حادث السيارة الجيب!
كانت السيارة فى طريقها إلى المخبأ الجديد الذى من المقرر أن يُخفى عن أجهزة الأمن أسلحة وقنابل، والأهم هو كشوف أسماء أعضاء الجهاز الخاص لجماعة الإخوان ممن تدربوا على السلاح وعلى الاغتيال.. على القتل.. أو جيش الإسلام كما كان يسميه قائده الشهير السندى!
وصلت السيارة أخيراً إلى حى الوايلى، وتحديداً فى المنزل رقم 38 شارع جنينة القوادر، وكان بالصدفة يقف أمامه أحد مخبرى البوليس يُدعى صبحى سالم الذى كان على خلاف دائم مع الساكن الإخوانى واسمه محمود على إبراهيم الذى اعتقد أن السيارة تخصه وكان اعتقاده صحيحاً.
ولفت انتباهه أن السيارة بلا أرقام فمارس دوره البوليسى بالسؤال الذى تحول فجأة إلى تفتيش.. من عينة التربص التى تتم دون أن يدرى ما تحويه السيارة من صيد أمنى ثمين.. ولم تلفت نظره الملفات.. هى بالنسبة له مجموعة «دفاتر» ليس أكثر!
كان التحجج بعدم وجود أرقام دافعاً موضوعياً، لكنه فجأة اكتشف وجود أسلحة..!
صرخ الرجل فى محاولة ذكية لاستدعاء المارة ووضعهم فى موضع الشهود على السيارة ومن فيها.. وهو ما جرى فعلاً.. ولكن هرب أصحاب السيارة على الفور.. وتركوها بما فيها.. لكن كانت هناك صيحة أذكى للمخبر صبحى.. حيث صرخ قائلاً: صهاينة! نظراً لأعمال إرهابية نُسبت لتنظيمات صهيونية نشطت وقتها.. وقت إعلان دولة العدو.. مما شجع الأهالى على مطاردة أصحاب السيارة.
وقُبض عليهم بالفعل عدا إخوانى آخر كان فى السيارة يُدعى طاهر عماد الدين.. فر إلى منزل القيادى الإخوانى والمرشد لاحقاً مصطفى مشهور فأخبره بما جرى.. فجمع مشهور متعلقات بشقته فى حقيبة سفر كبيرة وأبلغ أسرته أن أعضاء بالجماعة يأتونه بعد قليل وأن عليهم فتح الغرفة الجانبية للشقة من بابها الخارجى ودعوتهم لانتظاره!
لم يكن الأمر إلا اجتماعاً تنظيمياً.. ومن سوء حظ مشهور وجماعته أنه سار بالصدفة فى الطريق الذى ضُبطت فيه السيارة!! فاستوقفه رجال الأمن وفتشوا حقيبته ففوجئوا بما فيها فاصطحبوه لمنزله للتفتيش فوجدوا اجتماعاً تنظيمياً كبيراً فقبضوا على كل من فيه!
التقطت الشرطة الخيط فوراً، وتم إبلاغ محمود فهمى النقراشى، رئيس الوزراء ووزير الداخلية فى الوقت نفسه، بمحتوى السيارة، وأدرك على الفور أنه أمام كارثة كبرى وأنه فى مواجهة تنظيم مسلح خطير لا يعرف -حتى تلك اللحظة- أحد عنه شيئاً، فأصدر أمراً عسكرياً فورياً كان قد شرع فى إعداده لكنه استعجله فى تلك اللحظات بحل الجماعة ومصادرة أموالها وسرعة القبض على أعضاء التنظيم السرى بعد معرفة عناوينهم ووظائفهم.. وهو ما فجّر المواجهة معه هو شخصياً، ولكن لذلك حديث آخر!
بالطبع سقط، بسبب تصاريف القدر وبسبب الغباء الإخوانى، عدد كبير من العناصر أُحيلوا إلى المحاكمة. وكان طبيعياً أن ينكر الجميع صلتهم بالحادث.. وتبدأ دعاية الإخوان وجهازها الإعلامى كالعادة بإطلاق قنابل الدخان.. وتوجيه اتهامات للمسئولين.
وبترويج فكرة المظلومية قدّموا القضية باعتبارها تلفيقاً واضطهاداً جديداً فى سلسلة لا تنتهى من التلفيقات والتربص بالجماعة.. وظل الأمر كذلك حتى جاء عام ١٩٨٧ لتقدم دار نشر إخوانية إرهابية، هى دار الزهراء للنشر، لإرهابى آخر اسمه أحمد رائف صاحب كتاب «البوابة السوداء» والذى يعج بالكذب.. واحداً من أشهر إصداراتها الإجرامية.
كان الكتاب بعنوان «النقط فوق الحروف» لأحمد عادل كمال نفسه! فقد أمد الله فى عمره ربما يتوب.. لكنه قدَّم فى الكتاب اعترافات مثيرة وكاملة.. والمدهش -كما لاحظنا- أن مقدمة الطبعة الأولى كانت بتاريخ ١٥ نوفمبر! صحيح كانت عام ١٩٨٦، لكنه نفس تاريخ حادث السيارة الجيب الشهير!
يقول «كمال» فى الكتاب صفحة ٢٢٣ عن هذه القضية: «كان سقوط السيارة الجيب فى ١٥ نوفمبر ١٩٤٩، وتراءى للنقراشى بها أنه قد استمكن من الإخوان. كان النقراشى رئيساً للوزارة وحاكماً عسكرياً عاماً ورئيساً للحزب السعدى، أكثر الأحزاب المصرية هزالاً وضعفاً حينذاك، كما كان فى نفس الوقت وزيراً للداخلية ووزيراً للمالية فى وزارته.
وفى ٨/١٢/١٩٤٨ أصدر النقراشى أمره العسكرى بحل جماعة الإخوان المسلمين، ولم تنقضِ ثلاثة أسابيع حتى سقط النقراشى قتيلاً فى عرينه بوزارة الداخلية برصاص الإخوان»!
بالطبع هناك اعترافات أخرى لغير أحمد عادل كمال الذى يقال إنه لم يزل على قيد الحياة فى الثامنة والتسعين من عمره.. فأغلب أعضاء التنظيم الخاص كانوا فى العشرينات، من يمكن السيطرة عليهم؟!
ما يعنينا هو تلك الحالة من الاستغفال التى تمارسها الجماعة ضد أعضائها والمتعاطفين معها.. إلى حد تسويق فكرة المظلومية.. حتى صدَّقوها.. وأن العالم يحاربهم لأنه لا يريد أن يعود الإسلام كما كان! وكأنهم هم الإسلام! والأخطر كأن الإسلام دين قتل وتفجير وتصفية للخصوم وإنهاء للخلافات معهم بالدم!!
انتهى حادث السيارة الجيب بكارثة أخرى فى سلسلة الدم والدم المضاد.. دفعت مصر كلها ثمنها.. كيف ذلك؟ وكيف جاءت لمرة رابعة اعترافات بأثرها الرجعى؟ فى الحلقة القادمة نقول!