"مكاتب مصدية" و"مرتبات معدومة" و"سقف بينشع ميه".. يوميات بنك في الأرياف

كتب: محمد شنح

"مكاتب مصدية" و"مرتبات معدومة" و"سقف بينشع ميه".. يوميات بنك في الأرياف

"مكاتب مصدية" و"مرتبات معدومة" و"سقف بينشع ميه".. يوميات بنك في الأرياف

مبنى زجاجي فخم متعدد الطوابق يقبع داخل حي راق، ومكاتب أنيقة مكيفة مزودة بوسائل التكنولوجيا، والديكورات وقطع الأثاث الحديثة، زي رسمي أنيق موحد على جميع العاملين، وأتوبيسات خاصة تنتظر بالخارج لتقل الموظفين إلى منازلهم عقب انتهاء أوقات العمل الرسمية، مشهد قد تراه معتاد عند دخولك فرع أحد البنوك في العاصمة أو المدن الكبيرة بالمحافظات، ولكن من قطعوا عشرات الكيلومترات ليس للمطالبة بالمساواة، وإنما بمستحقاتهم المتأخرة من علاوات وترقيات وتعديل رواتبهم المتدنية، رسموا صورة أخرى للبنوك المهدرة حقوقها، وروا لـ"الوطن" معاناتهم في بنوك القرى، وقرروا أن نعيش معهم يوم واحد من يوميات "بنك في الأرياف".

حالة من الاستغراب والتعجب، تنتابك في البداية، عندما تسمع بوقفة لموظفي بنك "التنمية والائتمان الزراعي"، وهو ما تراه على وجوه المارة من أمام المقر الرئيسي للبنك بحي الدقي، وتسمعه على ألسنة البسطاء منهم، حتى أن بعضهم صب عبارات السخط على المحتجين: "بتوع البنوك اللي بياخدوا ألوفات بيتظاهروا أومال الغلابة اللي مش لاقيين ياكلوا يعملوا أيه"، و"أنتم فلوس البلد كلها في جيبكم"، ولكن عندما تقترب من هؤلاء الموظفين الريفيين، وتستمع إليهم تعرف "لماذا أعلنوا الغضب".

{long_qoute_1}

"والله العظيم أنا مدير بنك ومرتبي 3000 جنيه مش مليون جنيه ولا حتى 5000 جنيه"، أحدهم ينفجر في وجهك غضبا، عندما تسأله عن سبب الاحتجاج، قبل أن يلتقط زميله بهدوء أطراف الحديث، ويسرد تفاصيل القصة: "أنا أحمد يوسف مدير أحد أفرع بنك التنمية والائتمان الزراعي في الزقازيق، ونعاني في بنوك القرى من كل شيء، بداية من سوء حالات مقرات البنوك، والتي ما هي إلا شقق إيجار قديم، نعاني حتى من سوء حالات الحمامات بداخلها، وبعضها بلا حمامات أساسا، حتى الإضاءة داخل مكاتبنا كموظفين في البنك ضعيفة، والأثاث متهالك، والله العظيم المكتب اللي بقعد عليه، وأنا المفروض مدير البنك مصدي، والإدارة لا تبالي، ده حتى مفكرتش، توزع أثاث البنك القديم في التحرير على بنوك القرى الغلابة، وباعته بـ70 ألف جنيه".

يتابع "يوسف" حديثه: "استحملنا كل ده، لكن حقوقنا متأخرة، ولا توجد أي حوافز لموظفي بنوك القرى مثل البنك الرئيسي، بنوك القرى ناس (ولاد البطة السودة)، ولا يتمتعوا بمزايا البنوك الأخرى ولا البنك الرئيسي من خدمات وبدلات ورحلات، وأتوبيسات خاصة لتوصيل العاملين، حتى الزي الرسمي غير متوافر في بنوك القرى، ومن يوم ما أتعينت سنة 97، مفيش أي تطوير حدث للبنك خالص، رغم أن بنك القرية، هو الجبهة الأمامية اللي بتتعامل مع العميل، أنا اللي بمنح القرض وبحصله، أنا القاعدة الأساسية لإيداعات البنك والمنح والتحصيل، وأنا الأحق بالاهتمام".

{long_qoute_2}

جانب آخر من أزمات بنك القرية، يرصده "عبدالعظيم محمد عبدالفتاح"، حارس فرع البنك بقرية الصنافين، فيتحدث عن مخاطر ومتاعب حراسة بنك في الريف المصري، وكلت له المهمة فيه مع زميل واحد فقط، فيقضيان سويا الليل والنهار على أبوابه، رغم أن مهمة الحراسة الخارجية موكلة للشرطة، إلا أن الأمر على أرض الواقع عكس ذلك: "الشرطة متقاعسة عن حراسة البنك، وأنا المفروض حارس داخلي فقط، والشرطة تحمي البنك من الخارج، لكنها حراسة على الورق".

أعباء حراسة البنك، ليست المشكلة الوحيدة، التي تواجه "عبدالعظيم" حارس بنك القرية، فيضيف "حارس بنك القرية، عامل نضافة بيسيق البنك وينضفه، وكمان بيقضي خدمات الموظفين والعملاء، وبيعملهم شاي، ورغم كل ده، المفروض يحصل على أجر إضافي، بناخده نص أجر 288 جنيه مش أجر كامل، وبشتغل جميع الإجازات والمواسم والأعياد الرسمية، ومرتبي الأساسي 1156 جنيه على فكرة، مش زي ما بيقول رئيس البنك، إن موظف بنك التنمية دخله في السنة 101 ألف جنيه، حتى بدل المخاطر والمفروض أنه يكون أعلى حاجة يتقاضاها حارس بنك، بقبضه 12 جنيه فقط لا غير".

{long_qoute_3}

وعن حالة المقرات، يصفها "عبد العظيم" بالمتهالكة، متابعا حديثه: "بنوك القرى 70% منها شقق إيجار، وفي بيوت ساكنة، والمقرات غير صحية، بنضطر نقفل شبابيكها طول الوقت عشان الجيران حتى لو الدنيا ضلمة، ومفيش أي صيانة للمقرات القديمة والخربانة".

يقطع صراخ "عاطف عبدالمنعم"، حارس آخر لبنك القرية، الحديث، قائلا: "أحنا أصلا مش في بنوك أحنا في حيطان مدارية، مطحونين وشغالين ومش واخدين حقنا ومش هناخد حاجة، أحنا بنشحت، الشقة اللي فيها البنك، سقفها بينزل علينا ماية في الشتا وتغرقنا".

يتابع "عاطف" حديثه ساخرا: "مقر البنك الرئيسي الفخم اللي أحنا قدامه دلوقتي، أول مرة أشوفه أنا كنت فاكر نفسي في فرنسا، أنتم عايشين في فيلا وسايبنا زي القطط ناكل من الزبالة، رغم أن أحنا الأساس، أنا اللي بجبلك الفلوس، وأنا اللي بتعامل مع الفلاح في قروضه وتعاملاته كلها، والله دفعتي في البنوك التانية بياخد 10 آلاف جنيه".

يكمل حسام فتحي الموظف في "بنك القرية" بمنيا القمح، ما رواه زملائه من معاناة، ويتحدث عن موظفي "بنك القرية" وما يتحملوه من عناء، بقوله: "موظف بنك القرية، يعني الشقى كله، يا أما بيلف على رجليه طول النهار يحصل فلوس من العملاء، أو قاعد في مقرات أقل من المتواضعة، كراسي مكسرة ومكاتب مصدية وشقق متأجرة إيجار قديم من 100 سنة، وبنغزل برجل حمارة ومش عاجب".{left_qoute_1}

 

"هما هنا في التكييف والشياكة مش حاسيين بأي حاجة، وأحنا اللي بنجيب الفلوس للبنك متمرمطين"، يواصل "حسام" الحديث عن الازدواجية في التعامل مع موظفي "بنك القرية"، "أحنا كل فترة نكتشف لينا فلوس مكناش نعرف عنها حاجة، زي فرق الدرجة مثلا، وكان في زيادة مرتبات 20% من سنة 2000، ومنعرفش، ولما نيجي نسأل عليها، يقولك أرفع قضية عشان تاخدها، والعلاوات بتتأخر، ده غير الترقيات اللي المفروض تكون كل 3 سنين للمؤهلات العليا، في البنك الرئيسي ياخدها في وقتها، وأنا في بنك القرية بتتأخر عليا حتى 4 و5 سنين من غير سبب، لا لينا خدمات ولا مواصلات، القلم اللي بيكتب بيه موظف بنك القرية على مستوى الجمهورية، بيشتريه من جيبه، القلم أبو خمسين قرش حتى مبيوفرهوش، والدباسات والدبابيس بيجبها من جيبه، الحاجة الوحيدة اللي بيوفرها البنك كراسة القروض اللي أنا بمضيها، في بنوك تانية الأقلام والأجندات بيوزعها الموظفين على حبايبهم، وعمرنا ما بنشوف الكلام ده، ولا طالبنا بيه، كل اللي عاوزينه حقنا المتاكل علينا".


مواضيع متعلقة