من "عنبسة" إلى "الشيخ سيد".. حكاية المسحراتي عند المصريين

كتب: محمد علي حسن

من "عنبسة" إلى "الشيخ سيد".. حكاية المسحراتي عند المصريين

من "عنبسة" إلى "الشيخ سيد".. حكاية المسحراتي عند المصريين

جذب الأسماع بدقاته على طبلته، وأسر القلوب بكلماته وأدعيته، وفاز في آخر الشهر الكريم بأجره وجائزته، أطلق الناس لقب المسحراتي على من يتولى هذه المهمة لأنه ينادي عليهم في السحور أو لأنه يمارس عمله في وقت السحر ويطلقون عليه في بعض الدول العربية "الطبال".

بدأت مهمته تطوعية، وبمرور الأعوام تحولت إلى حرفة موسمية، كان الصحابي الجليل بلال بن رباح أول المجتهدين في هذا الميدان، فهو أول من أيقظ المسلمين للسحور ومن بعده صلاة الفجر، فكان يطوف على أحياء المدينة المنورة ودروبها ينادي على المهاجرين والأنصار بصوته العذب الندي للاستيقاظ للسحور. وكان عبدالله بن أم مكتوم يؤذن لصلاة الفجر في شهر رمضان بعد نصف ساعة تقريبا من نداء بلال بن رباح.

وكان أحد أبناء مكة المكرمة يصعد إلى أعلى المسجد الحرام يحمل مصباحين وينادي على الناس ومن لم يسمع أو يتأكد يرى ضوء المصباحين يعرف أن موعد السحور قد حان.

بدأت الأدعية والتواشيح في الظهور على ألسنة المسحراتي خلال العصر العباسي، وكان عنبسة بن إسحاق الضبي والي مصر يجوب شوارع الفسطاط على قدميه ينادي على الناس طوال شهر رمضان، ويردد قول النبي "تسحروا فإن في السحور بركة"، وكان عنبسة آخر أمير يصلي بالناس في مسجد عمرو بن العاص.

وفي العصر المملوكي اهتم السلطان الظاهر بيبرس بالمسحراتية، وكان ابن نقظة أشهر المسحراتية في عصر الملك الناصر يوقظه ويوقظ الناس.

وطبلة المسحراتي لها شكل معروف، صغيرة ومستديرة مغلقة تقريبا من أسفل "البازة"، يضرب عليها بشريط من الجلد. وكان الإيقاع بطيئا في أول الأمر، وازدادت سرعته مع زيادة الأعداد وامتداد المسافات.

يقسم "المسحراتية" أماكن عملهم إلى أقسام يقوم كل منهم بمهمته في شوارعها وحواريها، وتخصصت بعض الأسر في هذه الحرفة، وامتدت إلى أبنائها عبر الأجيال، دخلتها النساء في المدن الكبرى والقرى الصغيرة أحيانا للسعي على رزق الأطفال الصغار الذى مات والدهم.

حين يجور بعض المسحراتية على مناطق زملائهم يعترضون عليهم، ومن هنا جاء المثل الذي يقول "بيطبل في المطبل"، وفي العصر الحديث ركب بعض المسحراتية الدراجات، وبعضهم ينادي على أسماء الكبار والصغار، وفي صباح العيد يمر المسحراتية، يجمعون ما تجود به أيدي الصائمين.

الموسيقار الراحل الشيخ سيد مكاوي هو أشهر مسحراتي في العصر الحديث، على امتداد الساحة العربية، وقدم إبداعه في هذا المجال من خلال الإذاعة المصرية، في هيئة مقطوعات زجلية للشاعر الكبير فؤاد حداد.

 

 


مواضيع متعلقة