بروفايل| ثروت عكاشة.. الوزير المرضي عنه

كتب: سلوى الزغبي

بروفايل| ثروت عكاشة.. الوزير المرضي عنه

بروفايل| ثروت عكاشة.. الوزير المرضي عنه

تتصارع الألقاب في وصفه، فهو الضابط الذي حمل رأسه على كفه مع زملائه؛ ليغيروا وجه التاريخ في بلادهم إبان ثورة الضباط الأحرار، وهو الصحفي الذي أنار بقلمه العقول، وهو العالم والأديب الذي تلاقت الأجيال عبر كتبه، وهو الوزير الذي شكل وجدان الثقافة في مجتمعه، وأنقذ نفحات تراثية مصرية من الضياع؛ ليعيش اسم "ثروت عكاشة" موسوعيًا عاشقًا لوطنه، ويرحل تاركًا ذكرى رضي عنها كل من عاصره.

عهده أبناء جيله مختلفًا، فلم يكن تقلد "عكاشة"، المولود بالقاهرة عام 1921، لمنصب وزير الثقافة إضافة له بقدر ما كان إضافة للمنصب، فموسوعته الشهيرة "العين تسمع والأذن ترى"، التي جاءت في 19 مجلدًا، كانت قناة شرعية لكل المثقفين الذين أحبوا الإطلاع على حوار شامل بين الحضارات، وظلت على الدوام مرجعًا لكل من سولت له نفسه الإبحار في تاريخ الفنون، ناهيك عن ترجمات متأنية للمسرح المصري القديم، فضلًا عن ترجمته لكتاب الشاعر الروماني "أوفيديوس"، التي كانت درة تراجمه عن الفن الإغريقي والأوروبي.

من يعرف أن الدكتور ثروت عكاشة" كان سببًا في مشروع إنقاذ معبد "فيلة" و"أبو سنبل"، وآثار النوبة، ونائب لرئيس اللجنة الدولية المشكلة من قبل منظمة اليونسكو لإنقاذ مدينة البندقية بإيطاليا، لا يتعجب من تقلده لمنصب وزير الثقافة المصري لـ3 مرات متفرقة، فكانت فترته الأولى مستمرة لـ4 سنوات منذ عام 1958، ثم 4 سنوات أخريات انتهت عام 1970، ويتخلل تلك الفترتين عامًا كان فيه نائبًا لرئيس الوزراء، ووزيرًا للثقافة والإرشاد في آنٍ واحد.

لأنه آمن بأن حرية الأدب هي أكبر مدافع عن أي نظام في العالم.. كان "عكاشة" معليًا لمبدأ الحرية في الكتابة، وهذا ما شهدت عليه رواية "ثرثرة فوق النيل"، التي كادت تفقد الظهور إلى النور لولا وزير الثقافة وقتها، والذي أقنع الرئيس جمال عبدالناصر أن تلك الرواية ما هي إلا إنذار لبعض الأخطاء في المجتمع، وليس فيها سوء نية، وهو ما ترتب عليها صدورها قبل عام واحد من النكسة.

موسوعيته كمفكر وأديب لم تجعل منه إداريًا ناعمًا.. فهو العسكري الذي صار ملحقًا لسفارات مصر بألمانيا وإيطاليا، وفرنسا وأسبانيا لمدة 4 سنوات، ثم يخلع زيه العسكري، ويرتدي ثوب الاقتصادي المحنك عند رئاسته للبنك الأهلي المصري، ثم ها هو يعود إلى بلاط ملكه رئيسًا للمجلس الأعلى للفنون والآداب، قبل أن يُكلل ذلك عمله كمساعد لرئيس الجمهورية لشؤون الثقافة بعد عام من تولي "السادات" للحكم.

"واعترف بأن ثروت عكاشة هو صاحب الفضل في كل ما هو مجيد وأصيل في حياتنا الثقافية".. كانت تلك كلمات الفنان راجي عنايت عن صاحب المنصب، الذي دائمًا ما حظي من تقلدوه بانتقادات لإذعة، إلا أن الدكتورة نعمات أحمد فؤاد فسرت ذلك بقولها أن "عكاشة" عالم وأديب وفنان، "فحين صار وزيرًا للثقافة شرف به المنصب كأستاذ وفنان وإنسان دمث وأصيل"، وربما يكون كل ذلك هو ما جعل من يوم رحيله الموافق لـ"27 فبراير 2012"، يومًا شيعت فيه الثقافة رائدها، ويتسامر فيه المثقفون عن حافظ حاضرهم وتراثهم.


مواضيع متعلقة