سد النهضة ومجلة «سينس» الدولية (1 - 2)

فوجئت يوم الأربعاء 17 فبراير 2016 برسالة إلكترونية من السيد إيريك ستوكستاد، مراسل مجلة سينس (Science Magazine)، وهى أشهر وأعرق مجلة علمية عالمية، وتمثل قبلة للعلماء للنشر فيها سعياً وراء الشهرة والإنجازات. وذكر السيد «إيريك» فى رسالته أنّه يعدّ مقالاً عن تداعيات سد النهضة للنشر فى المجلة، وأنّه يريد إجراء مقابلة تليفونية معى حول هذه التداعيات، لتضمين وجهة نظر مجموعة حوض النيل المصرية فى المقال. وأضاف السيد «إيريك» أنّ موعد تسليم المقال للمجلة اليوم التالى الخميس 18 فبراير، وأنّه من الضرورى أن تكون المقابلة اليوم الأربعاء، فأرسلت له بموافقتى على المقابلة التليفونية لتكون فى التاسعة مساءً. وفى الموعد المحدد اتصل بى السيد «إيريك» من العاصمة الإنجليزية لندن، فذكر أنّه يعلم أنّنى منسق لمجموعة حوض النيل المصرية، وأنّه لديه بعض الاستفسارات عن بيان مجموعة حوض النيل الصادر فى 2013 عن تداعيات السد على مصر. وكنت أنا وزملاء آخرون فى المجموعة قد أجرينا العديد من المقابلات التليفونية والتليفزيونية والإذاعية مع وكالات أنباء إنجليزية وألمانية وأمريكية وصينية وروسية وغيرها حول آراء مجموعة حوض النيل ورؤيتها لأزمة سد النهضة، ولكن هذه أول مجلة علمية دولية تهتم بآراء مجموعة حوض النيل حول الأزمة. ودار وقتها فى خاطرى الفرق بين اهتمام الخارج سياسياً وعلمياً بمجموعة حوض النيل المصرية الوطنية، وبين الوضع فى مصرنا الحبيبة حيث يتفرغ أحد المسئولين لإرسال بلاغات للنائب العام ضد أعضاء المجموعة للنيل من شرفهم ومهنيتهم.

وسألنى السيد «إيريك»: لماذا ذكرت مجموعة حوض النيل أنّ التداعيات الوخيمة لسد النهضة على مصر لا تقتصر فقط على سنوات ملء السد بالمياه بل تمتد بعد ذلك لفترات طويلة وتتفاقم أثناء سنوات الجفاف؟ فأجبته بأنّ سعة سد النهضة 74 مليار متر مكعب، وأنّه أثناء الملء الأول للسد سيتسرب جزء من المياه المخزنة إلى باطن الأرض مكونة حوضاً جوفياً أسفل بحيرة التخزين، وتقدّر فواقد التسرب بحوالى 10 - 15 مليار متر مكعب، وبالتالى فإنّ إجمالى حجم المياه المطلوب لملء السد وخزانه الجوفى سيكون فى حدود 85 - 90 مليار متر مكعب. واستطردت قائلاً إنّه أثناء سنوات ملء بحيرة سد النهضة سيقل إيراد النهر السنوى لمصر بمقدار ما يتم حجزه فى البحيرة، وسيستمر هذا النقص فى إيراد النهر إلى أن يتم الانتهاء من ملء بحيرة سد النهضة والخزان الجوفى. وللتغلب على هذا النقص فى إيراد النهر أثناء سنوات الملء، ستضطر مصر إلى صرف مقدار معادل لهذا النقص من المخزون المائى للسد العالى. وعند الانتهاء من ملء سد النهضة، سيكون قد تم سحب معظم أو كل المخزون الحى للسد العالى، الذى تبلغ سعته القصوى 90 مليار متر مكعب. وبالتالى فإنّ ملء سد النهضة سوف يؤدى إلى تفريغ السد العالى من المياه، وسوف ينخفض إنتاج السد العالى وخزان أسوان من الكهرباء من عام لآخر حتى تتوقف التوربينات تماماً مع نهاية ملء سد النهضة. وأضفت أنّه إذا تصادف ملء سد النهضة مع سنوات جفاف، فسوف تتضاعف تداعيات سد النهضة على مصر، وقد يتم تفريغ مخزون السد العالى قبل سنوات من الانتهاء من ملء سد النهضة. وشرحت لمراسل مجلة سينس الدولية أنّه بعد الانتهاء من ملء سد النهضة، إذا جاءت سنوات فيضان منخفضة (دورة جفاف) فلن يكون هناك مخزون متوافر فى السد العالى ليقى مصر من ويلاته، وسوف تعانى مصر من عجز مائى كبير، كما كانت قبل إنشاء السد العالى، سيتسبب فى بوار مساحات كبيرة من الأراضى الزراعية، وانكشاف بعض محطات مياه الشرب ومآخذ مياه المصانع على امتداد النيل، وسيؤدى إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية بالوادى والدلتا، وإلى زيادة تلوث وتملح البحيرات الشمالية ممّا يهدد المزارع السمكية، وإلى تملح فى أراضى شمال الدلتا، بالإضافة إلى تناقص كبير فى إنتاج كهرباء السد العالى وخزان أسوان. فسألنى السيد «إيريك» عن وضع الفلاح المصرى عند بوار أرضه نتيجة عدم توافر مياه الرى؟ فذكرت له أنّ الفلاحين المصريين هم الركيزة الرئيسية لاستقرار مصر بالرغم من مشاكلهم الحياتية المتعددة وانخفاض دخولهم. وأنّ عائلة الفلاح لا يقل عددها فى المتوسط عن 7 أفراد، بينما حيازته من الأرض، سواءً بالملك أو بالإيجار، فى حدود فدانين أو ثلاثة فى المتوسط. وأنّه إذا حدث عجز 5 مليارات متر مكعب فى المنصرف من السد العالى، سوف يؤدى إلى بوار مليون فدان، أى قطع رزق 350 ألف أسرة من الفلاحين، أى حوالى 2 مليون مواطن سيصبحون بلا دخل، ممّا يمثل عبئاً كبيراً على الدولة، بالإضافة إلى فقدان إنتاج مليون فدان زراعى فى ظل وجود فجوة غذائية فى البلاد تبلغ 7 مليارات دولار سنوياً. فسألنى السيد «إيريك»: ماذا سيحدث إذا استخدمت كل من إثيوبيا السودان مياه السد فى الزراعة؟ وكانت إجابتى أنّ هذا احتمال غير مستبعد، بل هو معلن رسمياً من الدول المعنيّة، وأنّ المياه التى سوف تستخدم فى الزراعة سوف تمثل خصماً إضافياً ودائماً من إيراد النهر إلى مصر، مما يزيد الوضع سوءاً وصعوبة على مصر.

وعلّق السيد «إيريك» بأنّه ستكون هناك سنوات فيضان عالية قد تعيد ملء بحيرة السد العالى مرة ثانية، ويتحسن الوضع المائى فى مصر. فذكرت له أنّ الدراسات المصرية والأمريكية والأوروبية فى هذا المجال انتهت إلى أنّ السد العالى لن يستطيع العودة مرة ثانية إلى كامل سعته التصميمية، وأنّ مخزونه الحى سوف يقل من 90 مليار متر مكعب حالياً إلى أقل من 60 مليار متر مكعب، وفى الأغلب لن يحدث ذلك قبل عدة عقود من الزمان. وشرحت أنّ نقص المخزون الحى للسد العالى سوف يسبب انخفاضاً دائماً فى إنتاجه من الكهرباء فى حدود 25 - 30% سنوياً، بالإضافة إلى عدم قدرة المخزون المائى على توفير حماية كافية لمصر من غوائل سنوات الجفاف. فسألنى المراسل عن مقدار النقص فى إيراد النهر الذى يحدث أثناء دورة الجفاف؟ فذكرت له أنّ أحدث دورة جفاف واجهتها مصر كانت أثناء الفترة 1979 - 1988. واضطرت مصر وقتها إلى استخدام مياه أقل من حصتها المائية، بالرغم من أنّ السودان فى ذلك الوقت لم تكن تستخدم كامل حصتها المائية. وبنهاية هذه الفترة كان المخزون المائى للسد العالى على وشك الانتهاء وكادت توربيناته أن تتوقف، وكان نقص إيراد النهر فى هذه الفترة حوالى 130 مليار متر مكعب، أى حوالى 15 مليار متر مكعب سنوياً.. واستمرت أسئلة المراسل!!