للدولة.. لا لـ«عكاشة» أو «مرتضى»

نشوى الحوفى

نشوى الحوفى

كاتب صحفي

لا تعنينى حالة الاتحاد التى جمعت الإعلام على نائب البرلمان توفيق عكاشة، فانقلبوا ضده بعدما جمعتهم مائدة مصالح واحدة تحت مسمى الوطن، فاجتمعوا على قلب رجل واحد، لكشف فساده منذ زمن طويل وعرض مشاهد تقبيله يد صفوت الشريف، أو عمالته لإسرائيل التى استقبل سفيرها فى بيته بفخر ونشر معلومات لا يعلم أحد صحتها عن تاريخ عائلته فى خيانة الوطن، ولا ابتزازه لرجال أعمال للحصول منهم على أموال طائلة، أو بحثهم فى صحة قواه العقلية، فكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه، وكلهم مُساءل عن كلمته أمام الله. لكن ما يعنينى هو ذلك الخبر الذى تناول بحث المسئولين فى مؤسسات الدولة عن صحة شهادة الدكتوراه التى ادعى «عكاشة» حملها منذ سنوات من إحدى الجامعات الأمريكية، بينما يعانى الأمية الإنجليزية، وإحالته إلى القضاء بتهمة التزوير!!!

وكأن المؤسسات فى بلادى لم تكن تعلم كذب الادعاء والمُدعى، وكأن المؤسسات لم تكن تغض الطرف باختيارها ووعيها، وكأن «عكاشة» لم يكن مدعواً فى كل الاحتفالات الرسمية، وكأن «عكاشة» كائن فضائى تفاجأت به تلك المؤسسات بين عشية وضحاها ليمارس حالة فى الإعلام جمعت بين صحيح المعلومة فى بعض الأحيان وفساد الأسلوب طوال الوقت، فى سابقة إعلامية أسهمت فى اضمحلال السلوك ونشر التطاول والابتذال فى الحوار على الشاشة، شأنه شأن غيره ممن يدّعون نزاهة الكلمة، بينما يمارسون التغييب والتجهيل وابتزاز الوطن والمواطن.

نعم أؤمن بدولة القانون وأنادى بتطبيق العدالة على الجميع، وأطالب بقوة، بفكر المواطنة، لكننى أربأ بمؤسسات بلادى أن تتعامل بهذا الأسلوب الذى يبعث على الشك فيها وفى ما تقوم به، تماماً كما يحدث الآن مع النائب مرتضى منصور الذى يعلم القاصى والدانى أسباب استبعاده من سلك القضاء، لسوء سلوكه، ويعلم القاصى والدانى سيرته الذاتية فى المحاماة، وعدم احترامه مبادئ القانون التى استغلها لصالح من يدفع، ويعلم القاصى والدانى الحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، فى قضية التعدى على أحد مستشارى الدولة فى مكتبه، ويعلم القاصى والدانى تدنى لفظه وابتذال قوله وفعله وفُجره فى الخصومة، لكننا اليوم اكتشفنا كل هذا وبدأنا فى عرض سيرته وفعله وكأننا صحونا فجأة أيضاً على سوء مسلكه وسمعته وسيرته!

ليكون السؤال: وأين القائمون على تفعيل القانون فى بلادى منذ أن بزغ نجوم الكاذبين والمدّعين لدحض ادعاءاتهم بسلطة القانون؟ وأين كانت مؤسسات الدولة من هؤلاء وغيرهم آخرين فى مجلس الشعب نعلم الحكم عليهم بعقوبات قضائية، ورغم ذلك قُبلت أوراقهم وعضوياتهم؟ وأين مؤسسات بلادى من هؤلاء وهم يمارسون الفساد قولاً وفعلاً حتى ظنوا بأعناقهم مُطاولة السماء وامتلاك نواصى أمورهم وأمور من يريدون به خيراً أو شراً؟ وأين الدولة من آخرين يعلم الجميع فسادهم ومخالفتهم للقانون ذاته؟ وأين الدولة من آخرين لا يختلفون عن «عكاشة» و«مرتضى» إلا فى الأسلوب؟ والأهم ماذا نتوقع من مواطن بات يتابع تلك الأمور بمنطق أن مؤسسات الدولة تترك من تريد، يفعل ما يريد، لتوقيت معين تُحدده وتقرره وفق رؤيتها وحاجتها إليه؟

لا أستريح لتفسير يُردّده البعض بأن الوقت عامل حاسم فى كشف الوجوه وتساقط الأقنعة، بنفس ذات المنطق الإنجليزى «دعه يلف الحبل حول رقبته». ففى ذلك إخلال بدولة القانون، وإزهاق لروح الأمل، وتشكيك فى قيم النزاهة والشفافية التى يجب أن تسود، وتفعيل لمبدأ القانون الذى يمشى على سطر ويترك سطراً، وفقاً لرؤية منفذيه، لا وفقاً لسلطان العدالة. لذا وفى وقت ليس أمامنا فيه من طريق سوى البناء، علينا إدراك نتائج ما نفعل على المدى البعيد، وأن تلك السياسة لن نجنى من ورائها سوى تساقط هيبة القانون، والقائمين على تنفيذه.

فيا سادة، إن أردتم السلام فانشروا العدل بين الناس، عاقبوا المذنب وإن صغُر جُرمه، وأثيبوا المصلح وامنحوه المكانة. اجعلوا الثقة عنوان العلاقة بين المواطن ومؤسسات بلاده ولا تتلاعبوا بقيم وفق ما تريدون، وأينما تريدون، فما هكذا تُبنى الأمم وما هكذا تحيا.