تعود العرب من أمريكا أسوأ معاملة بينما يمنحونها أفضل معاملة. تسيطر على البترول والقرار العربى، لكنها تفضل إسرائيل عدو العرب الأول، والتى كانت أول دولة تعترف بها فى 14 مايو 1948.
فى الأسبوع الماضى كررت أمريكا رفضها انضمام فلسطين إلى عضوية الأمم المتحدة. استخدمت الفيتو لمنع صدور قرار مجلس الأمن الذى وافق عليه 12 عضواً من 15 عضواً هم أعضاء مجلس الأمن.
صوتت دول حليفة وقريبة من أمريكا لصالح ضم فلسطين لكن أمريكا رفضت، رغم أنها تعلن عن رغبتها فى الاعتراف بفلسطين كدولة!! كان رد الفعل العربى الاستنكار والأسف لموقف أمريكا.
لكن لا أحد اتخذ قراراً مادياً ضدها. أمريكا ترى أن إسرائيل لها الحق فى كل ما تفعله دفاعاً عن النفس بينما ترى أن الفلسطينيين إرهابيون، هكذا الانتقائية الأمريكية.
منذ وقت قريب قصفت إسرائيل القنصلية الإيرانية فى دمشق ولم يصدر عن مجلس الأمن قرار إدانة ضد إسرائيل رغم أن القنصلية أرض إيرانية، وعندما ردت إيران رداً غير مؤذ قرر مجلس الأمن معاقبة إيران!! ومن قبل فشل الغرب فى إدانة روسيا بعد دخولها أوكرانيا و«طأطأ» حلف الناتو رأسه منسحباً تاركاً الدب الروسى يفعل ما يشاء.
للانتقائية تاريخ طويل فى السياسة الدولية بعد أن سيطر مبدأ الصراع بين الخير والشر عليها ولم تعد التمنيات بالالتزام الأخلاقى موجودة، وصارت العلاقات الدولية صراعاً بين الأخيار والأشرار، والمطالبة بالحلول العادلة واستبعاد الحلول الواقعية المعيبة.. سبباً فى زيادة معاناة الضحايا.
درج المنظرون على تعريف السياسة الواقعية بأنها التى لا تأخذ بعين الاعتبار الجوانب الإنسانية والأخلاقية. لكن هناك من يرى أن السياسة اللا واقعية لن تمنح الشعوب التى تعانى أى مساعدة حقيقية.
فى عام 1956 كانت الدول الغربية تنفخ فى المجمرة المجرية لأجل تقوية التمرد المعادى للاتحاد السوفيتى، فاندفع قادة المجر بالأوهام التى غذتها الكلمات الأمريكية المعسولة وألغوا معاهدة حلف وارسو من جانبهم وإعلان حياد البلاد، فقام السوفييت بسحق المظاهرات المجرية خلال أيام، ولم ينجد أحد المجر.
إن الإدانة الانتقائية أحد ثوابت العلاقات الدولية، لذلك على الأطراف ألا تتمادى كثيراً فى المطالبة بمواقف أخلاقية، وإذا كانت أمريكا أول دولة تعترف بإسرائيل فإنها لن تغير موقفها لأسباب أخلاقية.
فى أرشيفى من الصحف القديمة وثائق عن حرب أكتوبر ووقوف أمريكا والغرب عاجزين عندما حظر العرب تصدير البترول، بل طلب كيسنجر من وزير خارجية بريطانيا استرضاء العرب لكى يعيدوا ضخ البترول إلى الدول الغربية.
التفرقة فى المعاملة وانتقائية الإدانة كانت مجسدة عندما قُضى على نصف مليون إنسان فى رواندا فى مذابح جماعية ولم تتدخل أى دولة إنسانياً، لكن فظائع دولة يوغوسلافيا السابقة حركت الغرب لأنهم أوروبيون.
وهو نفس ما حدث عندما هبت أوروبا مذعورة بسبب ما حدث فى أوكرانيا ونزوح اللاجئين إلى الدول المجاورة، بينما رفضوا من قبل استقبال اللاجئين السوريين لأن الأوكرانيين عيونهم زرقاء مثل أهل أوروبا.