كانت المسافة من السلم الداخلى لمنزل المستشار الشهيد أحمد الخازندار إلى باب البيت الواقع فى شارع رياض بحلوان كافية لتخرج زوجته ومن استيقظ مبكراً من أبنائه من الشرفة ليحيّوه ويودعوه بأيديهم ككل مرة، حيث اعتاد على استخدام المترو للوصول إلى قلب القاهرة، وكان اسمه وقتئذ «قطار حلوان».. وما أن التفت إليهم حتى كانت رصاصات الغدر تنهمر على الرجل.. الذى انتبه فانحرف قليلاً لينجو من ثلاث رصاصات من المجرم الأول، بينما انطلق المجرم الثانى ليتدخل بعد أن كان دوره فى المراقبة فقط ليطرح الرجل أرضاً.. ويطلق عليه ٩ من رصاصات مسدسه على بُعد سنتيمترات فقط من رأسه وجسده، ليلقى ربه على الفور! ولك أن تتخيل حال زوجة وأبناء يحدث مع رب الأسرة المشهد السابق، فكان الصراخ والانهيار إلى منتهاه!!!
كان المجرم الأول هو الإرهابى حسن عبدالحافظ، بينما كان الثانى هو الإرهابى محمود زينهم.. ولكن ولأن المشهد غريب على ضاحية هادئة مع عويل الأسرة الذى لم ينقطع دفعا الأهالى لمطاردة الجناة.. حاول «زينهم» منعهم وتخويفهم بإلقاء قنبلة يدوية، لكن ذلك دفع الأهالى أكثر وأكثر لاستكمال المطاردة حتى تم بالفعل إلقاء القبض عليهما.. وسيقا إلى قسم شرطة حلوان الذى ستبدأ بعد ذلك بدقائق توافد كبار شخصيات الدولة!
شخصية الضحية ووظيفته كانتا السبب ليهرع إلى هناك رئيس وزراء مصر محمود النقراشى، وكان هو أيضاً وزير الداخلية ومعه قيادات الداخلية عبدالرحمن عمار وكيل الداخلية، ومرتضى المراغى مدير أمنها العام وقادة القضاء المصرى الذين أحالوا الموضوع إلى الفور إلى النيابة العامة وقيدت برقم ٦٠٤ لسنة ١٩٤٨!.
بتفتيش الجناة ومنازلهم، وربما كانوا يثقون فى الهرب بعد جريمة عند الصباح المبكر فى حى هادئ لا يكتظ بالمارة، لكن خيبة الظن أدت إلى ضبط بطاقات عضوية تنتمى إلى جماعة الإخوان، مما دفع النيابة لاستدعاء حسن البنا، مرشد الجماعة، للتحقيق معه وأخذ أقواله، وهناك أمام النيابة أنكر «البنا» معرفته وصلته بالجناة!!!
تمر الساعات سريعاً.. وتثبت النيابة أن المتهم الأول هو سكرتير «البنا» الشخصى، وأن الثانى عضو بارز فيها، وأن «البنا» يعرفه، بل هو من اختاره لموقعه بالجماعة لقوة بدنه وتميزه الرياضى.. فما كان من حسن البنا إلا الاعتراف بعضويتهما، ولكنه أنكر توجيههما للاغتيال أو صلته وصلة الجماعة بالحادث!! ولا نعرف سر إنكاره معرفتهما فى بادئ التحقيقات!!
تمر الأيام وتتوالى الاعترافات.. بداية من المتهمين من سعيهم لقتل الخازندار لأحكامه المتشددة ضدهم.. ويقصدون أحكاماً طالت أعضاء فى «الجماعة» قاموا ببعض الأعمال ضد الإنجليز، ربما رأى الخازندار أنهم غير عسكريين وقد اشتهر بأحكامه المتشددة والتزامه المطلق بحياة رجل القضاء.. بينما جاءت بأثر رجعى اعترافات بعض قادة الجماعة ومنهم «السندى»، قائد الجناح المسلح أو التنظيم الخاص، بأن حسن البنا لـمَّح لاغتيال الخازندار بقوله: «لو ربنا يخلصنا منه»، بينما يعترف «السندى» أن اجتماعاً جمعه بـ«البنا» للتخلص من الخازندار صراحة ليس لما صدر من أحكام وإنما لنظر القاضى الشهيد قضية تفجيرات سينما مترو وتوقع إدانة أعضاء الجماعة، فكان القرار بالتخلص منه. وليس كما أشاع البعض أن تلميح «البنا» فُهم بالخطأ وأنه لم يأمر بقتل الرجل.. بل أمر وأمر!
إنها الأثر الأثر الرجعى لاعترافات أخطر جماعة فى التاريخ الحديث والمعاصر!