د. يحيى الرخاوى يحلل: القرار من «الإرشاد».. والتنفيذ فى «الرئاسة»

د. يحيى الرخاوى يحلل: القرار من «الإرشاد».. والتنفيذ فى «الرئاسة»
انتقادات كثيرة نالت من أداء الرئيس محمد مرسى، خلال الشهور الستة الأولى لحكمه، لكن أبرزها، كان اتهامه بـ«التبعية»، سواء للرجل الأقوى فى جماعة الإخوان خيرت الشاطر، أو محمد بديع مرشد الجماعة، أو التبعية للجماعة نفسها ككيان تنظيمى أو ذراعها السياسية (حزب الحرية والعدالة).
دعّمت تلك الصورة الذهنية السلبية التى ترسّخت سريعاً فى أذهان المصريين، تصرفات عديدة للرئيس، مثل التراجُع المستمر عن كثير من القرارات، مما جعل البعض يعلق عليها قائلاً: «لو كان هو مصدرها، لخرج للشعب يوضح ويعلل سبب اختياره، لكنه أمام الضغط يتراجع سريعاً».
وللشخصية التابعة عدة أنواع وسمات، يميزها الدكتور يحيى الرخاوى، أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة، قائلاً: «الشخصية التابعة ليست نوعاً واحداً من الشخصيات، لكنها تتضمن عدة أنواع، أذكر منها الشخصية الاعتمادية (المعتمدة)، والشخصية التابعة بالعدوان السلبى (السلبية الطفيلية)، والشخصية المتلونة (وتسمى أحياناً شخصية «كان») «As-IF» personality، وهى التى تتلون بالمحيطين بها دون أن تدرى، وكل هذه الأنواع تعتبر سمات عادية، وإن كانت مضطربة وليست مرضية بالضرورة، إلا إذا وصلت إلى حد إيذاء الذات أو الآخرين، وعادة، أو المفروض، ألا يتحول الإنسان إلى التبعية إلا بعد (أزمة وجود) تصل إلى حد المرض المصحوب بالرعب، وبالتالى عدم الأمان، فتصبح التبعية هى مصدر أمان من الخارج على حساب نمو هذا الإنسان المرعوب».
حالة التبعية لا تصيب الأشخاص العاديين وحسب، لكنها تصيب الرؤساء أيضاًً. ويؤكد «الرخاوى» ذلك قائلاً: «يمكن أن يُصاب الرؤساء بالتبعية، لكن فى الخفاء عادة، فمن ذا الذى يتصور أن جمال عبدالناصر كان يمر بمثل ذلك فى علاقته بعبدالحكيم عامر، ومن يتصور أن هزيمة 1967 كانت نتيجة لذلك، هذا فرض وارد، ومن يتصور أن أوباما ليس إلا تابعاً لسورس إمبراطور الحكومة العالمية المالية، نحن لا نرى من الحكومات إلا ظاهر اللاعبين على المسرح، أما الذى يُحرك الخيوط فهم أخفى من أن نميزهم عادة. والتبعية المطلقة دون رويّة أو استيعاب لشخصية من يشير بالرأى وأغراضه الظاهرة والخفية هى خطر أكيد، والخطر يُقاس بمدى الأذى ومدى عدم إمكان رفع هذا الأذى، فالتبعية التى تشوّه مؤسسة شامخة مثل مؤسسة القضاء المصرى، أو تجوِّع عدداً هائلاً من فقراء الشعب هى الخطر كل الخطر، مهما كانت مبررات تسريع الاستشارة».
فى حالة الرئيس مرسى -وحسب الدكتور الرخاوى- فإن الرجوع المتكرر عن القرارات له دلالة خاصة يوضحها بقوله: «الرجوع عن القرارات ليس عيباً فى ذاته، حين يكون القرار بعيداً عن الحق والعدل، فيكون الرجوع إلى الحق فضيلة، أما أن تكون هذه السمة هى الغالبة كما لاحظنا فى الشهور الأخيرة بالنسبة للرئيس، فالأرجح أن نفترض أن مصادر القرارات كانت متعددة، وغير متزامنة، أى إنها وصلت تباعاً، واستجاب لها الرئيس تباعاً أيضاًً، دون فحص كافٍ، وبالتالى ظهر التراجع سمة غالبة، لا عيب فى أن يكون المرء تابعاً، لكن بمحض إرادته، وفى ظروف خاصة، ولمدة قصيرة، فسيدنا موسى، عليه السلام، حين احتاج إلى أخيه هارون، دعا الله أن يدعمه بأخيه حتى تمر أزمة مؤقتة، إذن ليس المفروض أن نرفض التبعية على طول الخط، بل علينا الاعتراف بها، ونعلنها، كما ينبغى أن نحدد عمرها الافتراضى قبل أن نسلم قيادنا لها، أما إذا اختفت كل هذه الشروط، واستمرت التبعية فى السر، وتصور التابع أنه القائد مع أنه تابع تماماً، فهذه هى المصيبة الكبرى».
ويفسر «الرخاوى» الشعور العام الذى يُسيطر على قطاع كبير من المواطنين بعدم الثقة فى أن الرئيس هو الحاكم الفعلى، بقوله: «هناك احتمال أن يكون لعدم الثقة هذه فائدة غير مقصودة، ذلك أن فرط الثقة فى زعيم ملهم أو رئيس معجزة، يجعل الناس ينتظرون حلولاً سحرية من هذا الرئيس الذى ليس كمثله أحد، لكن إذا سمحت أخطاء الرئيس -فى حدود الأضرار الطفيفة- أن تقلل من الهالة حوله ومن تقديسه، يصبح رصد نقصه، حتى نقده، مفيداً للناس، وربما له، إذا كان يُحسن الإنصات إلى النقد ويستفيد منه، واستخدام الرئيس عبارات وتعبيرات غير شائعة، يشترك فيها مع مرشد جماعة الإخوان المسلمين، مثل (الحق أبلج والباطل لجلج)، بدلاً من التعبير الأكثر تواتراً (جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقاً)، فإن هذا لا يمثل تبعية، بل إن كثيراً من المصريين استقبلوه بدعابات لطيفة على (الفيس بوك) وغيره، حتى إننى مثلاً أضفت إلى القول ما يكمله: (الحق أبلج، والباطل لجلج، والحكم رَجْرَج)، فى إشارة إلى هُلامية كيان الدولة وضبابية موقفها، أما توارُد هذا التعبير عند المرشد والرئيس، فليس فى حد ذاته دليلاً على التبعية».
ولا يقلل «الرخاوى» من الخطر الذى تمثله الشخصية التابعة على مستقبل البلاد والعباد، خصوصاً إن كانت شخصية كبرى فى مقام رئيس الجمهورية، لكنه ومع ذلك هناك أمل دائماً، يتحدث عنه أستاذ الطب النفسى بقوله: «الأمل دائماً موجود لو جرى تغيير إيجابى فى هذا الرئيس من واقع التجربة والتعلُّم من الأخطاء، لكن حتى هذه اللحظة يبدو الأمل بعيداً، بل العكس هو الاحتمال الأرجح».
الأخبار المتعلقة:
المطيع.. «عباد الشمس» يميل دائماً إلى «المقطم»
فى السينما.. من «أمينة سى السيد» إلى «عماد حمدى».. الرضا بـ«الذل» أمر وارد
الرئيس والجماعة «الولاء للتعليمات»