■ ستبقى «25 يناير» فى ذاكرة التاريخ، هبة مصرية شارك فيها المصريون ضد فساد النفوس والضمائر وتزاوج السلطة والنفوذ ورأس المال. ستبقى مشهداً حاولنا فيه -رغم مؤامرات الربيع الواهم- استعادة الحلم المسروق منا فى غد لم نكن نعلم مصيرنا فيه، وحماية مستقبل حاولوا بيعه للماضى. ستبقى «25 يناير» درساً فى عقولنا -حاكماً ومحكوماً- تذكّرنا بأهمية الدفاع عن مصالح الوطن لا مصالح الحاكم وزمرته. ستبقى 25 يناير نبراساً يصرخ فينا كلما تهاونّا فى حماية بلادنا وتخاذلنا فى أداء عملنا بأن جاهدوا لتحيا مصر.
■ ستبقى «25 يناير» تذكرنا بتجار الدين وتحالفهم مع شياطين الإنس من كل لون وملة وعلى كل وجه، رافعين زوراً وبهتاناً اسم «الله» وهو منهم براء. ستبقى 25 يناير شاهداً على عجز نظام تهاوى حينما لم يدرك أنه شاخ وأن تفاوضه مع المتأسلمين واستخدامهم كفزاعة للداخل والخارج لم يكن فى مصلحة البلاد والعباد. ستبقى «25 يناير» فى سجل التاريخ يوماً بدأ فيه تساقط أقنعة تجار الدين حينما نهبوا وسرقوا وأحرقوا طرقات وطن، ظانين ظن السوء أنها هكذا ثورة دينية، ألا عليهم دائرة السوء تعود.
■ ستبقى «25 يناير» لتذكرنا بتجار الأجساد مروجى العُهر من كل ملة ولون ومهنة. ستظل تذكّرنا بصعاليك صعدوا على موائد كل الأنظمة، فباعوا أجسادهم لمن يدفع المزيد -مالاً وسلطة- وهم يتشدقون بوطنية زائفة ونزاهة موقف أو كلمة لا محل لها من الإعراب. ستظل «25 يناير» شوكة فى حلوقهم كلما باعوها ليشتروا بها ثمناً بخساً، وكلما اشتروها ليبيعوا ما تبقى من شرفهم. ستبقى «25 يناير» ذكرى لمسوخ خلفتها سنوات غياب الدولة وعاهات سبّبها غياب الكفاءة وتفضيل أهل الثقة -ولو كانوا لصوصاً- على أهل الخبرة الذين لم يجيدوا صناعة الابتذال.
■ ستبقى «25 يناير» فى تاريخ بلادى ذكرى لكثيرين ضحوا بأعمارهم دون أن يكون لهم مطمع فى وظيفة أو شغفاً بمكانة أو طلباً لتقدير. خرجوا ولم يكونوا بحاجة للخروج، يرددون: «عيش، حرية، عدالة اجتماعية». راحوا وهم يغمضون أعينهم على مشاهد مصر التى سعوا لها ودفعوا من أجلها أعمارهم راضين. فارقونا بدموع تقهرنا وابتسامة رضا تجبرنا على تعظيم ما قدموا. كما ستبقى «25 يناير» شاهداً على تجارتنا بهم وابتذالنا لتضحياتهم حينما حولناهم لمعاشات وفرص توظيف ووسيلة للتشدق بهم على الشاشات.
■ ستبقى «25 يناير» شاهداً على رجال فى بلادى لم يهنوا ولم يبيعوا حتى ولو باع قادتهم وهانوا وخضعوا. ستبقى «25 يناير» لتُحيى ذكرى رجال لم ينسحبوا ولم يركعوا ولم يتركوا ميادين الدفاع رغم ضباب طغى على المشهد، و«جحافل جراد» ظنت أنه قد حان وقتها لتلتهم الأخضر واليابس، ورسل تتار توافدوا على بلادى لاقتسام غنائم مع خونة لم يدركوا أن الأرض عِرض، والوطن نعمة، والإخلاص مبدأ، والشهادة فرض إن لزم الأمر. ستبقى «25 يناير» تُحيى سيرة آلاف من رجال هم صُناع التاريخ وحماة الجغرافيا.
■ ستبقى «25 يناير» تحذر من عودة أمن يحمى النظام ويغفل عن أمن الوطن والمواطن. ستبقى «25 يناير» تنهى عن الصمت على فشل الحكومات واستخدام الأمن لصد غضب العباد. ستبقى «25 يناير» حافظةً لأسماء ضحت لآخر نفس من أجل صون كلمة شرف التزموا بها حين رددوا قسم التخرج فى كلية الشرطة. وستبقى 25 يناير تطالب برؤية أمنية متطورة تحمى المواطن أياً كان اسمه ومهنته وعقيدته، وتكفل لرجل الأمن أسس أداء عمله.
■ ستبقى «25 يناير» تنتظر توثيقها فى كتب التاريخ ليكون لها ما لها وعليها ما عليها. فلا تنكسر أمام مهاجم عن جهل أو مصلحة، ولا تنتظر من يدافع عنها ويذود بها عن إيمان أو انتفاع. ستبقى «25 يناير 2011» مشهداً لم تسدل عليه ستائر الزمن بعد.