، من قدرة الدولة على استيعاب كمية القمح المحلي التي وردها المزارعون هذا العام، حيث اضطرت الحكومة لفتح الشون التابعة لبنك التنمية والائتمان الزراعي والشون الترابية كما أعدت أماكن أخرى في المواقع الفضاء في القرى لاستقبال القمح، لافتًا إلى أن الكمية الموردة حتى الآن تصل إلى 4 ملايين و850 ألف طن وهي كمية تقل عن العام الماضي بنحو 750 ألف طن الذي ورد خلاله المزارعون 5.5 مليون طن.

بينما يرى د.أحمد أبو اليزيد، مدير مركز الدراسات والاستشارات الزراعية بجامعة عين شمس، أن الصوامع التي تعمل بالطاقة الشمسية قليلة التكلفة وتستطيع تخزين القمح بطريقة سليمة وتمنع إصابته بالفطريات والحشرات والبكتريا.

لجنة عليا لمسؤوليات التخزين والتوزيع

حول ضرورة وجود لجنة مركزية عليا تتولى مسؤوليات تخزين وتوزيع القمح لتجنب بيروقراطية الشركة القابضة للصوامع وبنك التنمية والائتمان الزراعي والجهات الحكومية الأخرى وبهدف تحقيق الأمن الغذائي للمواطنين، شدد الدكتور أحمد فوزي دياب، خبير المياه بمنظمة الأمم المتحدة، على ضرورة أن تعيد الحكومة من جديد اللجنة الوزارية للخدمات التي تتكون من الوزارات التي لها علاقة بتوفير الأمن الغذائي للمواطنين وعلى رأسه رغيف الخبز، وهي وزارات الزراعة (التي تتولى إنتاج القمح والمواد الغذائية الرئيسية كالأرز والزيت والسكر) والتموين (التي تتولى شراء وتوزيع المواد الغذائية أي الاستهلاك) والتجارة الخارجية (التي تتولى توفير المواد الغذائية التي نعاني نقصًا فيها من الخارج)، موضحًا أن هذه اللجنة يمكن لها أن تضع استراتيجية وطنية موحدة لتوفير المواد الغذائية الضرورية وتحقيق الأمن الغذائي فيما يخص القمح والأرز والسكر وزيت الطعام وباقي المحاصيل، مع تجريم استخدام هذه السلع في غير الغرض المخصص لها خاصة أن البعض يستخدم رغيف الخبز علفًا للحيوانات.

السيطرة على الأسعار

عن زيادة أسعار المواد الغذائية، لفت الدكتور نادر نور الدين إلى ضرورة أن تعتمد وزارة التموين على هيئة السلع الغذائية التي توفر السلع المنتجة محليًا وبأسعار أقل من الحصول عليها من تجار المواد الغذائية الذين يوفرون هذه السلع عن طريق الاستيراد بالعملات الصعبة وبالتالي هم يوردونها لوزارة التموين بأسعار مرتفعة لا تناسب المواطن محدود الدخل، وتؤدي هذه السياسة لركود المنتج المحلي الرخيص.

ويقترح د.فياض عبدالمنعم إصلاح منظومة الأسواق للسيطرة على مشكلة ارتفاع أسعار السلع الغذائية، كما دعا إلى ذلك الرئيس عبدالفتاح السيسي مؤخرًا، ويرى أن منظومة الأسواق بعيدة عن الشفافية، فثمن السلعة لا يرتبط بتكلفتها الفعلية، وثمن السلعة يصب في صالح التاجر وليس في صالح المنتج أو الزارع، مشيرًا إلى إنه لا يدعو بذلك إلى العودة لسياسة التسعيرة الجبرية ولا للنظام الاشتراكي الذي انتهى في العالم.

 

 


مواضيع متعلقة