فى وسط العاصمة القاهرة لوحة ضخمة على شكل تابلوه كبير للمشير السيسى وتحتها ثلاثة توقيعات لشخصيات تنفيذية.. طبعا لا هذه اللوحة ولا عشرات مثلها أو أضخم منها سوف تمثل دعما أو إضافة ولو ضئيلة للمشير السيسى، ولا شك أن قلوب الكثيرين من المصريين تحتوى لوحات أضخم للرجل ولكنها أصدق وأنبل وأشرف ولا يمكن أن تشتم منها رائحة النفاق البذيئة ولا دناءة المصالح الشخصية الرخيصة ولكنها لوحات ضخمة فى القلوب بحجم الآلام التى يعيشها الناس ويتمنون أن يقهروها وبحجم الآمال العراض التى يسعون لتحقيقها.
للأسف أمثال هؤلاء لا يريدون أبدا أن يفهموا حقيقة آمالنا فى الغد القريب.
لا يريدون أبدا أن ينزعوا عن وجه الوطن «ماسْك» وجههم الكئيب..
سرقوا منا سنين طوالا ولا يريدون أن يتركوا لنا بعضا يسيرا من العمر السليب.
حتى «السيسى» القائد الذى نتأمل فيه غدا نطالع فيه العجيب ونقارب فيه الغريب، يريدون أن يطبعوا صورته الجديدة على هواهم ووفق أمراضهم وأوبائهم وأوهامهم.. لم يروا فيه ما رأيناه، لم يتأملوا من كيانه ما تأملناه، ظنوا أنه سوف يعيد لموتهم الحياة وسوف يعيد لجنين آمالنا الموت!!
نحن نستشرف به فجرا جديدا يقارب مصر الواقع بمصر التاريخ، يؤاخى فى ضمائرنا بين الوطن الذى نقرأ عنه والمكان الذى نعيش فيه، يطابق بين آثارنا على الحجر وإنتاجنا فى واقع الريف والحضر، يمحو فى حياتنا الغربة والاغتراب بين الإرادة والقدر، يصالحنا على أيامنا وعلى أحلامنا وعلى الماضى والحاضر والغد المنتظر.
أما هم فقد تجهزوا بأدوات الزفة القديمة وكتبوا نفس العبارات السقيمة ورسموا نفس اللوحات السخيفة، ومن فرط استهتارهم لم يفكروا حتى بخداعنا ولم يجددوا فى وسائل إقناعنا بل أعادوا الأساليب المملة البليدة نفسها بالوجوه البغيضة نفسها وبالأشكال المقيتة ذاتها، وتصوروا أن الأيام القادمة أيامهم سوف يعيدون بها سالف ذكرياتهم وتمنوا على الشيطان أن يسرق القائد من أحلامنا وأن يودعه فى أطماعهم، ومن سخفهم لم يقدروا الرجل حق قدره ولم يتبينوا دنسهم من طهره ولم يميزوا كذبهم من صدقه وجشعهم من حرصه، وتصوروا أنه فقط كان عدوا للإخوان ونسوا أو تناسوا أنه خصيم الخيانة والخوان.
هو فى ضمائرنا شىء غير الذى فى صناديق صدورهم، نحن نريده أن يدافع عنا ثم نستميت فى الدفاع عنه، نود أن يحاسبنا بصرامة وبعدل على أن نحاسبه إن لم يُقِم فينا العدل.. لا نريد أن ينافقنا ولا يمكن أن ننافقه، لا نريد أن يغرقنا فى أوهام قائلا إنها أحلام، ولا نريد أن نغنيه قبل أن يمحو سواد هذه الأيام، لا نريد أن يعطينا دون أن نعطى ولا أن يمنحنا دون أن نمنح؛ فعهدنا معه وعقدنا معه أن نبذل كل كفاحنا بكل سلاحنا وأن يكون هو القدوة وهو المثل وهو المؤذن وهو الإمام ونحن أمامه ووراءه شعب همام، لا يعنى هذا أننا سوف نختصر الوطن فى زعامته ولا أننا نرهن ارتفاع هامتنا بارتفاع هامته بل يعنى أننا نحتاج لحكمه وحكمته كما يحتاج كل شعب صبور جسور لقادته.
أفهم أن المشير يفهم جيدا أنه ينبغى أن ينطق بحديث الناس قبل أن ينزلق من ألسنتهم.. نعم ينبغى أن يبدأهم به وهو ما يزال خاطرا فى ضمائرهم ولا بد أن يصارحهم بمواطن عجزهم ولو كانت جارحة؛ لأنه بهذا الأسلوب وحده تكون الكلمات شارحة، كما يجب أن ينبههم إلى غوامض قدراتهم وإراداتهم ويساعدهم على حفر آبارها واستخراج كنوزها وجواهرها.
المسئولية رهيبة وجسيمة فليست الرئاسة غنيمة، التحدى غير مسبوق والحرب جبهاتها عديدة والخصوم كثر، بعضهم ظاهرون مفضوحون وبعضهم خبثاء غامضون، ولن تجدى الأسلحة الفاسدة بل نحتاج إلى أخرى طازجة باترة آخر أنواعها وأشكالها الدبابة والطائرة والمدفع وأول نماذجها المحصول والمعمل والمصنع.
غدنا بصنع أيدينا وحصاد قلوبنا وضمائرنا شرط إدراكنا للحقيقة كل الحقيقة، ونحن على المحك فى مفترق الطرق وكما يقول المثل الفرنسى «الناس وحدهم يبدأون قصصهم والناس وحدهم يضعون لها النهايات»، ومن قبل ومن بعد الآية الكريمة {بَلِ الْإِنْسَان عَلَى نَفْسه بَصِيرَة وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيره} (صدق الله العظيم).