فاتهن «قطار الزواج» ولم يفت «قطار الحياة»

كتب: إمام أحمد

فاتهن «قطار الزواج» ولم يفت «قطار الحياة»

فاتهن «قطار الزواج» ولم يفت «قطار الحياة»

«ضل راجل ولا ضل حيطة»، عنوان لم يتغير لأسطورة تداولها المجتمع على مدار عقود طويلة، توضح أهمية الرجل فى حياة المرأة حتى لو كان مجرد «ضل»، لكن الأسطورة المستقرة دائماً بطول البلاد وعرضها لم يكن لها أى وجود لدى كثيرات قضين حياتهن بلا رجل، عوانس فاتهن قطار الزواج بحسب وصف المجتمع، و«ستات بـ100 راجل» بحسب وصفهن، تخطين الستين عاماً دون أن يشعرن بنقص أو تعطلهن حاجة، صحيح أن قطار الزواج «فات»، لكن قطار الحياة «لم يفت»، تنقلن بين جميع محطاته من مرحلة الشباب مروراً بمنتصف العمر إلى ما بعد الستين، رحلة بين العمل طوال النهار فى الشارع والوحدة ليلاً بين أربعة جدران.

{long_qoute_1}

«عزة»: «لا ناقصة إيد ولا رجل.. راح حكام وجم رؤساء وأنا فى مكانى عزيزة نفسى.. لا حد شالنى ولا حد قال لى امشى من بيتك»

أستاذة علم اجتماع: العنوسة قد تكون دافعاً لمواجهة تحديات الحياة.. واستشارى نفسى: بعد العقد السادس من العمر تتغير مفاهيم كثيرة

«أنا لا ناقصة إيد ولا رِجل»، قالتها بنبرة واثقة كأنها تملك كل شىء، رغم أنها لا تملك إلا صحتها التى لا تزال بحالة جيدة وهى فى العقد السادس من عمرها، وهذه الشقة البسيطة التى تقيم فيها منذ 40 عاماً التى تتكون من حجرتين صغيرتين ملحق بهما مطبخ ودورة مياه: «ده بيتى من أيام الله يرحمه الرئيس السادات، وأنا قاعدة هنا راح رؤساء وجم رؤساء وأنا فى مكانى، لا حد شالنى ولا حد قال لى امشى من بيتك، الإيجار اللى بدفعه بسيط، بدفع فى السنة 160 جنيه، بس الشقة تعمل أكتر من كده النهارده، لو جدع عايز يتجوز هيدفع ولا 700 جنيه علشان يجيب مطرح كويس»، الست «عزة» التى تسكن فى حى بولاق الدكرور بالجيزة، فى الطابق الثانى من منزل قديم، التحقت بالعديد من الأعمال قبل أن تقرر المكوث فى منزلها، بدأت عاملة نظافة فى أكثر من مكان، وانتهت مربية أطفال فى حضانة ملحقة بمدرسة خاصة: «كنت مبسوطة جداً فى الشغلانة الأخيرة، قعدت فيها أكتر من 12 سنة، آخد بالى من الأطفال وأرعاهم وأحايلهم، كانوا بيقولوا لى: ماما عزة، من كتر ما أنا وهمّا قريبين مع بعض».

كانت مدرجة بالتأمينات أثناء عملها بالحضانة، على عكس الأعمال السابقة التى أدتها بلا تأمين أو حتى مجرد عقد، بعد إنهاء مدة عملها بقرار منها بسبب عملية جراحية أجرتها فى إحدى قدميها، أقامت فى منزلها منذ ذلك التاريخ، لا تربطها أى علاقة إلا بعدد من جيرانها و«أهل الحتة» حسبما أوضحت: «سبت الحضانة بعد العملية، وقعدت فى البيت أصرف معاشى، مع تحويشة صغيرة شايلاها فى البوسطة للزمن، وكام جارة ليّا بيسألوا عنى وأسال عليهم والحمد لله عايشين مبسوطين»، لم تندم أنها قضت شبابها دون أن تتزوج، ترى أن هذه الخطوة مجرد نصيب، كما أن لديها مفهوماً آخر للزواج: «أنا بعتبر نفسى اتجوزت، اتجوزت شغلى اللى كنت شاطرة فيه، والكلمة الحلوة من الناس اللى اتعاملت معاهم وجيرانى اللى بيحبونى وأحبهم، والحمد لله باكل وبشرب وبتحرك على قد صحتى علشان أخدم نفسى، وطالما الإنسان قادر يخدم نفسه يبقى مش محتاج حاجة من الدنيا».

«عزة» مجرد سيدة واحدة من بين طابور طويل يضم 11 مليون امرأة فوق سن الـ35 عاماً لم يتزوجن، بحسب تقديرات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، الذى أشار إلى أن معدل العنوسة فى مصر وصل إلى 17% من الفتيات اللاتى فى عمر الزواج، موضحاً أن مجتمعات الحضر تحتل الصدارة بنسبة 38%، وتليها المحافظات الحدودية بنسبة 30% فيما تنخفض نسبة العنوسة بالوجه البحرى إلى 27.8%، وتأتى محافظات الوجه القبلى فى نهاية القائمة، حيث تصل نسبة العنوسة بها إلى 25%.. الاختلاف فى معدل العنوسة من بيئة اجتماعية إلى أخرى فسرته الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، بمستوى التطلعات والتعقيدات التى تزداد فى مجتمعات الحضر وتقل فى الوجه البحرى والصعيد، مؤكدة أن المشكلات الاقتصادية هى السبب الرئيسى وراء العنوسة، وكلما زادت تعقيدات الزواج انخفضت الرغبة أو القدرة، «سامية» تؤكد أن هذه الظاهرة قد تصيب أصحابها بضعف فى مسيرة الحياة، لكنها قد تكون دافعاً لآخرين لإثبات أنفسهم والتغلب على تحديات الحياة منفردين، تقول: «المرأة بطبيعة الحال لديها إرادة قوية كجزء من تكوين شخصيتها، فإذا فاتها قطر الزواج زى ما الناس بتقول، ممكن تبقى أقوى وأنجح على مستويات تانية فى حياتها، زى الشغل أو علاقتها بربنا أو سلامها مع الآخرين، لأنها تفرغ طاقتها الكبيرة فى هذا الاتجاه فقط، ولا تريد أن تشعر بانكسار أو ضعف مهما كانت الظروف».

الشعور بالانكسار والضعف يبدو كأنه مرحلة تجاوزتها تماماً من هن فى هذه السن، فوق الستين تتغير مفاهيم كثيرة منها «قطار الزواج» الذى يضحَى مجرد مزحة، «يعنى اللى ركبوا القطر خدوا منه إيه؟.. القطارات فى بلادنا بتتحرق وبتتقلب»، تقول «أم إبراهيم» التى لم تتزوج من الأساس، كى تنجب (إبراهيم) أو غيره، توضح: «ده مجرد اسم الناس اتعودوا ينادونى بيه زمان، مكانش نفسى اتجوز، لكن كان نفسى يكون عندى طفل، كان زمانه راجل كبير دلوقتى وعنده أولاد»، الإنجاب هو الميزة الوحيدة من الزواج بحسبها، التى تشعر على فقدانها بالندم، كانت تتمنى أن يكون لها ولد أكثر مما كانت تتمنى الزوج: «أنا عشت حياتى بطولى، والحمد لله مفيش يوم اشتكيت ولا قلت آه، الرجالة كانت على قفا من يشيل، لكن أنا اللى رفضت كذا مرة، أصل الواحدة تاخد راجل بجد أو متاخدش أحسن». ويؤكد الدكتور محمد هانى استشارى الصحة النفسية، أن المرأة بعد 6 عقود من عمرها قضتها وحيدة تزيد قوتها وتصبح أكثر تصالحاً مع هذا الوضع: «صحيح أن الأسرة شىء مهم، لكن كما فاتهم قطار تكوين أسرة، قد لحقوا بقطارات أخرى، مثل العمل أو الدراسة أو تحقيق الذات»، يرى استشارى الصحة النفسية أن المرأة تملك مقومات القوة والضعف فى آن واحد، وبمعدل يفوق الرجل، ما يجعلها تتلاءم وتتكيف مع وضعها فى أغلب الأحيان، بل تثور على بعض المفاهيم التى يفرضها المجتمع، أو كانت هى تؤمن بها من الأساس، فى سبيل تحقيق هذا التكيف الجديد: «العديد من المفاهيم خاطئة، ومنها ضل الرجل بحسب المثال الشعبى الشهير، ولا تنكسر هذه المفاهيم إلا بتجارب من واقع الحياة تثبت عدم صحتها».

عزة


مواضيع متعلقة