استدعيت اللحظة لكى أسطر غيضاً من فيض مشاعرى، وأمسكت بقلمى لأصف لكم تفاصيل هذا اللقاء الذى منح حياتى سطوعاً متجدداً، وأهدانى سعادة وبهجة فاقت أحلامى، لكننى أيقنت فجأة أننى مهما بحثت فى قواميس اللغة، وفتشت بين مفردات المعانى، لن أجد الكلمات والعبارات التى يمكن أن تصف نشوة هذا اللقاء، أو لذة تلك اللحظات التى اختلستها من عمر الزمن لكى تصافح عيناى المياه الممزوجة بقطرات عرق الأبطال، ويحتضن فؤادى الرمال المحمولة بسواعد رجال شقوا قلب الصحراء، وأشهد بشائر حلم تحول إلى واقع تعجز الكلمات عن وصفه، وإنجاز مشفوع بصور الإصرار والعزيمة والإرادة والتحدى. لقد أدركت، وأنا على متن رحلتى أبحر بين ضفتى قناة السويس الجديدة، كيف تتحقق المعجزات فى زمن عزت فيه الإنجازات، وكيف تُصنع المستحيلات فى وقت فاض بالتحديات والمخططات والمؤامرات، وأيقنت أنه صار من حق كل مصرى اليوم أن يعيش أجمل معانى الزهو والفخر والعزة، وهو يرى هذا المشروع الوطنى العظيم الذى غيّر الجغرافيا والتاريخ، وأعاد رسم خريطة العالم. من حقنا أن نفخر بالإنجاز الذى حققه جيش مصر وعمالها فى زمن قياسى، سجل معدلاً جديداً فى الموسوعات الدولية، وجاء بمستوى من الكفاءة يثبت أن أحفاد الفراعنة ما زالوا قادرين على أن يدهشوا العالم، ويصنعوا من قناتهم مجرى ملاحياً يسمح بعبور السفن الدولية العملاقة فى اتجاهين «رايح جاى»، ليضاعف حركة مرور السفن، ويوفر ساعات الانتظار الطويلة أمام حركة التجارة العالمية، حتى يصل الغذاء والدواء والوقود فى وقت أسرع لكل إنسان فى الدنيا. بات من حقنا أن نفرح بهذا المشروع القومى العظيم الذى أُنجز بأموالنا ومدخراتنا، ودون أن نقترض دولاراً واحداً من الخارج، لكى يضاعف من إيرادات القناة، ويفتح الباب أمام المشروعات الكبرى فى شرق الإسماعيلية، والجانب الشمالى من شرق التفريعة، ومنطقة غرب القناة، ويساهم فى فتح الباب لتصدير المنتجات المصرية، وتوفير فرص عمل للشباب، ويضع مصر على خارطة الاستثمارات الدولية.
أصبح من حقنا أن نسعد ونبتهج بنجاح التشغيل التجريبى للمجرى الملاحى الجديد، وعبور أول قافلة بحرية تضم ثلاث سفن عملاقة بقناة السويس فى ذكرى التأميم، لنضيف عبوراً وانتصاراً جديداً لسجل التاريخ المصرى، ونُخرس ألسنة أعداء الوطن الذين روّجوا الشائعات المغرضة والأخبار الهدامة للنيل من المشروع وعوائده، وندحض أكاذيب الإخوان وأعوانهم الذين شككوا فى قدرات قواتنا المسلحة على إنجاز هذا المشروع القومى العملاق فى ذلك الزمن القياسى. من حقنا أيضاً أن نزهو ونتباهى بتعليقات الإسرائيليين على مواقع التواصل الاجتماعى التى عكست الصدمة وعدم التصديق، وأظهرت خيبة الأمل التى جعلتهم نادمين على إعادة سيناء، وأشعلت عاصفة من الانتقاد والهجوم على رئيس الوزراء وحكومته، وصلت إلى حد اتهامهم بالفساد والثرثرة وافتقاد الرؤية، وجعلتهم يطالبون قادتهم بتعلم الإنجاز والعمل من المصريين، ويرون أنه من العار أن تتحدث حكوماتهم لمدة 40 عاماً عن مترو الأنفاق، ويستغرق تنفيذ مشروع القناة الإسرائيلية التى تربط البحر الأحمر بالبحر الميت 60 عاماً، فى حين تشق مصر قناة جديدة فى عام واحد وتدشن عاصمتها الجديدة خلال عامين! من حقنا أن نبتهج ونقيم الأفراح والاحتفالات وندعو الأصدقاء ليشاركونا سعادتنا بهدية أم الدنيا لكل الدنيا، وأن نزهو ونفخر بتلك الهدية التى ستنطلق من أجلها أبواق وصفارات السفن المبحرة من جميع الموانئ حول العالم، حين يعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى رسمياً بعد أيام قليلة بدء تشغيل القناة الجديدة أمام ملوك ورؤساء وضيوف الحفل العالمى. من حق مصر أن تفرح رغم أنف الحاقدين وكيد الكارهين.. وطوبى لمن أخلص فى عشق الوطن.. ولم ينتظر مكافأة عن عشقه.